حمص: قتل وسرقة بلون طائفي

 علياء أحمد

من يسير في حمص يدرك حجم الإنقسام الذي أصابها. فالمدينة حيث بدأت الحرب الأهلية، التي ما زال ينكرها معظم السوريين، تحولت بفعل أكثر من عام من القتال إلى معسكرين يكاد لا يصل بينهما شيء.

إنقسمت حمص إلى مناطق للسنة، وأخرى للعلويين يعيش فيها غالباً مسيحيّون وقلة من بقية الطوائف، كالمرشديين والدروز والإسماعيليين. فقد أخلى كثيرون بيوتهم بعد أن عاشوا في حارات غالبية سكانها من غير طوائفهم  بسبب تعرضهم لاعتداءات ومضايقات ما لبثت أن تفاقمت مع تفجر الأعمال العسكرية، أو بسبب خوفهم بعد مجرد انتشار الشائعات عن أعمال مماثلة.

أحد البيوت المدمرة في بابا عمرو في حمص – فيس بوك – حمص من تحت الدمار

يقول حسن الأحمد (61 عاماً)، وهو موظف متقاعد علوي ويعيش حالياً في حي النزهة ذي الأغلبية العلوية: “عشت خمساً وعشرين سنة في حي فدعوس؛ غالبية سكانه من السنة ولم يضايقني أحد. على العكس، كنا كأهل، ولكن بعد أن تصاعدت الأحداث في حمص وبدأت حملة الإعتقالات من قبل الدولة، أصبحنا نستيقظ على أصوات رصاص يطلق على بيتنا وتهديدات تأتينا لنترك منزلنا، فاضطررنا لترك البيت، واللجوء إلى منطقة غالبيتها علويين. أما بيتنا فقد نهب وتحول لمنفذ للتنقل بين البيوت من خلال فجوة تصله بغيره، هذا ما اكتشفناه بعد دخول الجيش للمنطقة وإخلائها من المسلحين.”

يتحدث كثير من السُّنة من أهل حمص عن تعرض أقاربهم للإختطاف وحتى القتل على أيدي عناصر الأمن والمدنيين المتعاونين معهم والمعروفين بـ”الشبّيحة”، ما اضطرهم إلى النزوح عن أحيائهم أو حتى المدينة، ولكن هذه المآسي يرويها أيضاً مدنيّون من الطرف الآخر.

تسترجع سلمى محمد، وهي علوية وتعيش في حي السبيل بحمص، قصة مقتل إبن عمها.

“لم يتجاوز إبن عمي السابعة عشرة من عمره. كان عامل بناء في ورشة في طرطوس، يسافر كل أسبوع ويعود إلى منزله. خطف منذ ثلاثة أشهر، واتصل بنا خاطفوه يطلبون عشرة ملايين ليرة فدية لإعادته،” تقول سلمى.” رفض الخاطفون توسلات عمي والجميع لإعادته بمبلغ لم يتجاوز المليون ليرة تبرع بها أهل الحي والأقارب، وقطعوا الاتصال مع أهله. توفيت أمه بجلطة دماغية من شدة حزنها وقد كان هذا أفضل لها، فقد وجدت جثته منذ شهر مرمية على طريق حماه.”

أما منى الهنداوي، وهي أم لخمسة أطفال تعيش حالياً في حي المهاجرين في حمص، فقد قتل زوجها الذي كان يعمل شرطي مرور.

“كان  في حي القصور في شهر تشرين الثاني السنة الفائتة أثناء تشييع مر بالقرب منه، فتعرف أحدهم عليه بأنه علوي، وحرض الناس الذين انقضوا عليه بوحشية… ووجدت جثته في مقبرة النصر في اليوم نفسه،” تقول منى.

“لست الوحيدة التي عاشت هذا المصاب، فها هو جارنا الضابط المتقاعد، قتل مع ابنه وابن أخيه في الخالدية السنة الماضية … هذه الكوارث الفظيعة بتنا نعيشها كل يوم وكأن البشر تحولوا إلى وحوش،” تضيف منى.

تردي الأوضاع الأمنية في حمص صاحَبه انتشار واسع لأعمال السرقة، خصوصاً مع تردي الأوضاع الإقتصادية في المدينة.

سالم شاب سني من منطقة دير بعلبه في حمص ويعيش حالياً في دمشق. يقول سالم: “إتفقت مع بعض أصدقائي على سرقة البيوت التي هجرها أصحابها، وخاصة أننا لم نعد نجد عملاً بعد أن كنا عمالاً مياومين، ولكن ألقي القبض علي منذ سبعة أشهر وقد كان في السجن أيضاً لصوص علويون قبض عليهم بنفس التهمة، ثم سوّي وضعي وخرجت وقررت أن آتي لدمشق لأعمل هنا بعد أن مدت لي يد العون من أجل أطفالي.”

بينما يقول سالم أن الوضع الإقتصادي المتردي دفعه إلى السرقة، فإن هناك من يبرر السرقة  بالقول إنها انتقام عادل. لا يتعاطف كثيرون من العلويين في حمص مع السُّنة في الخالدية أو بابا عمرو أو القصور، بالرغم من ما يعانيه هؤلاء. فالسُّنة خطفوا أولادهم وقتلوهم وشردوا أسرهم، كما يقولون.

عبده السيد هو علوي قتل أخوه وحرقت سيارة الأجرة التي كانت تعتاش منها العائلة، وقد افتتح محلاً للمفروشات المستعملة في منطقة العباسية. يقول عبده: “يحق لنا أن نسرق من بيوت هؤلاء المجرمين. لقد قطعوا أرزاقنا وحرمونا الأمان. لقد قبضوا أثمان بيوتهم من الخليجيين وتركوها ويحق لنا سرقتها للعيش منها.”

إلا أن هذا المنطق لا يسود عند جميع علويي حمص.

“ما يحدث إجرام فظيع ولا يقبله لا عقل ولا دين. ما ذنب الذين تهجروا من منازلهم أثناء الإشتباكات لتسرق بيوتهم، ألا يكفي تشردهم؟”  تقول أم ميسم، وهي علوية  تعيش في حي عكرمة، معلقةً على  تبرير البعض التعدي على ممتلكات السُّنة.

“لا أصدق أن السنة كلهم مجرمون؛ هذا غير صحيح. زوج ابنتي سني وهو وأهله طيبون ولا يختلفون عنا بشيء. لماذا نسي الناس صداقاتهم وقرابتهم مع بعضهم؟ إنها كارثة على البلد كله، لا شيء يبرر السرقة حتى الحاجة وهناك من يسرق وهو ميسور الحال لكن طمعه يقوده إلى ذلك. لست مستعدة أنا وكثيرون أن نشتري أي شيء سرق من بيوت الناس،” تضيف أم ميسم.