جدل في قرية مسيحية حول التسلح
مريم عبدالله*
(محافظة حمص، سوريا) – في إحدى قرى ريف حمص المسيحية، في شهر تموز/ يوليو، وقف الكاهن الأورثوذكسي الخمسيني، وسط رعيته يدقّق في الوجوه المتعبة والقلقة. يشهد أهل القرية بحنكة الكاهن وقوة شخصيته، التي جعلته قادراً على الفوز بثقة كل من “الجيش الحر” و”اللجان الشعبية” الموالية للنظام، إلا أنه في ذلك اليوم لم يكن بأفضل حال من أعضاء رعيته، الذين يفترضون أن لديه جميع الأجوبة. طرح سؤالاً على الحاضرين: “ضد من نتسلّح؟”
سؤاله جاء أثناء اجتماع عقدته جمعية محلية للتنمية الاجتماعية في نادي الكنيسة المخصص لقبول العزاء وللأفراح والمناسبات العامة. وكان هذا الاجتماع مخصصاً للنقاش والخروج بنتيجة حول رفض أو قبول القرية للتسليح، بعد حصول عدة عمليات خطف انتهت بدفع فدية مالية، اتهم أهل القرية علويين من “اللجان الشعبية” في القرى المجاورة بتنفيذها، عقاباً على عدم انضمامهم في القتال ضد المعارضة، كما يسود الاعتقاد.
هذه الأحداث أرعبت أهل القرية، فطرح البعض فكرة التسلّح وقام باستبيان كانت نتائحه أقرب الى قبولها، واقترح مؤيدو هذا الاقتراح تلقي السلاح من “الفرقة الحزبية” (البعث) و”الحزب القومي السوري” بقصد تشكيل “لجان شعبية”، لكن نسبة لا بأس بها من أهالي القرية رفضت هذه الفكرة نهائياً.
وفي الاجتماع تابع الكاهن طرح أسئلته قائلاً: “هل نتسلّح ضد السنّة الموجودين بالقرب منّا؟ إنهم لن يصلوا الينا قبل أن يمرّوا بكل القرى العلوية المجاورة، وإن مرّوا بها واستطاعوا الوصول إلينا فلن نستطيع نحن بأسلحتنا المحدودة التي ستقدّم لنا أن نقاومهم”.
“إن كانت مخاوفنا من أهالي القرى العلوية، فهم الدولة كلها، فلن يستطيع سلاحنا مهما كان قوياً أن يقف بوجهها. والسؤال الآخر من منا سيحمل السلاح؟ ومن منا سيعطي السلاح لابنه؟”
كان جوابه الحد الذي فصل النقاش حول التسلّح أو عدمه، فتقرر ألا يتم تشكيل أي ميليشيا محلية، وأن تحمي القرية نفسها عن طريق الحياد.
حال هذه القرية لا يمثل الواقع الذي يعيشه جميع المسيحيين في سوريا، ولكنه يقدم نموذجاً عن النقاش الذي يجري في العديد من القرى المسيحية حول جدوى التسلح.
منذ اندلاع القتال في سوريا، تشكلت “لجان شعبية” في الأحياء المسيحية في دمشق وحلب وقفت ضد مسلحي المعارضة، كما ظهرت بعض التقارير عن انضمام مسيحيين إلى صفوف “الجيش الحر”.
معارضو التسلح في هذه القرية مقتنعون بأنهم سيكونون وقوداً لحرب طائفية، كما قال أديب (50 عاماً): “الكل يريد اقحامنا في هذه الحرب ونحن لقمة سائغة لطرفي الصراع، لماذا نتسلّح ونحن نرى أن تلك الحرب تتوجه نحو الاقتتال بين طائفتين؟ لم يعد الموضوع هو سوريا ونظام ومعارضة الموضوع بات اليوم اقتتال بين طائفتين”.
أما حجة (40 عاماً) التي تتبنى بوضوح فكرة التسليح، تقول: “نحن محاطون من كل الجهات من كلتا الطائفتين المتقاتلتين والخوف من أن نكون نحن ضحية صراعهما”.
