خرج من المعتقل لا يقوى على المسير لكنه يحلّق حرّاً
"أنني أؤمن بحقي بالحرية وحق بلادي بالحياة، وحيث تكون الحرية يكون الوطن"
أخي ضحكي وبكاي، تشاركنا ذكريات الطفولة وأحلام الشباب، صنعت لعبة من طين شدها من يدي فتكسرت، غضبت، ذهبنا بعدها لتناول الشاي. كبرنا ليصنع كل منا عائلة تشبه عائلتنا المتحابة.
كان صديقي وملاذ أفكاري، ملجأي من الهموم وصندوق أسراري، أتذكر صخبنا ولعبنا، سفرنا ونثر ضحكاتنا. هو من منح قلبي الأمان ومسح دمعتي بكل حنان.
في 22 تشرين الأول/أوكتوبر 1954، أتت لي أمي بأجمل هدية سماوية، تحاميت بها وتباهيت. وفي نفس اليوم من العام 2013، تم اعتقاله، يوم ميلادك يا أخي يوم اعتقالك.
فؤاد حقي مدرس رياضيات في مدرسة المتفوقين في الرقة. تم نفيه قبل الثورة إلى قرية نائية على الحدود التركية. كونه رفض أن يأكل في احتفالات ميلاد الحزب العملاق، وزاد على ذلك رفضه للرقص وفاءً للقائد المفدّى.
مما كتب على صفحته على فايسبوك: “أنني أؤمن بحقي بالحرية وحق بلادي بالحياة، وحيث تكون الحرية يكون الوطن”.
عمل فؤاد في أوائل الثورة بالتنسيقيات وتوجيه الشباب إلى انتهاج السلمية في التعبير، وكتابة اللافتات وتنظيم المظاهرات، طبعاً جرمه كبير.
رموه بعد شهرين خارج المعتقل كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، أسعفته زوجته إلى تركيا، خيث بقي في الغيبوبة مدة شهرين ونصف في المشافي. استفاق بعدها فاقداً للنطق والمشي.
احتار الأطباء في وضعه. منهم من قال حقن بفيروس ومنهم فسر أنها صدمة عصبية، وآخرون قالوا جلطة دماغية ولا زال التحليل مستمراً. وكلكم يعرف ما جرى معه وما عاناه حتى ولو أنه لا يتكلم ، أنظروا إلى عينيه فقط سيمر أمامكم شريط تعذيبه وبقية رفاقه الأبطال.
أذكر حين دعونا إلى نشاط يجمع هؤلاء المعتقلين مع أهاليهم ليروي كلّ منهم قصته، وفي كل منها ألف غصة، قصص حقيقية من شخصيات واقعية. منهم الفنان نعمان حاج بكري الذي كان مسجونا في فرع 215 . إبراهيم بيرقدار في سجن صيدنايا. قتيبة العايد اعتقل بحمص، أسامة ميقري في فرع فلسطين. وفؤاد حقي في سجن الجوية في دمشق.
تحدثوا عن معتقلات النظام الأسدي، اختصروا وحاولوا توصيلها لنا بإطار مزخرف. وبالرغم من ذلك قلوبنا بكت دماً. تمنينا في تلك اللحظات أن نكون صماً، شيء جارح يفوق الخيال.
خرجوا من سجونهم الصغيرة إلى السجون الكبيرة،حيق يتجاهلهم الجميع. فهم ليسوا مشهورين كفاية حتى نتصور معهم ونهتم لأمرهم. استميحكم عذراً فأنتم لستم من المشاهير.
المعتقلون أولاً ولكن الخارجين من الاعتقال ليسوا أخيراً. الذين بقوا على قيد الحياة بمحض الصدفة، كونوا منصفين وتابعوا الخارجين من المعتقلات لا تتركوهم للزمن.
أتذكر بعض ما كتبوا له في عيد ميلاده: “اليوم كان جميلاً، بالنسبة لي، ردت روحي بزيارة أستاذي وأستاذ أغلب طلاب الرقة الاستاذ فؤاد حقي الذي كان في معتقلات الأسد ولازال على قيد الحياة”. وكتب آخر “كنت وما زلت بحر عطاء، وعيدك هو إحساسنا بالحب والطمأنينة”.
ما استطاع أن يكتبه أخي :”أفكر بكم جميعاً”.
الهام حقي (57 عاماً) مواليد الرقة، خريجة كلية التربية. رئيسة رابطة سوريات، عضو المكتب التنفيذي لملتقى الأدباء والكتاب السوريين. عملت كمدرّسة لأكثر من عشر سنوات.