جمهور المعارضة منقسم حول فتح معركة إدلب
مسؤول في “الجيش الحر” يطالب السكان بترك المدينة لتفادي إصابتهم وأحد السكان يرد بأنه لا يريد العيش لاجئاً.
عصام عبد الحميد
(سلقين، سوريا) – في آذار/ مارس 2012، استعادت قوات النظام مدينة إدلب بعد أن كانت المعارضة قد سيطرت عليها لنحو خمسة شهور. منذ أن خسر المعارضون المدينة ومحاولاتهم لاستعادتها لم تتوقف. لكن ثمة أسباباً عديدة حالت دون ذلك، لا سيما كثرة الحواجز والمتاريس على مداخل المدينة، والتواجد الكثيف للجيش النظامي والميليشيات التي شكلتها الأفرع الأمنية والحزبية من مدنيين تم تجنيدهم للقتال إلى جانب النظام. يضاف إلى ذلك سوء التخطيط وضعف الإمكانيات العسكرية لدى مقاتلي المعارضة.
مع بدء كل معركةٍ مرتقبة يبدأ الاختلاف يظهر بين المعارضين من أهالي إدلب وجوارها. منهم من يؤيد إعادة السيطرة على المدينة مهما كان الثمن وآخرون يعارضون دخولها تفادياً لتدميرها ومعاناة المدنيين فيها.
عند اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا في الثالث من حزيران/ يونيو، تواترت الأنباء على وسائل التواصل الاجتماعي وحتى وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة حول عملية عسكرية لقوات المعارضة لدخول مركزي مدينتي حماة وإدلب. ترافق ذلك مع إعلان محافظة حماة بالكامل منطقة عسكرية قبل الانتخابات الرئاسية في سوريا بثلاثة أيام.
فعلى سبيل المثال، بثت قناة الجزيرة تقريراً إخبارياً تحدث عن نزوح واسع من إدلب إلى الريف بتاريخ 28 أيار/ مايو 2014، استعداداً لمعركة إقتحام إدلب. غير أن تنسيقية مدينة إدلب وإعلاميو المدينة سرعان ما نفوا الخبر مؤكدين أن ما جرى هو عودة نحو 10 آلاف طالب أدّوا الامتحانات في المدينة وعادوا إلى قراهم التي تسيطر عليها المعارضة.
إلا أن هذه التقارير كانت كافية لإشعال النقاش حول جدوى هذه المعركة من جديد.
أبو محمد (52 عاماً) عاطل عن العمل من سرمين التي تبعد عن مدينة إدلب حوالي 10 كيلو متر. خرج أبو محمد من منزله عدة مرات نتيجة القصف المدفعي الذي تتعرض له مدينته بشكل شبه يومي من الأفرع الأمنية والحواجز المحيطة. لكنه عاد مؤخراً ليعيش في منزله رغم الخطر، بعد أن سئم مشقة النزوح.
يقول أبو محمد: “راجمات الصواريخ ومدفعية الجيش النظامي المتمركزة في إدلب تتسبب في قتل المدنيين وإصابتهم وتشريد ما تبقى من الأهالي فيها، لذلك دحر قوات النظام حاجة ملحة لمواصلة الحياة في المدن والقرى المجاورة لمدينة إدلب”.
يوسف (27 عاماً)، سائق سيارة أجرة من بنش، هو الآخر بلدته تقصف من إدلب بشكل مستمر مما جعل معظم سكانها ينزحون منها.
يقول يوسف: “القصف المدفعي المتواصل على بنش لن يتوقف إلا بخروج قوات النظام وشبيحته من مدينة إدلب”.
ولكن عندما تستهدف المعارضة قوات النظام في إدلب، غالباً ما يعلن القاطنون خارج المدينة عن قتلى وجرحى بين أقاربهم وأصدقائهم المدنيين بسبب سقوط قذائف المعارضة، مما يكون سبباً لرفض المعارك للسيطرة على إدلب.
أبوعبد الرحمن قائد عسكري في “الجيش الحر” يرابط هو وكتيبته على أطراف إدلب وقد سبق له أن شارك في عدة معارك ضد قوات النظام على مداخل المدينة.
يقول أبو عبد الرحمن: “لايمكن تحرير إدلب دون تضحيات، لذلك نطالب أهالي المدينة الشرفاء بالخروج منها كي لا نكون مسؤولين في حال سقوط ضحايا مدنيين، لكن دون جدوى”.
لاينكر أبوعبد الرحمن وقوع أخطاء أثناء استهداف قوات المعارضة للأفرع الأمنية وحواجز النظام بقذائف الهاون، تسببت بسقوط ضحايا من المدنيين.
موقع “دماسكوس بيورو” سأل بعض الأشخاص داخل مدينة إدلب عبر الإنترنت والهاتف عن آرائهم حول فتح معركة إدلب.
مصطفى (42 عاماً) متزوج ولديه أربعة أولاد يعمل في البناء. يقول مصطفى إنه ليس قادراً على مغادرة إدلب، مضيفاً: “لست قادراً على الخروج من منزلي فأنا لا أملك المال لاستئجار منزلاً في تركيا كما فعل الكثيرون ممن غادر المدينة، ولست مضطراً للذهاب إلى المخيمات والعيش على السلل الغذائية التي تقدمها المنظمات الإغاثية”.
يضيف مصطفى: “من الصعب دخول الثوار مدينة إدلب فالعديد من المناطق والمعسكرات في ريف إدلب ما تزال خاضعة لسيطرة قوات النظام وتعد مصدر إمدادٍ أساسيٍ لقواته داخل المدينة”.
أما محمود (27 عاماً) الذي يملك محلاً تجارياً، فيقول إنه يتجادل مع أخيه العضو في “الجيش الحر”، طالباً منه الإبتعاد عن الدعاية للاستعداد العسكرية التي تسبق كل هجوم وشيك.
ويضيف: “يبدو مقاتلو النظام والشبيحة منشغلين في التحضير للمعركة كأنهم يعيشون ساعاتهم الأخيرة، لكن بعد أن يتأكدوا من أن الثوار يتكلمون أكثر ما يفعلون ولايستطيعون تحرير إدلب، يعودون ليتسلطوا على المدنيين أكثر من قبل مطمئنين إلى أنهم الأقوياء وليس بمقدور أحد ردعهم”.
أم خالد (39 عاماً) تقول إن الهجمات الفاشلة تثير نقمة السكان على مقاتلي المعارضة: “في كل مرة يحاصر الثوار إدلب بمنع دخول المواد الغذائية وقطع الكهرباء والماء، ينفّر الأهالي من الثوار، فسكان المدينة هم المتضررون أما الشبيحة فلا يتأثرون لأنهم بوسعهم توفير كل ذلك”.
لكن مهند (21عاماً)، وهو طالب جامعي يقول: “على الثوار دخول المدينة مهما كلف الأمر، فالعيش على بقايا مدينة أفضل بكثير من الذل الذي يعيشه أهالي إدلب يومياً جراء تصرفات الشبيحة التي أصبحت لا تطاق”.