جداريات عزيز الأسمر رسالة سورية للعالم أجمع
كفرنبل بحسب ما يرسمها عزيز الأسمر مع الأطفال تصوير مصطفى جلل
انتشرت جداريات الفنان عزيز الأسمر في معظم مدن وبلدات الشمال السوري المحرر، هذه الجداريات رسمت على الجدران المدمرة نتيجة قصف قوات النظام.
عزيز الأسمر (47 عاماً) من أبناء مدينة بنش في محافظة إدلب، يحمل الشهادة الثانوية العامة، ويمتلك عدة مواهب أهمها الرسم والموسيقى والخط العربي، وهي مواهب ورثها عن والده وأخواله الذين اشتهروا بالخط العربي والرسم.
ويقول الأسمر: “اضطررت للسفر إلى بيروت بعد حصولي على الشهادة الثانوية، وعملت في أحدى دور النشر لأكثر من عشرين عاماً، وأثناء وجودي في بيروت رسمت الكثير من اللوحات التي تعكس مسار الثورة. كنت أتحرق شوقاً للتواجد في المظاهرات التي كانت تنظم في مدينتي بنش”.
ويضيف الأسمر: “عدت إلى سوريا بعد انطلاق الحراك الثوري بـ 4 سنوات عبر تركيا لأنني لا أستطيع العودة عبر الأراضي التي تقع تحت سيطرة قوات النظام خوفاً من الاعتقال. وعند عودتي قمت بحرق وإتلاف جميع اللوحات لخوفي أن تكون دليل إدانة في حال تعرضي للاعتقال”.
ويتابع الأسمر قائلاً: “لأنني أكره السلاح والحرب كانت مشاركتي في الحراك الثوري من خلال ما أملك من موهبة في الرسم والخط العربي. سلاحي هو الريشة والألوان، وساحة قتالي هي الجدران التي دمرها القصف، أحب السلام وأكره الدم”.
عن الجداريات يقول الأسمر: “لست السباق في هذا المجال، سبقني فنانو كفرنبل وداريا وسراقب، لكنني تفوقت عليهم بسبب سرعة العمل واتساع مساحته، لأنني لم أكتف بالرسم في مدينتي بنش بل رسمت في معظم مدن وبلدات الشمال المحرر، وهذا ما ساهم في شهرتي وانتشاري أكثر من غيري، إضافة لتناولي الكثير من القضايا التي لم يتناولها من سبقوني”.
من أهم جداريات الأسمر جدارية الطفل مبتور القدمين ينادي والده ليحمله، وجدارية الساروت، وجداريته التي اشتهرت عالمياً عن الجنين الذي قتل في رحم أمه في خان شيخون .
يقول الأسمر:” كل جدارياتي تحمل قصصاً مختلفة، أقربها إلى قلبي جدارية شهداء بنش وفيها توثيق لحوالي 600 اسم لشهداء بنش”.
رفض الأسمر كل دعم مالي خوفاً من تحكم الجهة الداعمة، ويبرر الأسمر هذا الرفض بقوله: “رسم الجداريات كان وما زال مبادرة شخصية مني، أنا أتحمل كلفة العمل كاملة، أدوات الرسم والتنقلات وغيرها من مالي الخاص. لا أريد لأي جهة أن تتحكم بعملي وتملي علي ما لا أحب، لا أنتمي لأي جهة مدنية أو فصيل عسكري، أنا سيد نفسي أرسم وأكتب ما يخطر لي من أفكار”.
وعن الأفكار التي يعكسها عبر الجداريات يتحدث الأسمر: “جميع الجداريات تحمل أفكاراً، ومواضيع هادفة اجتماعياً تنتشر في شوارع مدينتي، كما قمت بكتابة عبارات هادفة تربوياً في المدارس، استبدلت العبارات التي كتبتها الفصائل المسلحة وعبارات قوات النظام التي كانت تتخذ المدارس مقرات لها، وقد لاقى ذلك قبولاً واستحساناً من قبل الأهالي وكوادر المدارس”.
ويوضح الأسمر سبب اختياره لرسم الجداريات: “قررت أن أرسم على الجدران المهدمة حتى تكون الرسالة أقوى للعالم، ولكي يرى العالم كيف أن هذا النظام دمّر كل مناحي الحياة من مدارس ومشاف ومنازل، وسعيت من خلال رسوماتي إلى إيصال رسائل لداخل سوريا وخارجها، مفادها أن قضيتنا هي الحرية وهي قضية عادلة رغم كل الخسائر، قضية شعب طالب بأبسط حقوقه فجوبه بأعتى الأسلحة لكنه سينتصر”.
“تناولت في جدارياتي قضايا عربية وإقليمية، أهمها معاناة أهالي غزة والحراك في السودان ومؤخراً جدارية تضامن مع المتظاهرين الإيرانيين في الولايات المتحدة” بحسب ما يقول الأسمر.
مع كل المعاناة التي تعكسها جداريات الأسمر لكنها لا تخلو من الأمل بالمستقبل والإصرار على إكمال طريق الحرية.
رئيس المجلس المحلي في مدينة بنش عبد الحميد الأسعد (50 عاماً) يقول: “باسمي وباسم أعضاء المجلس المحلي وباسم أهالي مدينة بنش، نتقدم بجزيل الشكر والعرفان للجهود التي يبذلها فناننا الأسمر بتحويل جدران المدينة ومدارسها إلى لوحات جميلة، يعبّر من خلالها عن روح الثورة، ويزرع القيم التربوية عند طلاب المدارس”.
ويضيف الأسعد: “المجلس المحلي عاجز عن تقديم أي دعم للفنان الأسمر بسبب ضعف الموارد المالية في المجلس، لذلك لم نقدم أي عرض لدعمه، علماً أننا مستعدون لدعم مثل هذه المبادرات ودون أي شروط”.
وفي الختام يقول الأسمر: “أستمتع كثيراً وأنا أرسم الجداريات، فأنا أعتمد على مساعدة ومشاركة الكثير من الأطفال في إنجازها، حيث يتجمع الأطفال حولي للمشاهدة في البداية، وبعد فترة أدعوهم ليشاركونني الرسم فتكون المتعة مضاعفة، حيث الابتسامة على وجوههم إضافة إلى تنافسهم بتنفيذ ما أوكله إليهم على أكمل وجه، وتصل هذه الفرحة قمتها عند الانتهاء من رسم الجدارية “.