ثلاث مجموعات معارضة تتولى حفظ الأمن في كفرنبل
حققت هذه المجموعات بعض النجاح في فرض الأمن والسكان يطالبون بالمزيد من العمل.
هزاع عدنان الهزاع
(كفرنبل، سوريا) – في كانون الأول/ ديسمبر 2013، توجه فضل العكل (31 عاماً)، وهو عضو في منظمة “اتحاد المكاتب الثورية” الناشطة في الإغاثة في كفرنبل، إلى شرطة المعارضة ليشكو سرقة دراجته النارية ليلاً من باحة منزله، والتي يقدر سعرها بنحو 500 دولار. يصف العكل عمل هذا الجهاز بالمؤسساتي المنضبط، ويعتقد بأنه “نواة لشرطة المستقبل”، ولكنه يقول متأسفاً: “سجلوا الشكوى ضد مجهول، وسألوني عن مواصفات الدراجة، ووعدوني بأنهم سيحققون في ذلك، وحتى الآن لم يتمكنوا من فعل أي شيء”.
تقع مدينة كفرنبل، الخارجة عن سيطرة النظام منذ العاشر من آب/ أغسطس 2012، شمال غربي سوريا، ويبلغ تعداد سكانها حوالي 30 ألفاً، وتخضع الآن لسيطرة فصيلين من فصائل المعارضة المسلحة، هما “لواء فرسان الحق” التابع لـ”الجيش الحر”، و”لواء صقور الشام” التابع لـ”الجبهة الإسلامية”. ولكن إلى جانب هذه القوات العسكرية، ظهرت قوتان تتوليان الأمن داخل المدينة، بالإضافة إلى إعلان لواء “فرسان الحق” حراسة مداخلها.
أعلن 60 عنصراً من الضباط والأفراد المنشقين عن الشرطة الحكومية عن تأسيس “شرطة كفرنبل” في الأول من أيلول/ سبتمبر 2013. معظم أفراد الشرطة الحكومية انشقوا في صيف العام 2011، وهرب الباقون بعد أن اقتحم مقاتلو المعارضة مقرهم لأكثر من مرة.
أما “الكتيبة الأمنية” فقد أسسها نحو 50 مقاتلاً في مطلع العام 2013، ومع مرور الوقت تقلص عددها ليستقر عند 20 عنصراً، اثنان منهم كانا يحملان رتبة مساعد أول في الشرطة الحكومية، قبل أن ينشقا عنها، ويصبحا محققين في هذه الكتيبة.
وبالرغم من أن هذين الجهازين يعلنان تبعيتهما للمجلس المحلي في كفرنبل، وهو هيئة تنفيذية تابعة لـ”الائتلاف الوطني” المعارض، فإن كلاً منهما يعلن استقلاله عن الآخر، ويرفض الاندماج فيه. والشكوى المقدمة أمام أحدهما لا تغني عن تقديمها أمام الآخر، على عكس ما كان يعتقده فضل العكل الذي كان يظن أن الكتيبة الأمنية تابعة للشرطة.
يجمع رئيس جهاز الشرطة المقدم أسامة الحمود، وهو يحمل إجازة في الحقوق، ورئيس الكتيبة الأمنية ماهر العليو، على أن أهم العقبات هي ضعف التجهيز والتسليح. أوضح كل منهما أن جهازه لا يملك سوى بنادق “كلاشنكوف”، وسيارة واحدة، بينما الخارجون على القانون يملكون رشاشات متوسطة وقاذفات “أر بي جي”.
ويقول العليو: “نحتاج إلى سيارتين أخريين على الأقل وأسلحة متوسطة، علاوة على حاجتنا إلى زيادة عددنا لنحو 50 عنصراً”.
ولفت المسؤولان إلى أن في الأشهر الستة الماضية لم يحصل عناصرهما سوى على راتبين، وأن الراتب الواحد لا يتجاوز 100 دولار.
رئيس المكتب المالي في المجلس المحلي نزيه البيوش علل عدم دفع بقية الرواتب بضعف التمويل الذي يحصل عليه المجلس، الذي يكاد يخلو صندوقه من النقود، بحسب ما قال.
وبالرغم من كل تلك العقبات، فقد تمكن هذان الجهازان من القبض على أكثر من 50 شخصاً مشتبهاً بارتكابهم جرائم معظمها قتل وسرقة، خلال الأشهر الستة الأخيرة، بحسب السجلات التي عرضها رئيسا الجهازين على مراسل “دماسكوس بيورو”.
