جمهورية طرطوس العظيمة ترحب بكم
"ابتعدنا بالسيارة فيما عشرات السيارات متوقفة. لم يعد زوجي يرى البحر، بل لاحت بباله فكرة امتدت على طول البحر وغطته، هل هذه بداية تقسيم الوطن؟! "
لم نكن نرغب بأكثر من يوم مشمس على الشاطئ. ساعة فقط تفصلنا عن البحر، نحو خمسين كلم لا أكثر.
تتابع صديقتي عبر الهاتف رواية ما حصل معها هي وزوجها وولديها خلال رحلة بين حمص وطرطوس.
يصرخ طفلي من المقعد الخلفي بسعادة: والدي أنا أرى البحر… ويبدأ بنفخ دولابه المائي مستعداً للسباحة بمجرد الوصول إلى الشاطئ الشعبي المعهود.
كان الجو حاراً والرطوبة عالية ومكيف السيارة مطفأ لتوفير مادة البنزين التي حصلنا عليها من السوق السوداء برقم خيالي.
وقفنا أمام رتل طويل على الحاجز الأساسي لطرطوس. الحاجز القريب من المشفى العام عند مدخل المدينة، لا أحد يتململ من المنتظرين فالتفتيش واجب ولا بد من الحذر أمام التفخيخ.
كان الحاجز يطلب من البعض النزول لكننا لم نهتم. طفلاي صغيران، وزوجي ناهز الخامسة والخمسين، فلن يفكروا بفكرة سحبه للاحتياط على هذا الحاجز.
وانا لا أضع نقاباً ولا حتى حجابا. وللأسف قد يكون ذلك نقطة إيجابية بنظر الحاجز. ويبقى تسجيل نمرة السيارة، حمص، هي النقطة السوداء الوحيدة بنظر الحاجز المنتظر، فهذه الكلمة وحدها كفيلة بإثارة حفيظة العناصر هناك.
جاء دور سيارتنا أخيراً. طلب العنصر بطاقات الهوية، بادره زوجي بهويته معرفاً عن نفسه بأنه طبيب.
قلب الشاب الهوية ونظر في السيارة المتواضعة الرخيصة نوعاً ما… وطلب دون تردد هويات الجميع.
سأله زوجي: من تقصد بالجميع؟ هذه هويتي وهوية زوجتي…
رد العنصر بلا مبالاة: أريد دفتر العائلة.
اجبته انا بخوف وقلق: لم أحضره معي!
ضرب العنصر بيده على زجاج السيارة بعصبية: اركنوا سيارتكم هناك إلى جانب السيارات… مشيراً إلى عشرات السيارات المتوقفة وفيها العديد من الركاب ينتظرون.
صادر العنصر الهويات وغادر! أما زوجي فلم يعلّق على الأمر رغم استغرابه له. انصاع للأوامر . أوقف السيارة وترجل منها ينتظر، ولم نكن وحدنا. كان صفاً طويلاً من المنتظرين…
نظر زوجي إلى أرقام السيارات وأماكن تسجيلها… حلب، إدلب، حماه، دمشق، حمص! ارتاح قليلاً لكون السيارات من مدن مختلفة بالتالي المسألة ليست قضية تسجيل سيارته. واعقب توقيفنا وصول سيارات أخرى.
وجاء دورنا بعد انتظار يقارب الساعة… دخل إلى غرفة المركز المخصص لعناصر التدقيق. سأله الضابط دون أن ينظر إلى وجهه منادياً اسمه، فرد: حاضر! نادى الضابط باسمي، فرد زوجي أنني في السيارة. فطلب منه إحضاري.
دعاني زوجي، فتركت السيارة بعد أن طلبت إلى سيدة في سيارة كانت تنتظر دورها أيضاً، أن تنتبه لولديّ في السيارة حتى نعود.
نظر الضابط إليّ نظرة مريبة، وطلب إلى زوجي دون أن يرفع عينيه عنّي: اكتبوا هنا الاسم والكنية والهدف من الزيارة لمدينة طرطوس.
نظر زوجي إليه ولم يستطع منع ضحكة سخرية أفلتت من شفتيه: ماذا تعني بالهدف من الزيارة؟
الضابط: نحن لسنا هنا للمزاح… ماذا جئتم تفعلون في طرطوس… من تزورون؟
أجابه زوجي: سأزور ابن خالتي، لقد خضع لعملية جراحية كما أريد أن أصطحب أولادي إلى البحر. هل من مشكلة؟
الضابط: لا، لا يوجد أي مشكلة ولا داعي للعصبية. دوّن عنوان ابن خالتك هنا مع توضيح انك ستزور البحر. وبسرعة هناك من ينتظرون دورهم.
أمسك زوجي بالورقة التي ناوله إياها الضابط فوجد فيها خانات عدة. الاسم، الكنية، ساعة الدخول، الهدف من الزيارة. وطلب الضابط تسجيل رقم هاتف ابن خالة زوجي.
وبعد ملء النموذج سأل الضابط: كم يوم ستكون الإقامة.
رد زوجي: اليوم فقط!
أجاب الضابط: تستطيع تمضية يومين… افرحوا بالبحر أنت والعائلة… المياه المالحة جيدة! وسجل الهدف من الزيارة السياحة!
انتهت الإجراءات التي استغرقت ساعة تقريباً. واستعدنا زوجي وأنا هوياتنا. كنا محظوظين. بعض العائلات لم يسمح لها بالدخول.. لأسباب لم يصرح عنها!
ابتعدنا بالسيارة فيما عشرات السيارات متوقفة. لم يعد زوجي يرى البحر، بل لاحت بباله فكرة امتدت على طول البحر وغطته، هل هذه بداية تقسيم الوطن؟! وارتسمت في مخيلته لافتة سوداء كتب عليها: جمهورية طرطوس العظيمة ترحب بكم!
سمر ادريس (35 عاماً) من قرى حمص أم لطفلة خريجة حقوق من جامعة دمشق عملت محامية وحالياَ مقيمة في فرنسا عملت قبل خروجي من سوريا ضمن فريق تطوعي للدعم النفسي للمعتقلات اللواتي تم الإفراج عنهن.