تدهور الوضع الصحي للنازحين جنوب دمشق

ملاحظة: جميع الأسماء الواردة هي أسماء مستعارة فضل أصحابها عدم ذكر أسمائهم الحقيقية.

(صحنايا، سوريا) – يعرج وائل البالغ من العمر ثماني سنوات في مشيته نتيجة تورم كبير في أسفل قدمه بعد أن انغرس دبوس فيها مما أدى إلى التهاب الجرح. ويقول وائل: “لا تستطيع أمي أخذي إلى الطبيب فهي لا تملك المال، وقد اقترضت مالاً من أقاربنا لمعالجة أخي التوأم الذي بدأت الحبوب تنتشر في جسمه”. ويستطرد الطفل الذي يرتاد الصف الثاني الابتدائي قائلا إن مرضاً جلدياً أصاب أخاه من شدة خوفه من المشاهد التي رآها عند سقوط قذائف على مخيم السبينة تسببت في قتل أطفال أمام عينيه. وقُتل والد وائل على يد “الجيش الحر” في آذار/ مارس 2012 في مخيم السبينة جنوب دمشق، لأنه كان يعمل شرطياً ورفض الانشقاق والانضمام إليهم، حسب ما تقول أم وائل. وقد اضطرت الأم للنزوح مع أطفالها الخمسة إلى مخيم خان دنون الذي يقع جنوباً على طريق درعا، والعمل في تنظيف المنازل في بلدة صحنايا القريبة. فالراتب التقاعدي الذي تستلمه عن زوجها لا يكفي لتغطية احتياجات العائلة.

نازحون في صحنايا في العام 2012 - "عدسة شاب دمشقي"
نازحون في صحنايا في العام 2012 – “عدسة شاب دمشقي”

ونزح الكثير من سكان مناطق حجيرة والحجر الأسود ومخيمات السبينة واليرموك وفلسطين، الواقعة جنوبي العاصمة، بسبب المعارك والقصف التي تشهدها هذه المناطق والحصار المفروض عليها من قبل الجيش النظامي. ولجأ النازحون إلى بلدات قريبة آمنة مثل صحنايا وخان دنون وكسوة، كما فعلت عائلة وائل. وينتمي معظم هؤلاء النازحين إلى الطبقة الفقيرة الذين يعملون في أسواق الخضار أو على البسطات أو في أعمال البناء. وقد فقد الكثير منهم مصادر دخلهم المحدودة، وفقد البعض معيليهم، الأمر الذي أدى إلى تدهور مستواهم المعيشي ما ينعكس سلباً على أوضاعهم الصحية أيضاً.

الظروف التي تعيش فيها آيات مثال على ذلك. تعيش الفتاة البالغة من العمر 10 سنوات في بيت مستأجر في صحنايا مكون من غرفتين وحمام ومطبخ، مع عائلتها بالإضافة لعائلة عمها وجدتها وعماتها الثلاث الذين نزحوا جميعهم من الحجر الأسود. تبلغ أجرة هذا المنزل خمساً وعشرين ألف ليرة سورية شهرياً، ويتشارك سكانه في تسديدها. وأصيب جميع سكان هذا البيت المزدحم بآفة القمل. تقول آيات: “يكون دوري في الحمام مرتين في الشهر فقط، فلا يوجد ماء يكفي الجميع، ومن الصعب شراء كميات إضافية لارتفاع ثمن الماء”. تشعر آيات بالخجل الشديد لأن صديقاتها في الصف يرفضن الجلوس بجانبها أو اللعب معها لأنها مصابة بالقمل.
تقول منى (41 عاماً) معلمة الرياضيات في مدرسة آيات: “ينتشر القمل بكثرة بين الطلاب النازحين بالإضافة لبعض الأمراض الجلدية كالجرب، بسبب تجمع عدة عائلات في منزل واحد ليشتركوا في دفع الإيجار، مما يجعل العدوى تنتقل بسرعة بينهم. وينقل الطلاب المصابون العدوى لزملائهم الذي يأخذونها بدورهم لبيوتهم. وتتوسع بذلك دائرة المرض”.

