حلم بعودة الزوج والأب الغائب
رجل كبير في السن من سكان المرج نازح لمدينة زملكا
"أحمد أب لثلاثة أبناء، كان يملك محلاً تجارياً لبيع الملابس. والآن مضت أربع سنوات ولا أحد يعلم في أي المعتقلات هو. وما إذا كان حياً أو قد توفي في السجون تحت التعذيب."
25 أبريل/نيسان 2014، لم يكن تاريخ عيد ميلاد ولا عيد الأم ولا حتى عيد المعلم، هذا تاريخ الوجع وبداية القصة ونهاية السعادة. في هذا اليوم اعتقلوا أحمد زوج ريم لأنه خرج في إحدى المظاهرات المطالبة بالحرية.
أحمد أب لثلاثة أبناء، كان يملك محلاً تجارياً لبيع الملابس. والآن مضت أربع سنوات ولا أحد يعلم في أي المعتقلات هو. وما إذا كان حياً أو قد توفي في السجون تحت التعذيب.
سارة ابنته الوحيدة، أصبحت عروساً جميلة، ولكنها لم تكن أبداً كباقي الفتيات في يوم زفافهن. كانت تفتقد شخصاً مهماً. تفتقد السند واليد الحنونة التي كانت تمسح عنها حزن الأيام. تحنّ لصوته وضحكاته، تتمنى لو كان هنا لتطلب منه بعض النصائح لتكون زوجة جيدة ،وليهديها بعض الدعوات من قلبه الذي لن يتمنى لها سوى السعادة والراحة.
كانت تمرّ بصور والدها في مخيلتها حين حان الوقت لتضع خاتم الزواج. حاولت أن تبدو سعيدة وتخفي الحزن المقيم في صدرها. وحين وضع زوجها الخاتم بإصبعها، وضعت أمها لا شعورياً يدها على أصبعها مكان خاتم زواجها، الذي باعته منذ أيام لتجهز بثمنه ابنتها.
وعاد الزمن بالأم عشرين سنة مضت، وتذكرت كل لحظة من يوم زفافها. عندما ألبسها احمد الخاتم وكانت الدنيا وكأنها ترقص فرحا لهما. وتذكرت وعده بأن لا يفارقها مدى الحياة. ولكن كان للقدر رأي أخر فهي اليوم وحيدة، ضعيفة، تحمل مسؤولية كبيرة، أكبر من عمرها الأربعيني بأربعين عاماً، تحاول أن تكون أماً وأباً في وقت واحد.
كان ولداها أيضاً يعتبرانها السند والحنان، القوة والقدوة والأمان لهما، تحاول تعليمهما الصبر وأن يبقيا دوماً كاليد الواحدة، وتخبرهما أن الظلم لن يدوم طويلاً.
كانت تبدو من الخارج كشجرة تقف بقوة في وجه الرياح. ومن الداخل كأوراق الخريف. كانت تحتاجه وتشتاقه بشدة لأنه الكتف الوحيد الذي يمكن أن تستند عليه. ولأن حبها له أكبر من المسافات التي تفرق بينهما.
عندما تتراءى صورته أمام عينيها تحاول إخباره ببعض الأشياء فتهمس له أنها ما زالت تحبه كأول يوم عرفته به. وتقول له: ليتك تستطيع رؤية عمر (ابنه الأكبر) كيف أصبح شاباً في الـ 15 من عمره، يرعى أخاه وأخته ويقف إلى جانبهما دون أن يجد من يرعاه في صغره، ويعلمه كيف يكون صلبا قوياً في زمن كل ما نحتاجه فيه هو القوة.
يشعر عمر بذنب كبير عندما يمر يوم لا يستطيع به أن يحضر لنا متطلباتنا اليومية بسبب قصف الطائرات. بات الآن يخاف كثيراً من مفاجآت الحياة، فقد صدمته بقساوتها وهو ما زال في هذا العمر الصغير.
اما محمود المدلل الصغير، فهو يتمنى عودتك، لتلاعبه وتكمل له الحكاية التي كنت ترويها له. وكي تشتري له اللعبة التي وعدته بها. بالرغم من عمره الذي لم يتجاوز السبع سنوات إلا أنه يفتقد وجودك معنا ولا يكف عن سؤاله المعتاد: متى سيأتي بابا؟ فأنظر إليه بحزن وأجيبه: ربما يأتي غداً أو بعده أو في الشهر المقبل.
وفجأة تعود ريم إلى واقعها وتكف عن تخيلاتها وأحلامها بعودته. تنظر إلى أولادها وتقول في نفسها: ليس غريباً أن تتجمد حياتنا بغيابه وتتحول إلى ظلام، فقد كان الشمس التي تشعرنا بالدفء وتمدنا بالنور والسعادة. ليس غريباً أن أحسب اللحظات بغيابه تمر وكأنها أعوام. وليس غريباً أن أراه في كل الوجوه وانتظره في كل يوم إلى ساعات متأخرة من الليل وأنام على أملي بعودته.
ومع ساعات كل يوم يمر تبقى كل التخيلات مجرد أحلام تأبى أن تتحقق. ويبقى السؤال لماذا يقف الوقت والزمان حائلاً بين فرحة العمر المنتظرة وعناق الشوق البائس المتعطش للقاء يجمعني به؟
تهاني أحمد (25 عاماً) تعيش في سراقب، حاصلة على شهادة الثانوية العامة.