خالد الذي طحنت الحرب السورية أحلامه
"لم يعتد القتل ولا الدماء من قبل. لم يقو قلبه على هذه المأساة. وكيف لأهل وطن واحد أن يقتل بعضهم بعضاً. لم يكن يحلم سوى بالدراسة والنجاح"
خالد الشاب العشريني الصاعد، كان كوردة أزهرت. بدأت حكاية هذا الشاب في إحدى قرى المنطقة، مع بداية هذه الثورة.
في هذه الظروف القاسية التي تمر بها البلاد، نجح خالد في نهاية العام في الصف الثالث الثانوي. قدم امتحان الشهادة الثانوية وحصل على تقدير جيد جداً. وكانت الفرحة العامرة له ولأهله الذين كانو قد وفروا له كل ما يحتاجه من مدرسين وأجواء امتحان وهدوء، من أجل التفوق الذي كانوا بانتظاره من إبنهم.
صدرت النتائج وجاء مجموع خالد الذي كان بانتظاره. فرح بالنجاح فرحاً شديداً إضافه إلى أنه فرح بفرحة أهله. كان طموح خالد أن يصبح مدرسا للغة الانكليزية. وبالفعل عندما أعلنت شروط المفاضلة العامة فقد استحق ان يحصل على هذا الفرع بامتياز.
أتم الأوراق المطلوبة وذهب إلى اللاذقيه ليتم التسجيل. سيحقق حلمه الذي طالما حلم به هو وأهله. اكتملت اوراق التسجيل وبدأ خالد االمرحلة الدراسية الجديدة. كان شاباً طموحاً مجدّاً لطيفاً في نفس الوقت. وضع كل مجهوده في الدراسة ليحصل على تقدير ممتاز. واجتاز السنة الدراسية الأولى بنجاح.
وبدأت السنة الثانية من مراحل الدراسة. لكن هذه السنة مختلفة عن السنة السابقة. ففي هذه السنة ازدادت أوضاع البلاد سوءًا وازدادت الفوضى. ووضع النظام الحواجز على الطرقات المؤدية إلى اللاذقية. وهنا بدأ القلق يسيطر عليه وعلى أهله خوفاً من أن يقع في أيدي هذه الحواجز التي كان كل همها أن تأخذ النقود.
ومع كل هذه الظروف التي يمر بها كل طالب في الجامعة استكمل السنة الثانية بنجاح. واستطاع أن يترفع الى السنة الثالثة. إلّا أن هذه السنة لم تكن كتلك السنوا.ت فهو لم يعد قادراً على الذهاب إلى الجامعة. ساءت أحوال البلاد أكثر فأكثر. وكثيراً ما تعرض طلاب الجامعة للمداهمات من قبل قوات الأمن، يأخذون من شاؤوا من الطلبة.
سيطر الخوف عليه وعلى أهله الذين أصبح هاجس الاعتقال لا يبرح مخيلتهم. فقرر خالد ترك الجامعة وبدأ بالتدريس في إحدى القرى القريبة من قريته. لكنه لم يمارس التدريس لفترة طويلة لأنه لم يستطع أن يتقاضى راتبه، الذي كان يجب ان يحصل عليه من إحدى القرى التابعة للنظام.
وهنا انتهى حلم خالد فلا دراسة بعد الآن ولا تدريس. تحطم حلم خالد الذي لطالما حلم به وعقد الآمال الكبيرة عليه. إنتهى وكأنه لم يكن، دهست كل احلام خالد تحت عجلات الدبابات والمجنزرات. كما انتهى حلم آلاف الطلاب ممن هم في مثل سنّه.
قرّر خالد الانتساب يائسا إلى فصيل من الفصائل ليكون في صفوف الثوار. لعله يجد ضالته. وبدأ رحلته الثورية، فإنخرط في صفوف المعارضة والتحق بالفصيل المسلح منها. لكنه لم يستطع خوض أي معركة فهو لم يعتد حمل السلاح. وقرر الانفصال عنهم. وهكذا إنتهت رحلته الثورية، ولم يكتب لها ان تكون ناجحة.
لم يعتد القتل ولا الدماء من قبل. لم يقو قلبه على هذه المأساة. وكيف لأهل وطن واحد أن يقتل بعضهم بعضاً. لم يكن يحلم سوى بالدراسة والنجاح. وهكذا ونتيجة لكل ما تعرض له من إنكسارات فقد انتهى به المطاف إلى مأساة جديدة. فقد دخل في عزلة شديدة ترك معها أهله وزملاءه وكتبه وكل شيْ.
وبدأت هذه الحالة بالازدياد يوماً بعد يوم. ولم يستطع أهله ان يفعلوا شيئاً سوى تقديم النصح. الذي لم يكن ليحصد أي نتائج معه. ولم يكونوا قادرين على أخذه إلى أي طبيب نفسي. فخالد سبق أن التحق بالفصائل المسلحة. ما يعني أنه أصبح مطلوباً للأمن. ولم يكن ليتوفر أي طبيب نفسي في منطقتنا.
دخل خالد في حالة نفسية سببت له الكآبة والحزن والقلق والتوتر. مما زاد في وضعه سوءاً وزادت عزلته وابتعاده عن الناس. حتى عن أهله الذين لطالما بذلوا كل جهد في سبيل توفير كل مستلزماته، أصبح يتشاجر معهم بشكل شبه يومي. لم يكن يدري ما يفعل. ولا يعي حقيقة تصرفاته.
قرر الانفصال عن أهله والعيش وحيداً وبعيداً عن الناس. وهكذا فقد تحول خالد من شاب جامعي طموح إلى شاب محطم نفسياً، لا يمكنه التفكير في شيء. وكل ذلك بسبب هذه الحرب اللعينة التي استنزفت كل شباب الوطن وطحنتهم بمختلف فئاتهم وأعمارهم.
لا نعرف متى ستنتهي هذه الحرب، وكم ستحصد من الشباب ممن هم في مثل عمر خالد الذي يمتلئ قلبي حزناً في كل مرة أراه فيها على هذه الحالة المحزنة. في كل اتوقف للحديث معه وأسأله عن وضعه، يكون جوابه الحمدلله وتذرف عيونه الدموع.
خالد هو ابن عمي لا أدري ما يجول في خاطره، إلّا أنني اتمنى له الشفاء العاجل، والعودة إلى دراسته وأهله الذين أفنوا حياتهم من أجله.
نرجس الأحمد (29 عاماً) ربة منزل وأم لطفل تبحث عن فرصة عمل.