حققت حلمي بتعلم اللغة الإنكليزية
أطفال يحضرون دورة صيفية في أحد مدارس مدينة دوما، الدورة تتضمن "مواد تعليم مسرع" للأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة في السنوات الماضية بسبب ظروف الحرب في سوريا. الصورة بتاريخ 16-08-2017.
"اللغة الانكليزية التي كنت أحب أن اتعلّمها، وأستفيد منها في تعاملي مع الناس، ولإيجاد فرصة عمل، وأفيد غيري. أن أعلّم طلاباً ليس بإمكانهم دفع رسوم الدروس الخصوصية والمعاهد."
بعد عناء طويل وبعد الحاح أقنعت أهلي بأن أتسجل في أي معهد لملء وقتي لتتغير نفسيتي واكسر روتين الملل الذي أعانيه.
أصرّيت على دخول معهد متخصص باللغات. إلّا أن كل محاولاتي كانت تبوء بالفشل. فالمجتمع الذي أعيش فيه لم يتطور بعد. جرت العادة أن تتعلم الفتاة لفترة محدودة وبعد ذلك تجلس مع أمها في المنزل، تتعلم الطبخ حتى يأتي نصيبها.
حياة الفتاة لا تقتصر على أعمالها المنزل وإرضاء زوجها حين تتزوج، بل عليها أن تتعلم حتى تعلّم ابناءها بشكل صحيح. مع كل محاولة لتغيير واقعي، كنت أعود مكسورة الخاطر حزينة. الرد إما الرفض من عائلتي بسبب المجتمع المقيد بتقاليد وعادات ويخشى الانفتاح. أو بسبب الكلفة المادية.
بعد الأزمة اصبح التعليم بأسعار باهظة ومتطلبات كثيرة. ليس بإمكان أي كان أن يدفع رسوم المعاهد الممتازة. المعاهد المتوسطة كانت أرحم قليلاً.
ولكنني لم أفقد الأمل في أن أحاول مرة أخرى، وأخرى. ولم أملّ أبداً ولم استسلم امام أي صعوبة كانت تقف في وجهي. وذات يوم كنت في طريقي إلى البيت، مررت بمعهد يقدم الدورات التدريبية والتعليمية والمحاسبية، وكل شيء وبأسعار مقبولة تناسب الجميع.
وأهم ما يوفره المعهد تعليم االلغات، ومنها اللغة الانكليزية التي كنت أحب أن اتعلّمها، وأستفيد منها في تعاملي مع الناس، ولإيجاد فرصة عمل، وأفيد غيري. أن أعلّم طلاباً ليس بإمكانهم دفع رسوم الدروس الخصوصية والمعاهد.
استفسرت أكثر عن المعهد وعن المدرّسين. وجدته مناسباً لي، إضافة إلى كونه يرضي المجتمع وليس مختلطاً، بل فقط للإناث، وجدته لكافة المستويات والأعمار وبأسعار مقبولة. حاولت مرة أخرى مع عائلتي ووافقوا على هذا الإقتراح، بعد محاولات كثيرة من الإقناع والتمنّي وتبسيط الأمور.
كنت أرغب بتعلم اللغة الإنكليزية، التي كنت أحسبها اصعب مادة في حياتي. كنت أرغب بأن أواجه خوفي منها، وأتفوق بها. وعندها لم يكن لدي ما يكفي لإتمام قسط المعهد. وبدأت أحاول أن اقترض، سواء من صديق أو أحد أفراد عائلتي. وكنت شاكرة لمن يقدم لي المساعدة.
ولكن لا أمل. عندما تتيسر لك من جهة تأتي بالمقابل جهة أصعب منها. أيام مضت وأنا أطلب المساعدة، ولكنني لم أجد من يساعدني. بدأت ألملم كل ما لدي من مدخرات، ولكنها لا تكفي. كل يوم كنت أفقد الأمل أكثر.
وأخيراً وردني اتصال من خالتي، تقول لي أنها أمّنت أقساط المعهد. فهي اقترضت من أصدقائها على شرط أن أرجع المال في وقت محدد. في تلك اللحظة، فرحتي لم تكن تسعها الدنيا. لا أدري ماذا حصل لي. أضحك وأبكي من سعادتي.
وهرعت مسرعة لأرتدي ثيابي، وأذهب إلى زميلة خالتي وأشكرها على دعمها ومساعدتها لي. ولآخد منها ما تبقى من القسط. وذهبت فرحة الى ذاك المعهد وسجلت إسمي وبدأت أنتظر الى ان يتصلوا بي لأكمل فرحتي.
وبدأ دوام يومي الأول في المعهد مع نهاية شهر تشرين الاول/أوكتوبر 2017، عندما بدأت أداوم وجدت صعوبة كبيرة بالتعامل مع أشخاص جدد وبنات جدد ومعلم جديد. ولكن بدأت أعمل على نفسي. أحاول أن أدرس بكافة الوسائل لأكون من المتفوقين، ولأثبت لنفسي أنني أحاول بجد.
بدأت بخوض الاختبارات. لم أكن جيدة في أول الامر. ولكنني بدأت أكرّس ساعة كل يوم لأدرس فيها. المعلم الذي كان يدرّسني كان يشجعني أكثر فأكثر. كل يوم مسابقة، كل يوم هدف أكبر أسعى لتحقيقه. وبدأت أسدد ما عليّ من الديون التي اقترضتها لدفع الاقساط، وأجمع أيضا ما استطيع لأكمل دورة جديدة ومستوى أعلى.
تحسّن مستوى قراءتي وأهدافي كانت تتزايد. كتابتي ومستواي ارتفع، وأصبحت من المتفوقات في هذه المادة. وكل هذا الفضل لذاك المعلم الفاضل الذي حاول أن يشجعني ويجعلني من تلميذاته المتفوقات. أصبح لديي أصدقاء كثر. أصبحت أتمنى ألّا تنتهي تلك الحصة التي كنت اضحك من كل قلبي فيه.ا فهي عبارة عن درس واستمتاع وفكاهة.
وفي 22 كانون التاني 2018 كنت قد جمعت كل ما لدي لأتسجل في الدورة التالية مع نفس المعلم والفتيات. هذا المعلم الفاضل الكريم الذي يبذل كل ما لديه لإغناء العالم بمعلوماته. تسجلت ولا زلت أتابع الدورات في نفس المعهد حتى اليوم.
وفي النهاية أشكر كل من دعمني وأقرضني المال وساعدني للوصول الى هذه الدرجة وتحقيق بعض طموحاتي. واليوم أتمنى من كل قلبي ألّا تنتهي هذه اللحظات الرائعة من مسيرة التعليم. وأتمنى ألّا يستسلم أحد لعادات وتقاليد بالية لا تساعده في تحقيق هدفه وأحلامه ولا تحفزه على الاستمرار.
حلا عاصي (22 عاماَ) من مدينة دمشق طالبة محاسبة تعمل مدرسة اطفال .