تدريبات نوعية يقدمها مركز نساء الآن في سراقب
وأصبح بإمكان النساء العمل في أعمال الكهرباء المنزلية بنفسها تصوير هاديا منصور
سناء البكري وأخيراً لم تعد بحاجة لمساعدة أحد للقيام بأعمال الصيانة وتمديد الأسلاك الكهربائية في المنزل. أصبحت البكري قادرة على تنفيذ تلك الأعمال بنفسها بعد متابعتها لتدريبات متعددة في ورشة أساسيات الكهرباء للنساء التي أطلقها مركز نساء الآن في سراقب وبشكل مجاني.
تقول سناء البكري (35 عاماً) بفخر: “نعم أستطيع اليوم الاعتماد على نفسي بمختلف أعمال الصيانة الكهربائية المنزلية، بعد أن كانت تلك الأعمال تشكل عائقاً أمامي بعد خسارتي لزوجي الذي قضى بالقصف الذي استهدف مدينة سراقب العام الفائت”. تصمت قليلاً لتتابع بغصة: “بعد أن غدونا وحيدات، كم بتنا بحاجة لمثل هذه التدريبات المفيدة”.
في إطار سعيها لجعل المرأة متمكنة، قوية، مستقلة وقادرة على المضي قدماً في حياة أسرتها، خاصة في ظل الحرب وغياب السند والمعيل، أطلقت منظمة نساء الآن في سراقب، تدريبات متعددة في أساسيات الكهرباء وصيانة الحاسوب إضافة لدورات قانونية وإدارية ودعم نفسي .
عبير عريان (30عاماً) مديرة مركز نساء الآن في سراقب تقول: “تدريب الكهرباء بدأ في 15 أيلول/سبتمبر 2019، ولا يزال قائماً. ويتضمن التدريب عدة محاور وهي مبادئ وأساسيات الكهرباء بشكل عام، الوصل الكهربائي بما يضم أنواع الوصل، طرق التوصيل، توصيل الليدات مع البطارية، توصيل الألواح الشمسية مع البطاريات ورافع الجهد، طريقة قياس الطاقة الكهربائية وكيفية وصل الأجهزة الكهربائية”.
وتتابع عريان: “يضاف إلى ذلك طريقة تركيب المفتاح الكهربائي، صيانة المفاتيح والمخارج الكهربائية، وأخيراً السلامة الكهربائية بما في ذلك كيفية الحماية من الكهرباء عن طريق تركيب العوازل والقواطع الكهربائية، تعريف قصر التيار وطريقة منع حدوثه، منع حدوث ضياع الكهرباء وطريقة التوفير والحماية من الجهد العالي”.
وعن أهمية هذا التدريب تشير العريان إلى “أن المركز يهتم بشكل كبير بتمكين المرأة في ظل ما تواجهه من متاعب وصعوبات، وواقع جديد فرض على كثير من النساء السوريات وخاصة بعد فقدان المعيل ما بين شهيد ومعتقل ومفقود على مدى 8 سنوات من الحرب”.
يقدم المركز دورات متنوعة مهنية وتعليمية، في القسم المهني هناك الصوف والأشغال اليدوية والخياطة والتمريض والحلاقة. أما القسم التعليمي فهنالك الحاسوب، الفوتوشوب، العربي، الرياضيات، اللغة الإنكليزية ودورات منهجية التاسع فيزياء وكيمياء، علوم، عربي، رياضيات.
ويوجد في المركز قسم متخصص بإدارة الحالة والدعم النفسي يقوم بجلسات التوعية داخل المركز وخارجه، ويغطي كثير من مراكز المنظمات والمعاهد داخل مدينة سراقب والقرى المجاورة مثل جوباس، الترنبة ، النيرب وغيرها .
ونوهت عريان بوجود تدريبات أخرى إضافية ومنها “تدريب صيانة الحواسيب، الذي عمل على تمكين السيدات وتعليمهن حرفة صيانة الحاسوب، وطريقة تنصيب سوفتوير للأجهزة بأنفسهن دون اللجوء لشخص آخر ولعدم تعريض معلوماتهن الخاصة بالجهاز للخطر حفاظاً على سلامتهن “
كما ويحتضن المركز تدريب دبلوم بإدارة المشاريع الصغيرة والريادية، المحاسبة المالية، التسويق، المهارات الشخصية والقيادية، إدارة العمل بالمنزل.
سعاد القدور (22 عاماً) تمكنت بعد حضورها تدريب أساسيات الكهرباء من تمديد الكهرباء لمنزلها بنفسها. وعن تجربتها تقول القدور: “نظراً لانقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة منذ زمن، قمت بشراء لوح طاقة شمسية بعد أن ادخرت مبلغاً من المال لتزويد بيتي بالكهرباء، ولأن زوجي أصيب بإعاقة على خلفية إصابته بإحدى شظايا الطائرات الحربية فقد لجأت لتركيب اللوح بنفسي وتمديد الكهرباء منه للبطارية ولرافع الجهد ومنها لكافة أرجاء المنزل”.
