حلب بين الشتاء البارد ونقص المحروقات

لينا الحكيم*

(حلب، سوريا) – العاصفة الثلجية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط في كانون الأول/ ديسمبر، فاقمت الوضع المأساوي في سوريا. فبعدما قطعت ما كان سالكاً من الطرق، وألحقت أضراراً بالممتلكات التي لم تتضرر بفعل القصف، أضافت عبئا جديداً على كاهل المواطن السوري والنازح تحديداً، يتمثل بالحاجة إلى المحروقات للتدفئة، في ظل انقطاع التيار الكهربائي، وارتفاع سعر الغاز المنزلي وندرته.

طفل في حلب ينقل أخشاب للتدفئة على الدراجة - عدسة شاب حلب
طفل في حلب ينقل أخشاب للتدفئة على الدراجة – عدسة شاب حلب

الحاجة إلى المحروقات باتت الشغل الشاغل في حلب، فازداد الطلب على البنزين لتوليد الطاقة في ظل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي والذي يمتد أحياناً لأيام عدة. وفي ظل غياب الفحم من الأسواق، ارتفع سعرالحطب إلى 60 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، في حين كان يتراوح بين 15 و25 ليرة سورية الشتاء المنصرم وحاجة العائلة لتغطية الشتاء قد تصل إلى الطن، ما دفع الجميع إلى اعتماد المازوت. حددت الحكومة السورية حصة العائلة خلال فصل الشتاء بـ250 ليتر من المازوت بسعر 60 ليرة سورية لليتر الواحد، مع ما أشيع عبر مخاتير الحارات عن وعود بزيادة الكمية 100 ليتر اضافية في شهر كانون الثاني/ يناير. يباع المازوت في السوق السوداء بسعر 165 ليرة سورية لليتر الواحد. أما الغاز، فيتوجب عليك تسجيل اسمك عند مختار حارتك وانتظار دورك لاستلام الأسطوانة بعد شهر من تاريخ التسجيل بسعر 1200 ليرة سورية، أو شرائها بضعف ثمنها وأكثر في بعض الأحيان من التجار.

تقيم الطالبة الجامعية ابتسام (24 عاماً)، مع عائلتها وعائلتَي أختيها النازحتين، بما يشكل نحو 15 شخصاً يقيمون في منزل متواضع بحي الفرقان بمتوسط دخل شهري يبلغ 30 ألف ليرة سورية (200 دولار أمريكي). تقول ابتسام “ننتظر الكهرباء للإستحمام والغسيل” رغم ان انقطاع التيار الكهربائي قد يستمر أحياناً لعشرة أيام. وفي ما يتعلّق بوسائل التدفئة، تجيب “نعتمد على البطانيات الصوفية والملابس السميكة، بسبب غلاء الحطب وعدم وجود مدفأة مازوت في البيت”. ارتفع سعر مدافئ المازوت إلى 10 آلاف ليرة سورية (75 دولار أمريكي) وما فوق نتيجة توافر مادة المازوت بخلاف الشتاء الماضي، ما استدعى سابقاً الاعتماد على مدافئ الحطب.

المواطن الحلبي الذي يجد صعوبة في تأمين مستلزمات الغذاء في ظل الغلاء والحرب الدائرة في المدينة، وجد نفسه بمواجهة الشتاء الذي يوصف بأنه الأبرد منذ مئة عام. هذا الطقس البارد كان بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير.

أبو عبدو، نازح من خان العسل، في الستينيات من عمره، توفيت زوجته الأولى منذ زمن فتزوج بأخرى، له من الأبناء 25، أكبرهم يبلغ 45 من عمره، بعضهم نازح خارج المدينة وبعضهم يقيم معه في “المشروع 1070” في حي الحمدانية. جميعهم بلا عمل، يعتمدون كلياً على المعونات الخيرية، المنزل فارغ من أي أثاث، الكهرباء متوفرة دوماً باعتبار تلك المباني مدعومة من الدولة بخط كهربائي دائم، ينقطع فقط عند “القطع العام” عن المدينة، حيث قامت الحكومة بتأمين هذه المباني بعد إخلاء المدارس من النازحين في بداية العام الدراسي الحالي، ولكن لافائدة من الكهرباء، فالمنزل خالٍ من المدافىء الكهربائية، ولا مفر من اشعال النار بالاعتماد على الحطب.

إشعال النار للتدفئة، هو الخيار الذي يعتمده أغلب النازحين، رغم أنه أحياناً يكون مصدراً لأمراض تنفسية خطيرة. حميدة، لم تجد مع عائلتها سوى البراميل التي توقد فيها الأخشاب والأوراق والمواد البلاستيكية مصدراً للتدفئة. حميدة أرملة في آخر الأربعينات من عمرها أم لثلاثة أولاد أكبرهم في عمر الرابعة عشر، لجأت مع عائلتَيّ أختيها إلى أحد المباني غير المكتملة في “المشروع 1070” في حي الحمدانية آتين من مخيم حندرات. أختها هدى زوجها مسجون وهي أم لثلاثة أبناء أكبرهم في الـ 12 من العمر، أما أختها بهية فلديها إبن وحيد في السادسة من عمره وزوجها تفضل عدم الحديث عنه. يسكن هؤلاء جميعا في منزل فارغ، نوافذه مغطاة بالنايلون الذي يعاند الريح.

النازحون المجتمعون في “المشروع 1070” يعانون الوضع السيء ذاته تقريباً، فالمنازل فارغة، بعضها بلا نوافذ أو أبواب، وبعضها ينعم برفاهية وجود نوافذ مغلقة. فيما تحاول الجمعيات الخيرية توزيع المعونات ومن ضمنها الأغطية الصوفية ومدافئ كهربائية إضافة للمواد الغذائية، بحسب هالة، إحدى المتطوعات في “جمعية الأمانة السورية”. تقول هالة: “نقوم في البداية بزيارة العائلات لتقييم حالاتهم وتحديد العائلات الأشد حاجة، وهذا يستغرق وقتاً طويلاً فالمشروع كبير جداً، وكل منزل يحوي ثلاث عائلات”.

هي الحكاية نفسها في كل بيت، الهاجس الأكبر في الشارع الحلبي يحمل عنوان “المحروقات، والشتاء القاسي”، بعضهم يستطيع بصعوبة تأمين بعض الدفء لعائلته، والبعض الآخر لا يرجو سوى الرحمة ليمرّ هذا الشتاء بسرعة وهم على قيد الحياة.

ريما طالبة جامعية (25 عاماً)، تعيش مع عائلتها المكونة من تسعة أفراد، دخلهم الشهري يبلغ نحو 60 ألف ليرة سورية (400 دولار أمريكي). تقول ريما “اشترينا مدفأة بعدما وفرنا لها 250 ليتراً من المازوت. لا ندري إن كانت ستكفينا لقضاء الشتاء، فوضع الكهرباء سيئ للغاية فنحن نعتمد على الغسيل اليدوي والاستحمام بعد تسخين المياه على الغاز، ما يرفع استهلاكنا للغاز بين طبخ واستحمام وغلي المياه لغسيل الملابس”. تتوقف ريما عند تلك المفارقة المضحكة “يصعب الحصول على أسطوانة غاز فيما تتساقط أسطوانات الغازعلى رؤوسنا”، في إشارة إلى”مدفع جهنم” الذي تستخدمه المعارضة المسلحة في قصف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بإسطوانات الغاز، معتمدين على انفجار الاسطوانات نتيجة ضغط السقوط، مما يسفر عن سقوط  العديد من الضحايا المدنيين غالباً، إضافة للدمار الكبير في المباني.

 *اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا