جبهة النصرة والولاء للقاعدة، آراء متعددة من الساحل السوري
ملاحظة: باستثناء اسم الكاتب أيمن سليمان، بقيّة الأسماء مستعارة، بناءً على طلب أصحابها
تطوّر جديد، سجّلته مجريات الأزمة السوريّة، بإعلان”جبهة النصرة”، أبرز المجموعات الإسلاميّة المتشدّدة المقاتلة ضد النظام السوري، في 10 نيسان/ أبريل الماضي، مبايعتها لأيمن الظواهري، الذي خلف أسامة بن لادن في زعامة تنظيم القاعدة. جاء ذلك عبر تسجيل بصوت زعيم الجبهة، أبو محمد الجولاني، وصف فيه الظواهري بـ “شيخ الجهاد”، وبايعه “على السمع والطاعة.”
وجهات النظر متعدّدة حيال الإعلان، ويمكن رصدها في الساحل السوري، الذي لا زال بمعظمه تحت سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد. وتضم المنطقة العدد الأكبر من العلويين في سوريا، ويُنظر إلى الطائفة العلوية على أنها “الطائفة الحاكمة” لكونها طائفة الرئيس، على الرغم من وجود العديد من المعارضين في صفوفها، كما تستضيف المنطقة عدداً كبيراً من النازحين من مناطق القتال الساخنة، ومعظمهم من السنة، ولا يبدو حتى الآن أن إعلان “جبهة النصرة” الأخير قد أثّر على طريقة تعامل السكان معهم.
استطلع موقع “دماسكوس بيورو” عبر البريد الالكتروني آراء عدة أشخاص من منطقة الساحل يعتبرون أنفسهم مؤيدين للتغيير السياسي في سوريا، حيث تنوّعت الآراء بين من قلّل من شأن الحدث وبين من رأى فيه تطوّراً سلبياً سيكون له تداعياته، وسيحول دون التحول الديمقراطي في الحكم في سوريا.
ليلى (29 عاماً)، وهي صيدلانيّة من اللاذقيّة، متعاطفة مع الثورة رأت أنّ هذا الإعلان، على الصعيد المحلي، “مجرّد حدث إعلامي”. تقول “إنه حدث كان تداوله إعلاميّاً أضخم من حجمه الحقيقي حيث إنه ليس إعلاناً مفاجئاً. سبق الحديث عن التوجّهات الإسلاميّة المتطرّفة للنصرة وأنها (تمثل القاعدة في سوريا)”. وهي لا تعتقد أنّ ذلك سيؤثّر على مواقف المعارضين والمؤيدين، “كلاهما أخذ مواقعه وتمترس فيها منذ البداية”، تقول ليلى، مضيفة أن التغيير الوحيد في الصراع بين المعارضة والحكومة هو زيادة حجم الخسائر في الأرواح.
ما يصفه الكثيرون بالتوجّهات “الإسلاميّة المتطرّفة” التي تنتهجها “جبهة النصرة” كان قد سبق إعلان ولائها للقاعدة، عندما قامت “الجبهة” مع عدد من مجموعات المعارضة المسلّحة المقاتلة في حلب وريفها، بنشر بيان في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، تعلن فيه رفضها الاعتراف بالائتلاف المعارض، وإعلان إنشاء دولة إسلامية.
نبيل (32 عاماً)، وهو موظف في شركة خاصة، يقف ضدّ العمل المسلح الذي يسعى إلى الإطاحة بالنظام الحالي، ولكنه في الوقت نفسه لا يعتبر نفسه مؤيّداً للنظام، يتفق مع رأي ابنة مدينته ليلى في التقليل من شأن الحدث. “لن يغيّر هذا الإعلان شيئاً على الأرض، فجبهة النصرة مرفوضة شعبياً سواء قبل الإعلان أو بعده”، يقول نبيل.