استفادت لمى الصوراني (33 عاماً) من تدريب صيانة الحواسيب، وعن هذا الأمر تقول: “يقدم مركز نساء الآن تدريبات جديدة ونوعية وتحتاجها المرأة بشكل كبير وخاصة فيما يتعلق بصيانة الحاسوب، فقد كنت ألجأ لوضع أقفال لمختلف التطبيقات في جهازي الكمبيوتر قبل إرساله للصيانة، كي لا يتم الكشف عن أسراري وخصوصية عملي، وبعض الملفات الخاصة. لكنني اليوم لم أعد بحاجة إلى ذلك فقد بت قادرة على القيام بهذا الأمر بمفردي دون الحاجة لإرساله إلى أي مكان”.
وتوضح الصوراني أنه “من الجيد أن تتمكن المرأة وخاصة الفاقدة للمعيل، من متابعة أمور حياتها بنفسها ودون أن تشعر بقلق كلما إحتاجت لأمر ما، ولذا لا بد لمختلف المراكز النسائية أن تحذو حذو مركز نساء الآن في تدريباته النوعية والإيجابية”.
بلغ عدد المستفيدات من تدريبات التمكين المعرفي والمهني بكل دورة تدريبية ما بين 200 و250 متدربة، أما بالنسبة للتدريبات الإضافية فيتم تحديد العدد من 10 إلى 15 متدربة لضمان تركيز المدرب أو المدربة على كل المتدربات، وإعطاء التدريب حقه من الفهم والتركيز والإيضاح.
يبدى المهندس الكهربائي لؤي الحميد (32 عاماً) إستغرابه من نوعية التدريبات التي يقدمها المركز، ولكنه يشجع على عمله ويثنى عليه قائلاً:” اعتاد مجتمعنا أن تكون تلك الأعمال والتدريبات مقتصرة على الذكو، وما يفعله مركز نساء الآن في سراقب هو خروج إيجابي عن المعتاد. فمن المهم لكل إمرأة أن تكون على وعي ومعرفة بهذه الأمور، فهي بسيطة وليست معقدة، وبالتالي يكون لديها ثقة أكبر بنفسها في منزلها أو أي مكان آخر أمام حدوث أي طارئ قد يفرض عليها فجأة “.
ويرى الحميد “أن المرأة السورية خرجت نوعاً ما من قالب الصورة النمطية المعروفة عنها وبدأت تدخل مجالات جديدة ومنها مهارات الكمبيوتر، فوتوشوب، التصوير والإعلام وغيرها من المجالات”. وبرأي الحميد فإن تلك التدريبات من شأنها أن تعطي المرأو سبل جديدة في تعزيز وعيها واستقلاليتها.
لا يقتصر نشاط المركز على التدريبات المهنية والتعليمة، فهناك جلسات توعية مدنية تتضمن مواضيع هامة منها الأدوار الجندرية، العنف ضد المرأة وإتفاقية سيداو التي بينت تاريخ العنف ضد المرأة والحركات التي ناهضته عبر التاريخ، وكيف تمكنت المرأة أن تثبت نفسها لتكون المكون المجتمعي الأهم، وتأخذ حقها بالتعليم والإرث وغيره، إضافة لجلسات قانونية تتناول مواضيع قانونية كسلسلة منها الطلاق، المهر، الخطبة، حق المرأة في الميراث وغيرها، ويقدم تلك التدريبات محامي بالتعاون مع القسم النفسي والحماية بالمركز .
يعتبر مركز نساء الآن في سراقب والذي تأسس في 2015 أحد المراكز المدعومة من منظمة نساء الآن من أجل التنميةوالتي تأسست في العام 2012 والتي تهتم بإطلاق برامج تقودها نساء سوريات هدفها تمكين النساء ومشاركتهن ببناء سوريا جديدة، يسودها السلم وتحترم وتحمي الحقوق المتساوية لجميع مواطنيها عبر محاربة الأمية وزيادة فرص العمل أمام النساء ومساعدتهن على تحقيق الإستقلال المالي والإنخراط في ريادة الأعمال .
رغم الحرب العنيفة التي تعيشها البلاد يسعى مركز نساء الآن في سراقب إلى أن يكون المساحة الآمنة لنشر مفاهيم المساواة العادلة بين فئات المجتمع، وتأهيل النساء والفتيات من خلال توفير عدد من الأنشطة والبرامج والتدريبات الجديدة بهدف تعزيز تمكين النساء وتزويدهن بالخبرات اللازمة لمساعدتهن على الإستمرار والتأقلم في مواجهة ظروفهن الصعبة .