تراب سوريا وإن ارتمى فوق أجسادنا…

نساء يتفقدن مكان استهداف الطيران الحربي لاحد منازل اقربائهم - تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

نساء يتفقدن مكان استهداف الطيران الحربي لاحد منازل اقربائهم - تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

أم مروان (37 عاماً) من ريف إدلب، عبرت إلى تركيا قبل عام هرباً من الموت. عاشت مع عائلتها حياةً صعبة. فقررت اللجوء إلى أوروبا، علّها تلقى وعائلتها الإهتمام والدعم. أمضت شهوراً وهي تجمع المال لتغطية تكاليف السفر… وزوجها معدوم الحال.

كانت أم مروان قد قررت اللجوء إلى أوروبا، لأنها تسمع كثيراً عن إيجابياتها بالنسبة للاجئين السوريين، وتحديداً ألمانيا… هناك حيث يتوفّر السكن، والرواتبَ الشهرية، ومكاناً آمِناً…

حلمت أم مروان ببدء حياة جديدة في أوروبا، كما بقية الأسر الهاربة من نيران القصف الذي لا يرحم.

زوجها أبو مروان، كان يرفض فكرة اللجوء. ظلّ متمسكاَ بوطنه رغم الحرب، ورغم أنهُ فقد كل ما يملك… إلاّ أنّ خوفه على مَن بقي من الأهل دفعه للتمسك بهم، خاصة وأنهُ فقدَ قبل ذلك أبويه تحت أنقاض منزلهما القديم، الذي لم يصمد من أول قذيفة عمياء أصابته.

تقول أم مروان: “مذ حزمنا أمتعتنا وكانت قد تحددت وجهتنا إلى ألمانيا، ارتسمت أول ملامح القلق والخوف من المجهول، على وجه زوجي”.

وتُضيف: “مررنا بمعظم ما يمر به أكثر العابرين إلى أوروبا، من صعوبة اتخاذ القرار وصعوبة العبور، والصعوبات التي تفرضها الدول على حدودها خوفاً من زيادة تدفق اللاجئين. وكنا نلاحظ في الطريق بيئة مختلفة تماماً بعاداتها وتقاليدها ولغتها، عمّا نعرفه”.

وصلت أم مروان مع عائلتها إلى ألمانيا، بعد 25 يوماً من المعاناة… من تركيا، إلى البحر، فاليونان… حتى وصلوا إلى ألمانيا. هناك سلّموا أنفسهم إلى الشرطة بصفة اللجوء في أقرب كامب أو مخيم.

وبدأت حياتهم في ذلك البلد… لكنّ تلكَ الحياة لم ترق لأم مروان وعائلتها. رأوا فيها بيئة مختلفة، بعدما كانوا يعيشون في بيت قروي في ريف إدلب.

“في ألمانيا يختلف اللباس والطعام والعادات اليومية… والمناخ كذلك يختلف، حيثُ الحرارة منخفضة، مقارنةً بريف إدلب، الذي تعتليه أشعة الشمس البرّاقة، وتحوّل لون خدود أبنائه إلى اللون البني” كما تقول أم مروان، التي لم تعد يداها الخشنتين تخبز في الصباح الباكر، وتشعل تنّور الدار من عيدان الأشجار التي كان يحرص زوجها البسيط على جمعها من الأراضي القريبة. كما أنَّ وجبات الطعام في ألمانيا، كأنها مُعدّة للتسلية، مقارنةً بطعام الضيعة الذي اعتادت عليه. “حتى لون الفاكهة وطعمها اختلفا…”

كل شيء كان يمكن أن تحتمله أم مروان، إلا العادات الغريبة في ألمانيا، فقد لاقت رفضها القاطع، هي وزوجها المُحافظ، وتقول: “نحن من بيئة محافظة، لا أستطع تقبّل أن تكنَّ بناتي من دون حجاب، أو أن تتعلمنَ عادات الغرب ويختلطنَ في المدارس ذكوراً وإناثاً”!

وتضيف أم مروان عمّا أسمته معاناة العيش في ألمانيا: “مضت الشهور والأيام ببطء… لم أسمع صوت مؤذِّنٍ للصلاة، ولم أستطع نطق كلمة واحدة من لغتهم الجافّة التي لا تمت لنا بصلة… عدا عن قضايا أخرى تتعلق بالأخلاق والتربية الحديثة التي لا أوافق عليها”.

فقررت أم مروان مع زوجها، العودة إلى سوريا.

عادت عائلة أم مروان إلى حضن الوطن، ليست الوحيدة التي لم تنل حياة أوروبا رضاها، رغم الصدى البرّاق للحضارة الأوروبية وتطورها من حيث البناء والسكن… ففي مقابل مَن ذهبوا للحياة فيها، هناك آخرين أمثال عائلة أم مروان، فضلوا الموت تحت الأنقاض على العيش في أوروبا.

تختم أم مروان حديثها: “حال سوريا اختلفت، والحرب أكلت الأخضر والياس والموت يحاصرنا… لكن في المقابل لا يوجد جنة خارج أرضنا… وتراب سوريا وإن ارتمى فوق أجسادنا يبقى حنوناً علينا وأفضل من زيف الإستقرار خارجها… فأيُّ استقرار هذا؟!”

سما بيطار (41 عاماً) من إدلب، حاصلة على الشهادة الثانوية. متزوجة وأم لأربعة أبناء. عملت في جمعيات خيرية لمدة 10 سنوات.