حرَموا أولادي من كلمة “بابا”

امرأة من الريف الادلبي تحمل أحد أطفالها. تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

امرأة من الريف الادلبي تحمل أحد أطفالها. تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

"أدعو الله أن يفك أسرَ زوجي إن كانوا قد أبقوه حياً، وأن يخرج إلى الحياة كل معتقل يقبع في ظلمة سجون النظام... معتقلون ينتظرهم أهل وأبناء وزوجات، مع أملٍ قليل، قليل جداً"

أم جمال

كانت حياتنا حياةً هادئة وجميلة، وكنتُ أعيش أنا وزوجي وأولادنا الأربعة في بيتٍ صغير، كبير بالمحبة . كنا نمتلك أرضاً صغيرة نزرعها ونعيشُ من محصولها، كما كان زوجي يعملُ موظفاً في إحدى الدوائر الزراعية التابعة للدولة. كنا فرحين وراضين بعيشتنا البسيطة والمتواضعة في ريف حماة، وتحديداً في إحدى قرى سهل الغاب.

كان زوجي يضطر بحكم عمله للذهاب بين الفترة والأخرى إلى منطقة السقيلبية وهي إحدى مناطق النظام. وذلك خدمةً لمزارعي قريتنا والقرى المجاورة فيسهّل عملية تسليم محاصيلنا من القمح والقطن والشمندر السكري. كما كان يذهب من أجل إحضار راتبه الشهري. وعلى الطريق، لا بدَّ لهُ من المرور من حواجز النظام الظالم، مع العلم أنَّ الثورة كانت قد بدأت، وفي آب/أغسطس 2013 صارَ معروفٌ عن زوجي مواقفه المعارِضة، حاله كحال قريتنا المناوئة للظالم بشار (الأسد).

في الأول من شهر أيلول/سبتمبر 2013، كانَ زوجي متردداً حيال الذهاب إلى السقيلبية لإحضار مستلزمات المزارعين ولتقاضي راتبه… تردده هذه المرة دفعهُ لعدم الذهاب في اليوم الأول كونَ مواقفه صارت علنية ضد الرئيس السوري، ولذا في اليوم الثاني لم يذهب أيضاً… لكن عليه أن يذهب عاجلاً أم آجلاً، فرافقتُهُ وابنته ذات التسعة أشهر في اليوم الثالث، علَّ حضورنا يكون شفيعاً لهُ ويتغاضون عنهُ، ثمَّ أنكَ لا تعرف إن كنتَ فعلاً مطلوباً أم لا أو لمجرد قول رأيك أو لمجرد أنكَ من قرية مُعارِضة!

الثلاثاء 3 أيلول/سبتمبر 2013، لا أنسى هذا اليوم ما حييت، إنهُ الثلاثاء الأسود! يومها تحوّلت الحياة بالنسبة لي من شيء جميل إلى مستنقع مليء بالأحزان والقهر والهموم.

كنا قد استيقظنا باكراً للذهاب إلى السقيلبية، وكان وجهُ زوجي يشوبه الخوف: “سُيمسكون بي على الحاجز كونَ المخبرين قد أخبروهم عني، أنا متأكِّد… ولأني من قرية لا تُحب النظام”.

حين رأيتُ خوفه حاولتُ أن نعود عن قرار ذهابنا، لكنني لم أنجح. قال لي: “فلنتكل على الله وإن كانوا يريدونني فعلاً فسيأخذونني غداً إن لم يكن اليوم”. فاجأني زوجي بقراره، ربما هذا قدره رغم خوفه، وانطلقنا إلى السقيلبية خائفين نترقّب حواجز النظام…

في الطريق كان زوجي يتوقف مراراً عن القيادة ويسأل كثيراً عن الحواجز…لكنَّ ذلك لم يشفع لهُ…

حين وصلنا إلى حاجز المسلخ، وهو حاجز للنظام وشبيحته في أول منطقة السقيلبية، حصلت الكارثة! اعتقلوا زوجي أمام عينَي… ولم يكن بي إلا أن أتوسلهم كي يتركوه! لكن عبث.

رأيتهمُ يضربونه وهم يكبّلون يدَيه… بكيتُ كثيراً، وأنا أشعر أني مقيّدة اليدين أيضاً. لا أستطيع إلا البكاء والتوسّل وابنتي الرضيعة على يدي! لكن هل تتوسّل وحوشاً بشرية؟

طلبَ مني زوجي الإنصراف “خذي البنت وعودي إلى البيت” فلم يهن عليه أن يراني باكيةً منهارة رغم عذابه… حينها، ما كان بهم إلا أن زادوه ضرباً لأنهُ تكلَّمَ معي… وشتموني وشتموه. يا ويلتي، راحَ مني زوجي وأبو أولادي!

عدتُ إلى المنزل منهارة والدموع تبلل رضيعتي، فخابرتُ إخوة زوجي علهم يلحقون به! لكن دون فائدة… ومنذُ ذلك الحين، أي من أيلول/سبتمبر 2013، وإلى الآن لا نعرف عن زوجي شيئاً، وكنتُ قد تمنيت لو أني لم أتركه، لو أني أقنعتهُ أساساً ألا يذهب إلى السقيلبية…

فقدتُ زوجي وفقدتُ الضحكة، وحرموا أولادي الأربعة من أن يقولوا لهُ كلمة “يا بابا”.

أدعو الله أن يفك أسرَ زوجي إن كانوا قد أبقوه حياً، وأن يخرج إلى الحياة كل معتقل يقبع في ظلمة سجون النظام… معتقلون ينتظرهم أهل وأبناء وزوجات، مع أملٍ قليل، قليل جداً… يعتقلونهم ويعتقلون فرحتنا إلى الأبد، لكن ما باليدِّ حيلة…

 

أم جمال (28 سنة) من إحدى قرى ريف حماة الجنوبي. زوجة معتقل وأم لأربعة أطفال، لا تعمل وتبحث عن عملٍ تُعيل منه أطفالها الصغار.