عدا الأمراض الجلدية أو غيرها من الأمراض كالسكري وفقر الدم، يعاني النازحون بشكل متزايد من أعراض الصدمات والأمراض النفسية نتيجة معايشتهم أعمال عنف في مناطق سكنهم. تقول والدة سلام وهي فتاة عمرها 15 سنة: ” بدأت ابنتي تعاني من أعراض نفسية شديدة بعد غياب والدها الذي فُقد فجأة وكانت متعلقة جداً به. أصبحت تبكي بطريقة هيستيرية وتخلع ملابسها فجأة حتى إن كانت في الشارع مُطلقة شتائم على الجميع، وبالذات على والدها الغائب وعليّ رغم أنني أحاول جاهدة استيعابها وحمايتها.” وتضيف أختها الأصغر إسراء (13 سنة): “بدأنا نخاف منها بعد أن حاولت شنق أخوتنا الصغار وهي تقلد حادثة شُنق فيهاعواينية (جواسيس للنظام) كانت قد رأتها في مخيم فلسطين”. تعيش سلام معظم الأيام في بيت عمها الذي يضبط سلوكها بالقوة فلا يسمح لها بخلع ملابسها. وترعاها زوجته وبناته الكبار، ويعيدها إلى أمها وأخوتها في صحنايا عندما تهدأ حالتها. وقد أخذتها عائلتها أكثر من مرة إلى المستشفى ولكن لم تنفع الأدوية التي أعطوها لها، حسب قول العائلة.

يعمل الدكتور أيهم، في مركز صحي حكومي في الكسوة يقدم خدمات مجانية للمراجعين. يقول الدكتور إن المركز يوفر اللقاحات الخاصة بشلل الأطفال بشكل منتظم، ولكن بقية الخدمات الطبية التي يقدمها محدودة ولا تكفي لسد حاجة الأعداد الكبيرة من النازحين الفقراء، فلا يستطيعون شراء الدواء غالباً، أو حتى إجراء الفحوصات أو التحاليل التي قد يحتاجون إليها.

في صحنايا يعيش بعض النازحين في أبنية “عالعضم” غير مكتملة البناء، مجرد سقف وحيطان معمرة بدون أبواب أو شبابيك، نظراً لعدم قدرتهم على دفع إيجارات. محسن (55 عاماً) بائع خضار وحالياً عاطل عن العمل يسكن في بناء غير مكتمل، بدون ماء أو كهرباء. وقد قام بإغلاق منافذ السكن بالقماش والنايلون. ويقول محسن: “من الطبيعي أن نبقى كلنا مرضى. بدأت زوجتي تعاني من أعراض الربو نظراً لرطوبة المكان، وأولادي يعانون كثيراً  من أمراض البرد.” يعتمد محسن في معيشته على المساعدات التي تقدمها جهات حكومية وغير حكومية وتبرعات بعض الناس ويقول إن المساعدات بالكاد تكفيه في ظل غلاء الأسعار.

تعمل الدكتورة رولا في مركز صحي غير حكومي في صحنايا، أنشأه عدد من أطباء البلدة بمبادرة خاصة يقدم خدمات طبية مجانية للنازحين الفقراء. تقول الطبيبة بأن الكثير من المرضى الذين يتوافدون على المركز يعانون من فقر الدم وسوء التغذية، وخاصة الأطفال منهم، وهذا ما يؤثر على قدراتهم العقلية والجسدية مما سينعكس على دراستهم ومستقبلهم، حسب قولها. وتطالب الدكتورة رولا من جميع من يعمل في مجال الإغاثة سواء من الحكومة أو منظمة “الهلال الأحمر” أو “الأونروا”، والجمعيات الخيرية أن يزيدوا من اهتمامهم بالنازحين في المناطق الجنوبية من العاصمة دمشق.