لا توجد نصوص ولا اتفاقات توزع الاختصاص بين هذين الجهازين. وعن ذلك يقول رئيس الشرطة المقدم أسامة الحمود: “غالباً ما نترك للكتيبة الأمنية اختصاص ملاحقة المجرمين، ونقوم نحن بأعمال الشرطة الأخرى، كتسيير دوريات في أحياء المدينة، وتنظيم السير، واستقبال شكاوى المواطنين”.
يؤكد ذلك رئيس الكتيبة الأمنية ماهر العليو، ويقول: “كتيبتي تعشق ملاحقة المجرمين، وخاصة المسلحين المحسوبين على الثوار، بسبب إساءتهم لثورة الكرامة”.
العليو لفت إلى أن كتيبته تمكنت في تشرين الأول/ أكتوبر 2013 من قمع معظم المخالفات بحق أحراج كفرنبل، حيث “تم القبض على أفراد العصابة المسلحة التي قامت بقطع الأشجار والمتاجرة بالحطب”، وهم أربعة، بعد تبادل لإطلاق النار لم تنتج عنه أية إصابة. كما تم منع عشرة أشخاص على الأقل من البناء في تلك الأحراج.
القوانين السورية المعمول بها منذ خمسينات القرن الماضي، وخاصة قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 112 لعام 1950، هي المعمول بها غالباً لدى هذين الجهازين، اللذين يفتقران إلى الأنظمة والقوانين الخاصة بهما، بحسب ما يقول رئيساهما.
وبالرغم من أن هذين الجهازين يقومان بالملاحقات الأمنية والتوقيفات بناءً على القوانين السورية المدنية، فإنهما يتعاونان مع المحكمة الشرعية في كفرنبل أو تلك العاملة في البلدات المجاورة، التي لا تعترف بهذه القوانين وتعلن أنها تطبق الشريعة الإسلامية، حيث يقدم الجهازان المشتبه بهم إلى المحكمة، ويعملان على تنفيذ ما تطلبه منهما. وعن ذلك يقول الحمود: “ينتهي دورنا بتقديم المجرم إلى المحكمة، ولا علاقة لنا بالقانون الذي ستطبقه عليه”.
ومن الأمثلة على تطبيق قانون أصول المحاكمات الجزائية من قبل الشرطة، تسليم سامر الديرية، وهو متهم بجريمة قتل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، للمحكمة الشرعية في بلدة كفرزيتا الواقعة جنوب كفرنبل بنحو 35 كيلومتراً. يعلل المقدم الحمود هذا الإجراء بأنه “حسب الاختصاص المكاني المنصوص عليه في ذلك القانون”، فمع أن الشرطة قبضت على المتهم في كفرنبل، إلا أن الجريمة وقعت في كفرزيتا.
على مداخل المدينة، يقيم “لواء فرسان الحق” ستة حواجز منذ مطلع شباط/ فبراير 2014. ويحرس هذه الحواجز 200 من عناصر اللواء، الذي يقارب تعداد أفراده الألف، يقبضون رواتب لا تتعدى 100 دولار شهرياً يدفعها اللواء من خزينته، بحسب قائده المقدم فارس البيوش. ويضيف: “تركنا للشرطة والكتيبة الأمنية مهمة حفظ الأمن داخل المدينة، وقمنا بنصب حواجز على أطرافها، لمساعدتهم في ذلك، وهناك تعاون وتنسيق محدود بيننا”.
هذه الحواجز مجهزة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، ولا تشكو من نقص الذخيرة. وقد أحبط عناصر “فرسان الحق” أكثر من عملية خطف، منها تحرير رجل مخطوف من قرية خطاب الواقعة جنوب كفرنبل بنحو 70 كيلومتراً، في عملية قُبض خلالها على الخاطفين الثلاثة أثناء مرورهم بأحد هذه الحواجز، بعد تبادل لإطلاق النار لم يسفر عن أية إصابة.
ولكن البعض لا يثق بهذه الحواجز، ويعتقد أنها قامت فقط من أجل حماية قادة لواء “فرسان الحق” من تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) وسياراته المفخخة. يرد المقدم فارس البيوش على ذلك بأن هذه الحواجز “وجدت لحماية كفرنبل كلها، من “داعش” ومن غير “داعش””.
بالرغم من هذه المبادرات الثلاث لحفظ الأمن في كفرنبل، فإن فضل العكل لا يترك دراجته النارية الجديدة في باحة المنزل ليلاً، وإنما يضعها داخل المنزل. فهو لا يشعر بالأمان، حتى أنه لا يخرج من بيته ليلاً، “خوفاً من الخطف أو من رصاصة طائشة”.