على العكس من ذلك، يعتقد أيمن سليمان (39 عاماً)، وهو شاعر وكاتب من جبلة، أن إعلان “جبهة النصرة” انتماءها للقاعدة ومبايعة أيمن الظواهري، سيزيد من تمسّك الشارع المؤيد للنظام بموقفه، ومن قدرته على تبرير العنف، كما أنّه “مكسب استراتيجي” للنظام ويشكل إحراجاً للمعارضة. يقول أيمن “بالنسبة إلى النظام، هذا مكسب استراتيجي كبير على صعيد المواقف الدولية، وعلى صعيد تحسين صورته في الخارج، والترويج الإعلامي لشرعية عملياته العسكرية. لكن من جهة المعارضة فلا أعتقد أنه يحرجها فحسب، بل يفرض عليها اتّخاذ مواقف حاسمة، بما قد يتسبب في مزيد من الشرذمة وفي خلق اصطفافات جديدة”.
هذا ما تذهب إليه منى (32 عاماً)، من طرطوس، وهي تعمل مدرسة لّلغة الإنكليزية والرسم للمرحلة الابتدائية. “إذا ما اطلعنا على النتائج، أفعال “جبهة النصرة”، منذ دخلت اللعبة، لمصلحة النظام، وتضرّ بالثورة. وإنّ وجود “جبهة النصرة” وارتباطها بـ”القاعدة”، سيؤثر بالطبع على المؤيد ويزيده كرهاً (للمعارضة)، وأيضاً سيؤثر على المعارض، فقد يعيد المعارض السلمي النظر في بعض أفكاره، لذلك أقول لك أن “جبهة النصرة” في خدمة النظام، وسيكون تأثير ما جرى كبيراً على الرأي العام السوري”، تقول منى، كما ترى أنّ الإعلان سيزيد تشتّت المعارضة. “هناك فرق كبير بين “الجيش الحر” و”جبهة النصرة”، ونحن نشهد الآن اشتباكات بين جبهة النصرة والجيش الحر في بعض المناطق”، تضيف منى.
وعن انعكاسات ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة على إمكانية التوصل إلى حلّ سياسي لإنهاء النزاع، يتحدّث الكاتب أيمن سليمان عن “معادلة غير مفهومة” ويتساءل عن خلفيّات الحدث ودوافعه “كيف استطاعت “جبهة النصرة”، ومن يقف وراءها، من الأيادي الخفية التي تدعمها وتديرها وتموّلها أن تبلغ هذا المستوى القياسي من الغباء أو ربّما الدّهاء؟ إنّ هذا يخدم أجندة خاصة تهدف بشكل أساسي إلى ضرب أي إمكانية لتحوّل ديمقراطي في سوريا” يقول أيمن، ويضيف “ربما لخلق ذريعة من أجل تبرير حالة عدم التدخّل. وسواء كان دهاءً أم غباءً، فهو برأيي يندرج في مسمى الوقاحة غير المسبوقة، التي يمكن أن تعيد الثورة إلى المربع الأول في أحسن تقدير”.
لكنّ منى تقلّل من شأن تأثير ذلك على الحل. تقول “لا أظن أنّ جبهة النصرة قرّبت، أو أخّرت الحل السياسي. أرى حلقات غير منتهية من العنف والدماء، ولست متفائلة، لأنّه لا توجد نية للحل، وكأنّ جميع الأطراف متفقون على استمرار الوضع كما هو، والشعب السوري، من الطرفين، تسيل دماؤه.”
أما ليلى، فتجد في ارتباط “جبهة النصرة” بتنظيم القاعدة عاملاً مؤثّراً في خيارات الدول المعنيّة في الشأن السوري، وخاصّة الدول الغربية. “أعتقد أنّ ترددها وحيرتها ستزداد بشأن التعامل مع المعارضة ودعم مواقفها، وذلك بسبب تعزّز مخاوفها بشأن البديل”، تقول ليلى.
في حين ينفي نبيل أن يكون لهذا الحدث أيّة مفاعيل سياسيّة. يقول “الحل السياسي سيتحقق بإرادة دولية خارجيّة حصراً، وحين تتوفّر تلك الإرادة لن تكترث القوى الكبرى بهذه التفاصيل”.