حكاية لون وحلم مبادرة لنساء إدلب
ورشات الرسم في مركز جسر المستقبل
ترسم قمر عبدالله بحماس كبير لوحتها الفنية الأولى للمشاركة في معرض الرسوم الذي سيكون بداية إنطلاقتها في مجال الرسم، بعد تلقيها دورة تدريبية إستمرت لمدة 3 أشهر .
الدورة التي تابعتها قمر عبدالله (35 عاماً) في مركز جسر المستقبل بالتعاون مع منظمة cosv تأتي ضمن مبادرة لدعم النساء السوريات تحت إسم “حكاية لون وحلم” في محاولة لتعزيز قدرة المرأة السورية لتكون ركيزة أساسية في المجتمع .
المدربة والمشرفة على المبادرة ختام جاني (40 عاماً) تقول: “تكمن أهمية الحملة في كونها أول تجربة وتدريب من نوعه في الشمال المحرر، حيث يسلط الضوء على مواهب النساء واستثمارها لمشاريع لاحقة. استمرت فترة التدريب مدة 3 أشهر توزعت على 15 جلسة قدمت خلالها المتدربات أروع اللوحات الفنية ما يعكس رغبة وحماس المتدربات للإستمرار”.
وتضيف جاني: “تركزت الدورة على تعليم نسج الألوان ورسم الظل والنور وإيحاءاتها وانتهاء بالألوان الزيتية وطريقة التعامل معها. وتم إختيار المتدربات عن طريق التسجيل الإلكتروني ومن ثم عن طريق فحص معياري للمواهب والقدرات، بلإضافة للقدرة على الإلتزام حتى نهاية المعرض. تفاوتت أعمار المتدربات من 15 حتى 40 عاماً”.
حقق المعرض نجاحاً جيداً عبر الحضور الكبير من قبل الأهالي و الناشطين. كما حضر المعرض كوادر الدفاع المدني وبعض الأطباء والمدرّسين والذين بدورهم عبروا عن إيجابية التنوع في الأفكار واللوحات وتجسيدها لواقع المرأة والثورة والإحساس العالي لدى المشاركات في إيصال رسالة إنسانية للعالم بأحقية الشعب السوري بالعيش بحرية وكرامة.
وتقول قمر عبدالله عن تجربتها: “أتاحت لنا المبادرة تعلّم أساسيات الرسم، مثل الرسم بالظل والنور ودمج الألوان. كما عملت على صقل موهبتنا وتعلم طرق وتقنيات جديدة في مجال الرسم بلإضافة للعمل على إنجاز أعمال فنية والمتابعة بهذا المجال. وهذا ما يدفعني للمشاركة في المعارض والمسابقات ونشر لوحاتي في الداخل والخارج . وجدنا من خلال المعرض فرصة للتعبير عن آرائنا وعواطفنا من خلال الرسم الذي وجدنا فيه راحتنا النفسية”.
وعملت المشاركات خلال فترة التدريب على رسم جدارية عند مدخل مدينة جسر الشغور وبالقرب من نهر العاصي تعبر عن الواقع الثوري للمدينة.
الطبيب محمد الحسن (42 عاماً) الذي كان يجول في أرجاء المعرض مبدياً إعجابه بالمستوى الفني العالي الذي تحلّت به اللوحات، يقول لحكايات سوريا: “إنها لوحات رائعة تعكس الوجه الفني للمرأة السورية، ودقة تعبيرها عن الواقع بحرفية عالية وفنٍ راقي يكاد ينطق ويبوح عما يجري فعلاً”.
ويلفت الحسن أهمية مشاركة المرأة بمثل هذه الأنشطة قائلاً: “مشاركة الفتيات في هذه المبادرات يعطى المرأة مساحة أكبر للتعبير عن رأيها والإنخراط في مجالات واسعة متعلقة بالقضايا العامة والإنسانية والسياسية. كما يمنحها فرصة لمتابعة نجاحات وإنجازات الأخريات، مما يقوي من عزيمتها”.
ويشدد الحسن على “وجوب كسر النظرة التقليدية والنمطية للمرأة السورية والتي تحصر دورها بالمطبخ والعناية بالأسرة والأطفال. هذه المبادرات تعطي للمرأة دورها الحقيقي في بناء المجتمع السوري وإخراجه من نظرته التقليدية للمرأة، وأنها ستصبح عضواً فعالاً في المجتمع، فاليوم ومع تقدم عمر الثورة السورية نجد أن المرأة تقف جنباً إلى جنب مع الرجل في كل الظروف الحياتية، وهو ما جسدته مثل هذه المبادرات”.
واجهت المبادرة صعوبات عديدة أهمها القصف الممنهج والمستمر على مناطق ريف إدلب الجنوبي ونزوح عدد كبير من المدنين إلى مناطق الشمال. وهو ما تشرحه ديالا خليل (25عاماً) وهي إحدى القائمات على المبادرة فتقول: “كان القصف الممنهج على مناطقنا وقرانا أحد أكبر العوائق التي واجهتنا في عملنا حيث أنه كان من المفترض أن ينطلق المعرض منذ اكثر من شهرين إلا أن التصعيد والقصف حال دون ذلك”.
وتتابع خليل: “عدد كبير من المتدربات اللواتي شاركن من مناطق مختلفة في ريف إدلب الجنوبي لم يستطعن متابعة الدورة التدريبية نتيجة التصعيد الحاصل في مناطقهن، الأمر الذي حرمهن من المشاركة في المعرض”. وتضيف الخليل: “بالرغم مما تمر به المنطقة من قتل وقصف وتهجير إلا أننا أكملنا تدريباتنا واستطعنا أن نقدم لوحات فنية مميزة بعد هذا الجهد والتعب”.
ويعد مركز جسر المستقبل أحد أهم المراكز العاملة في ريف إدلب،. تأسس في بداية العام 2018 بمبادرة شبابية، تهدف إلى تمكين المرأة ومساهمتها الفاعلة في بناء المجتمع، عن طريق قيادات محلية مؤهلة تشارك في بناء المستقبل. ويعمل المركز على توفير التدريبات المهنية وبناء القدرات لتمكين النساء من أن يصبحن أكثر إنتاجية، بالإضافة للعمل بجهود تطوعية دون أي دعم مالي يذكر باستثناء بعض الشراكات التي تقدمها بعض الشركات بين الحين والآخر .
الناشط والإعلامي مصطفى الأسعد (38 عاماً) يعرب عن سعادته لوجود مثل هذه المبادرات الهامة في المناطق المحررة بالقول: “بارك الله بجهود هؤلاء الفتيات اللواتي تحدين كل الظروف المحيطة بهن واستطعن تقديم مادة رائعة بعد هذا الإصرار والمتابعة”. ويشدد الأسعد على “أهمية تعليم المرأة السورية ومساعدتها في تسويق عملها وإرشادها إلى طرق صحيحة تخلق من خلالها شراكات في عملها. فتطوير خبرات ومهارات المرأة السورية هدف وحاجة ضرورية في المجتمع السوري”.
على الرغم مما عانته المرأة السورية على مدى سنوات الحرب من قتل وتهجير واعتقال وفقدان فهي لا تزال تثبت ذاتها وتنمّي مواهبها وقدراتها لتستمر بعطائها رغم كل الظروف .