كذلك يرى بسام (30 عاماً) أن حمل السلاح لن يوفر الحماية للقرية، ويتوقف عند حوادث الاعتداء التي طالت عدداً من القرى المسيحية وتحديداً الهجوم الذي استهدف الحاجز العسكري في مرمريتا في آب/ أغسطس، والذي قالت وسائل إعلامية إن “جبهة النصرة” قتلت خلاله نحو 15 عنصراً من “اللجان الشعبية”. يقول بسام: “المشكلة الحقيقية هي تجار الحرب الذين يريدون الاستفادة مما يحدث واقحام منطقة وادي النصارى بالحرب الدائرة. إن ارادوا فعلاً حمايتنا فليرسلوا الجيش، ولا يطلبوا من أبناء القرية حمل السلاح وهم لا خبرة لهم فيه”.
يتندّر البعض بأنه عندما أراد عدد من الشبان الدفاع عنها في العام الماضي بعد اندلاع المعارك في محافظة حمص، أقاموا حاجزاً عند أطرافها حاملين بعض المعدات المخصصة للبناء والزراعة. ولكنهم ألغوا هذا الحاجز عندما شكلت “اللجان الشعبية” والجيش حاجزاً قريباً من القرية، لحراسة القرى العلوية المجاورة. حينها لم تكن قد حدثت أي عمليات خطف و لكن كانت هنالك فوضى في المنطقة كلها.
ويؤدي الذكور من أبناء القرية الخدمة العسكرية الإجبارية، إلا أنهم، مثل الكثير من المسيحيّين في سوريا، لا يُقبلون بكثافة على التطوع في الجيش أو الأجهزة الأمنية. ويؤكد هذا الأمر ضابط من القرية وصل لمرتبة عقيد وهو مسرح من الجيش منذ عامين، رفض ذكر اسمه: “المسيحيّون يعرفون حدودهم جيداً، فالترفيعات في الجيش لها حسابات طائفية وبما أن المسيحيين لا يطالبون بهذا الحق، إما خوفاً أو شعوراً بأنهم مواطنون درجة ثانية، فلن يحرّك أحد ساكناً”.
يقول الضابط إنه ترك الخدمة بعد أن اقتنع بأنه لن يتلقى أي ترقية: “كان من الممكن أن أجد يوماً ما أحد الحرس عندي أصبح في مرتبة أعلى مني يأمرني، فقط لأنه من الطائفة العلوية”.
تتنوع الآراء السياسية في هذه القرية، فمن بين أبنائها من يؤيد الثورة، ومنهم من يوالي الرئيس بشار الأسد كشخص، أو يؤيد النظام الحالي دون التمسك بالأسد شخصياً، كما يميل الكثيرون إلى الحياد لأنهم يتخوفون من أن تنقلب الأمور ضدهم في كل الأحوال.
يقول أسامة (45 عاماً)، وهو أب لطفلتين، إنه يتخوف من أن يجد نفسه تحت حكم الإسلاميين: “إن ذهب هذا النظام سيأتي “الإخوان المسلمون”، وهم سيحرموننا من كل هذه الحياة التي نعيشها. سيتدخلون في صلب حياتنا ويقيدون حريتنا، وهم يعتبرون نساءنا مما كسبت أيمانهم، عدا فرض الجزية”.
في المقابل، تقول سلمى (33 عاماً)، وهي تعمل مهندسة، إن “النظام قاتل لن يتوانى عن حرقنا كلنا، لماذا نقترب من ناره؟”. تعتقد سلمى أن أفضل طريقة ليأمن السوريون شر النظام هي الصبر وتقبّل “الإصلاحات” التي يقدمها الرئيس بشار الأسد لأنه “صادق” بشأنها، على حد تعبيرها. وتضيف: “إنهم سيحرقون البلد، لن يتركوها بسهولة، فلماذا لا نبقي على حياتنا كما هي؟”.
التساؤلات كثيرة والمخاوف أكثر لكن حتى الآن لا تزال القرية آمنة إلا من القلق.
*اسم مستعار لصحافية تعيش في سوريا.