حين احتفلت إدلب ولم تحتفل

“لا تخرجوا غداً من منازلكم” عبارة تداولها أناس كثر في إدلب. غداً يومها كان الثالث من حزيران/ يونيو 2014، حيث ستُجرى انتخابات رئاسية في سوريا.

حتى العاشرة صباحاً، لم يكن قد حدث شيء. سألنا صاحب المنزل الذي نقطن فيه عما إذا كنا قد انتخبنا أم لا؟ تجيبه إحدى صديقاتي لم نذهب، فيسرع قائلاً: “من الضروري جداً أن تنتخبوا وذلك لمصلحتكم”.

ذهبنا إلى مركز الانتخابات التي كانت تقام في مباني المدارس. وقفنا قليلاً لتأتي فتاة تبدو في العشرين من عمرها، ترتدي بذة عسكرية. بدأت بتفتيش الحقائب والملابس التي نرتديها. وعلى مقربة من الباب يجلس عسكري وقد وضع على كتفيه العلم السوري، طلب منا الهويات ثم سمح لنا بالدخول. لقد كان المكان يضج بالناس القادمين لكي ينتخبوا، سمعت أحدهم يسأل: “بيصير انتخب عنّي وعن زوجتي”. ويقول أخر: “الله يخليلنا الرئيس بشار”.

سيدة وزوجها ينتظران وسيلة نقل في حي السكري. تصوير حسام كويفاتية

تقف صديقتي وتعطي الهوية للشاب المسؤول عن الصندوق الانتخابي. مرام من مواليد اللاذقية، يبتسم لها الشاب ويقول: “الله محيي كل أهل اللاذقية، والله يوفقِك وينجحِك”. أعطيته هويتي فلم يقل لي شيئاً. أعطاني ورقة كتب عليها أسماء الأشخاص المرشحين للانتخابات، وما كان علي سوى أن أنتخب بشار الأسد، كانت الورقة مختومة، عندما انتهيت أعطيته الورقة فقام أحدهم بفتحها ليرى من انتخبت، نظر إلي مبتسماً، وأخيراً جاء دور صديقتي ليال التي نسيت الهوية في المنزل، نظر إليها أحد العساكر وقال لها: “شو وين هويتك؟ ومن وين؟” فترد قائلة: “نسيتها أنا من كفرنبل”. فيرد عليها بصوت صاخب: “انتو أهل كفرنبل تفتعلون المشاكل، والله ليس لكم أمان”. تصمت ليال قليلاً ثم تقرر الذهاب لكي تحضر هويتها. خرجنا  من المركز وقفنا قليلاً عند الباب، وإذ بقذيفة تسقط على المبنى المقابل مباشرة. الغبار يملأ المكان، أصيب العسكريان اللذان كانا يقفان حرساً على الباب بالذهول. بدأنا بالصراخ لم نعرف من مات.

ذهبنا مسرعات إلى المنزل قبل أن تسقط قذيفة أخرى، لحظات هادئة تفصلنا عن أصوات القذائف ومدافع جهنم التي بدأت تقع في كل مكان، كان لدينا في اليوم التالي تقديم امتحان اللغة الإنكليزية. لم نستطع الدراسة ابداً، فالأصوات بدأت تتصاعد وتزداد حدة. سمعنا صوت الباب يُطرق بقوة. خفنا كثيراً، لم نفتحه، حتى سمعنا صوت جارتنا التي تسكن في الطابق الرابع والتي كانت خائفة جداً. فتحنا لها ومعها ابنتها وئام كانت تبكي وتقول: “أتسمحون لنا بالبقاء هنا فقط هذه الليلة فالقذائف تسقط بشكل عشوائي”.لقد كانت معركة حقيقية، لم نستطع الجلوس في الغرفة لأن أبوابها من بلور. ولم يكن لدينا من طعام. انقطاع الكهرباء، كان المعاناة الأكبر. ظننا أن ادلب سوف تتحرر من قوات النظام وينتهي كل شيء.

وعلى الرغم من القذائف التي كانت تقع في كل مكان، خرج جنود من الجيش السوري في مسيرات مؤيدة مرددين هتافاتهم “الله.. سوريا.. بشار وبس”.

وفي اليوم التالي عادت جارتنا أم وئام، هي موظفة في إحدى المراكز الحكومية. كان الخوف والرعب على وجهها. روت لنا ما حصل معها. وأذكر تماماً وجهها وهي تقول: “رأيت القذيفة حين سقطت بالقرب منّا، كدنا نموت حقاً. كانت السيارات تسير بسرعة لم أعرف أنا وزميلتي كيف نأتي إلى المنزل. وقفت سيارة سوداء  وفي داخلها ثلاثة من الشبيحة، أحدهم ذو لحية سوداء طويلة خافت صديقتي ولم تكن تريد الركوب، ولكنني أقنعتها”. صمتت أم وئام قليلاً وتذكرت ابنتها وئام التي خرجت من الصباح وذهبت للجامعة، وانهرت باكية، قبل أن تهدأ وتبدأ بالدعاء لها.

عادت وئام مرعوبة وخائفة. وضعت رأسها على صدر أمها وغفت. وعندما حل المساء سمعنا صوت العساكر يهتفون ويضعون الأغاني المؤيدة، وأصوات الرصاص التي لم تهدأ، لم نعرف ماذا كان يحصل، ليخبرنا أحد الجيران أن بشار الأسد فاز بالانتخابات. كانت ليلة صاخبة، فأصوات الأغاني لم تهدأ حتى الصباح، بالرغم من أن قذائف الثوار كانت تمطر المدينة، وبالرغم من أن مدينة إدلب مشهورة بمعارضتها الشديدة لحكم آل الأسد.

ريم الحسن (19 عاماً) تركت الدراسة بسبب ظروف الحرب. تعيش مع أهلها، حيث تعمل كمذيعة ومراسلة لراديو فرش في كفرنبل في إدلب.

بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي