حفر الملاجئ والمغاور ينتشر في إدلب وريفها
المغاور القديمة تحولت إلى ملاجئ تصوير نهى الحسن
“لا نعرف أين نذهب، وليس هناك من مكان آمن. لذلك أقوم بمساعدة أولادي على حفر ملجأ قرب منزلنا لنقيم فيه، علّه يحمينا من القصف”. يقول أبو الوليد (40 عاماً) من مدينة كفرنبل لحكايات سوريا عن الوسيلة التي اختارها ليقي عائلته غدر الصواريخ القاتلة.
أبو الوليد واحد من آلاف الأشخاص الذين يعملون بكد لتجهيز ملاجئ أو ما يسمى باللهجة المحلية مغاور، يحتمون فيها وعائلاتهم من القصف المتواصل الذي تتعرض له محافظة إدلب وريفها من قبل النظام السوري وحلفائه بشتى أنواع الأسلحة .
وغالبا ما كان الأهالي يستعينون بورشة تقوم بالحفر عبر معدات مخصصة لهذه المهمة، وتقوم بإنجاز العمل بسرعة أكبر. ولكن أبو الوليد اختار أن يحفر ملجأه بنفسه، على الرغم من صعوبة العمل وقسوته. كونه لا يملك المال لاستئجار ورشة تقوم بالحفر. فهو بالكاد يستطيع تأمين لقمة العيش لعائلته المكونة من عشرة أفراد.
هناك عدة أنواع للملاجئ التي يستخدمها السكان لغرض الاحتماء من القصف. ففي المدن هي عبارة عن قبو كان موجوداً في الماضي وأعادوا ترميمة واستعماله. أما في الأرياف فيقوم أصحاب المنزل بحفر غرفة في ساحته أو بالقرب منه ويلجؤون إليها عند القصف. إضافة لوجود نوع ثالث، وهو تلك الكهوف التي يتم حفرها تحت الأرض في الجبال وغيرها.
الحياة تحت الأرض لايمكن أن تكون حياة طبيعية، رغم ذلك فقد لقيت فكرة الملجأ قبولاً واستحسانا من قبل الكثير من السكان بعدما وجدوا فيها مكاناً جيداً لحمايتهم من القصف، عوضاً عن التشرد والنزوح.
جعفر القاسم (36 عاماً) من بلدة كفرسجنة، نزح مع عائلته بعد اشتداد القصف على بلدته. وانتهى به الحال في أحد بساتين الزيتون القريبة من الحدود التركية. وبسبب مرارة النزوح وصعوبته وعدم قدرته على الحصول حتى على خيمة ترد عن أطفاله حرارة الصيف الحارقة، قرر العودة إلى منزله وحفر ملجأ بالقرب منه وأقام فيه منتظرا الفرج من الله.
يقول القاسم لحكايات سوريا : “الملجأ أصبح أمراً ضرورياً، خاصة للنساء والأطفالز أستطيع وضعهم في الملجأ وأنا مطمئن أنهم بخير حتى تنتهي الغارات الجوية”.
بيد أن البعض ومنهم عنصر الدفاع المدني زيد الصالح (27 عاماً) الذي يعتقد “أن هذه الملاجئ والمغارات ليست آمنة دوماً، فقد تتحول لمقبرة جماعية إذا ما تعرضت لغارة جوية بشكل مباشر، كما حدث في بلدة كفر بطيخ في ريف إدلب”.
وعن تلك الحادثة يقول الصالح: “استهدف الطيران الحربي إحدى مدارس التعليم الأساسي في البلدة، ما أدى إلى حالة هلع ورعب بين الأطفال الذين خرجوا بشكل عشوائي. فعمل أهالي الحي بعد الغارة الأولى على إيواء عدد كبير من الأطفال في إحدى المغارات القريبة. أغارت الطائرات مرة أخرى ملقية عدداً من الصواريخ فأصابت المغارة التي كانت تأوي أكثر من 20 طفلاً، ما أدى لتهدم المغارة بالكامل فوق رؤوس هؤلاء الأطفال الأبرياء”.
ويلفت الصالح إلى “أن فرق الدفاع المدني حاولت جاهدة انتشال الأطفال لإنقاذ حياتهم، لكن للأسف دونما جدوى، فقد استغرق العمل ساعات طويلة، ما أدى لمقتل جميع من في المغارة”.
ظروف العيش داخل المغارات والكهوف ليست بالسهلة، حيث تسودها المظلمة، والشروط غير الصحية، وينعدم فيها الهواء النظيف، ولا تدخلها أشعة الشمس، وكان الأطفال أشد المتأثرين سلباً من هذا الأمر.
الأرملة مها القنطار (38 عاماً) من قرية البارة اضطرت أن تعيش مع أطفالها الثلاثة داخل مغارة بعد فقدانها السند. قامت بتجهيز المغارة ببعض المواد الضرورية كالماء والطعام والمصابيح. فضلاً عن بعض الفرش البسيط والأغطية.
وبحسب القنطار يبدو أن أطفالها فقدوا جزءاً كبيراً من بصرهم نتيجة الإقامة في تلك المغارة المظلمة. فضلاً عن معاناتهم من آلام شديدة في الرأس نتيجة الصعوبة في الرؤية. وتتساءل القنطار بغصة تكاد تخنقها: “ما ذنب أطفالي كي يعيشوا هذا الواقع المؤلم؟ لقد حرموا من كل شيء جميل في طفولتهم”.
ولأن القصف طال المراكز الحيوية جميعها بما في ذلك المشافي، فقد لجأ الكثير من المشافي في إدلب وريفها إلى حفر مغارات، وحصرت العمل بالطوابق السفلية والأرضية لتخفيض نسبة الخطر.
الطبيب مازن الجندي (44 عاماً) مدير أحد المشافي الميدانية في ريف إدلب يؤكد لحكايات سوريا:”أن المشافي التي تم تجهيزها تحت الأرض لم توفّر الأمان وهي لا تحمي من الأمراض لاسيما وأنه يمكن أن تستهدف بقنبلة ارتجاجية أو بالصواريخ الحديثة. فضلاً عن أنه لاتصلها أشعة الشمس وتعاني من الرطوبة التي تسبب العديد من الأمراض”.
وشرع سوريون في منطقة إدلب وريفها ببناء مدارس وحجرات دراسية تحت الأرض خوفاً على أبنائهم من خطر القصف المستمر على المنطقة، حيث يسعى السكان إلى توفير بيئة آمنة تمكّن أبناءهم من مواصلة تعليمهم الذي انقطعوا عنه منذ عدة أشهر.
عضو المجلس المحلي في إدلب محمد العلي (39 عاماً) يقول: “أساليب الحماية من القذائف المدفعية والصاروخية كانت بسيطة عن طريق الاحتماء بالطوابق السفلية وداخل أقبية المباني، أما اليوم مع سلاح البراميل المتفجرة والصواريخ الارتجاجية، فلم تعد تجدي هذه الوسائل نفعاً، بسبب القوة التدميرية للبرميل أو الصاروخ الذي يستطيع تسوية عدة مبان بالأرض بالكامل”.
ويضيف العلي: “أن ظاهرة حفر الملاجئ ازدهرت بشكل كبير في الأشهر القليلة الماضية مع اشتداد القصف وعشوائيته. إضافة إلى الملاجئ الفردية فقد قام عدد من السكان بالاشتراك معاً على حفر مغاور كبيرة لمجموعة من المنازل، كما قام البعض أيضا بإعادة حفر القبور والآثار الرومانية في قرى ريف إدلب التي تنتشر فيها هذه الآثار بشكل واسع”.