خالتي التي أعدموها ميدانياً وطعنوها بالحراب

الوشوم على وجهها تعكس تاريخ الحزن والتعب

الوشوم على وجهها تعكس تاريخ الحزن والتعب

بعد أن نزحنا من قريتنا الحاكورة ذهبت مع زوجي وأولادي إلى منزل خالتي في القرية المجاورة. كنا تركنا قريتنا خشية أن يقع زوجي في قبضة الحواجز العسكرية، وهو ما يغيب عن قرية خالتي.
خالتي فطوم أعطتنا غرفة نسكن بها مع أولادي الصغار. كانت خالتي امرأة كبيرة بالسن، تبلغ من العمر75عاماً. كان لديها ولد واحد، توفي في دمشق منذ زمن بعيد وهو يعمل في مجال البناء. خالتي كانت وحيدة وطيبة جداً. كنت اساعدها في أعمال المنزل. وكانت تحب أولادي كثيراً. خالتي فطوم كانت أحبّ إليّ من أمي.
وبعد مرور ثلاثة أشهر على سكني مع خالتي. نزح أهل البلدة خوفاً من اقتحامها من قبل مجموعات مؤيدة للنظام الحاكم في دمشق. كان ذلك في شهر كانون الأول/ديسمبر 2011، كان البرد يقطع أوصالنا ونحن نمشي. يومها سلكنا الطريق الغربي، لأن الجيش كان قد اقام حاجزاً في قرية الشريعة على الطريق الشرقي.

ذهبنا باتجاه بلدة قلعة المضيق، خلال رحلتنا كنا نسمع أصوات الاشتباكات المسلحة. كنت أخشى على زوجي وهو على جبهات القتال. أذكر يومها أن خالتي همّت فجأة بالعودة إلى القرية.
أوقفتها وسألتها: “خالتي ماذا تريدين؟ ألا تسمعين أصوات الاشباكات؟
أجابتني: “لقد نسيت دواء الضغط ولا أستطيع العيش من دونه”.
قلت لها: “سأشتريه لك حال وصولنا إلى القلعة”.
لكنها لم تقبل.علمت حينها أن ما نسيته خالتي هناك لم يكن الدواء، بل كان أكثر أهمية من الدواء. رجوتها كثيراً ألّا تذهب ولكنها لم تستمع.
ذهبت بقدميها إلى حتفها. أبلغنا بعض الأصدقاء أنهم شاهدوها عند عودتها إلى القرية. كان الجيش قد وصل إلى هناك. ما إن رآها العاصر حتى أطلقوا النار عليها. قال لنا الأصدقاء أن العناصر طعنوها بالحراب، دون اعتبار لعمرها أو ضعفها.
علمنا انه تم دفنها في بلدة الجرنية القريبة من بلدة السقيلبية حيث المشفى الوطني الذي نقلها إليه الثوار. أما أتباع النظام فاتهموا الثوار بقتلها، وقالوا أن إرهابيي الغاب هم من قتلها.
حين وصلنا خبر أستشهاد خالتي، كنت نازحة في قلعة المضي ، عند أصدقاء خالتي. لم يفاجئني الخبر. لقد رأيت الموت في عيني خالتي حين قررت العودة إلى القرية. لقد ذهبت إلى حتفها، وهي تعلم أنها ميتة لامحال. لم تسمع كلام احد، فالموت كان ينتظرها.
حزنت جداً عليها فلقد كانت بمثابة أمي. لكن الحرب لا ترحم أحداً، لا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة عجوز.

فرح العمر (26 عاماً) من ريف حماه الغربي متزوجه وأم لاربعة أطفال تحمل الشهادة الإعدادية.