بين عيون المجاهدات وسيارات الحسبة رحلة تسوق في الرقة

 

الرقة في 19 آب/أغسطس  2014

بعد جدال ونقاش دام أياماً عدة، سمحت لنا أمّي أن نمضي  إلى شارع 23 شباط، وهو شارع رئيسي في مركز مدينة الرقة نبتاع منه معظم بضائعنا. كانت مصرة على بقاء فتياتها في المنزل خوفاً من اصطدامهن مع الحسبة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تتخصّص بمتابعة الناس ومعاقبتهم على أي مخالفة للدين بحسب ما يعتقدون). وبالرغم من التزامنا باللباس الشرعي الكامل، إلّا أن أمّي تخشى علينا من عيون المجاهدات، وهن نساء تابعات للحسبة يتخصصن بمتابعة المخالفات الشرعية لنساء الرقة، وتخاف أمي أن تتسببن باعتقالنا أو جلدنا.

على باب المنزل بدأت بتفقدنا واحدة تلو الأخرى  “هل لبست الجوارب؟ دعيني ألقي نظرة على نقابك؟ انتبهي على عنقك أن لا يطير حجابك….”

انطلقنا بعد أن نلنا رضا أمي، رفعت رأسي  إلى شرفة منزلنا وتمتمت  ضاحكة “ربما تظهر لنا من الشرفة وتصرخ انتبهي وانتبهي “.

وصلنا إلى وجهتنا بعد أن استقلّينا  سيارة أجرة كي نستطيع  اللحاق بالمحل الذي نريد شراء الحاجات منه قبل أن يقفل أبوابه كي يذهب إلى الصلاة حيث “يُفرَض على أصحاب المحلات إغلاقها في أوقات الصلاة وإلّا عوقبوا على ذلك”.

وعلى باب المحل صعقنا  بحظنا السيئ

  • “يا ربي، مغلق، سوف ننتظر إلى أن يقيموا الصلاة وبعدها سيفتح، يا لهذا الحظ !”
  • “فلنذهب إلى غيره”

اتفقنا على البحث عن محل آخر، وفي أثناء سيرنا ظهرت أمامنا  ثلاث نسوة بلباس شرعي كامل، لكن ما يميزهن هو ارتداءهن لـ “الدرع” وهو عبارة عن قطعة قماش عريضة تُلبس فوق العباءة كي تغطي منطقة الصدر والخصر خوفا من أن تبان معالم الجسد، وهذا الزي يُميّز المجاهدات  وزوجات المجاهدين.

صرخت أختي ” إنهن زوجاتهن، ربما هن من عناصر الحسبة فلنهرب قبل أن يتهمننا بتهمة ما”.

بدأنا  بالسير السريع خوفا من تلك النسوة، وبعد الوصول إلى المحل الآخر والذي كان متجراً لبيع النظارات الطبية، طلبت من البائع ذو الصحة الجيدة واللحية الشقراء أن يعطيني حاجتي قائلة  “هل ممكن أن أجربها في المحل  وأرفع النقاب؟”

أجاب البائع ” يمكنك لكن انتبهي، أعدادهم كبيرة في هذا الشارع قد تخربين لنا بيتنا”.

“سوف تنبهني أختي في حال قدوم أحدهم” أجبت بثقة بالغة.

بدأت بتجريب النظارات. أرفع النقاب لأرتديها وخلال ثوانٍ أعيد إنزاله، وطبعا صاحب المحل يدير ظهره خوفا من أن يأتي أحدهم فجأة فنجلد أنا وهو.

صرخت أختي “انزلي النقاب بسرعة إنه شيخ”.

وكان يطل من واجهة المحل شيخ يناهز الأربعين من العمر بلحية سوداء وقبعة بيضاء مدورة بلباسه الباكستاني (رداء يصل إلى ركبتيه وبنطال قصير) . لحسن الحظ لم يلمح وجهي همست لأخوتي “كنا على وشك أن نقع في مصيبة  لولا رحمة الله”.

لم نجد طلبنا وعدنا إلى المحل الآخر الذي فتح لكن بقي عشر دقائق ويعيد الإغلاق من أجل الصلاة.

طلب مني صاحب المحل  أن أدخل إلى غرفة صغيرة كي أجرب النظارة براحتي.  وقف الرجل أمام باب المحل خوفاً من أن يتسبب بمشكلة لنفسه ولنا.

وعلى عجلة من أمري حاولت أن أختار نظارتي بعد أن بدأ صاحب المحل بتوضيبه تجهيزا للإقفال.

غادرنا المحل وبنيتنا العودة مشيا إلى المنزل، لاسيما انه مضى شهران على عدم مغادرتنا له. وفي هذه الأثناء كان أصحاب المحلات قد اصطفوا في الشوارع  والأماكن المغلقة من أجل صلاة الجماعة.  فرغت الشوارع من  الرجال الغير مصلين، ليس فيها سوى نساء تحث الخطى بسرعة وتتعثر بلباسها الثقيل  أو تجلس أمام المحلات التجارية تنتظر أصحابها كي ينهوا الصلاة ويفتحوها، فجأة ظهرت على الطريق الموازي للطريق الذي نسلكه  سيارة  الحسبة.

  • “إنها سيارة الحسبة”
  • “لا لا تعودي إلينا”
  • “الحمد الله سلكت طريق آخر لم تعد إلينا”

طبعا في طريق عودتنا رأينا مجاهدين من جنسيات مختلفة وأشكال غريبة عن المدينة، بعضهم مصاب ويحمل عكازه والآخر يقف ويفتش السيارات التي تمر وآخر بلباس عسكري، مما جعلنا نشعر وكأننا نمشي في شوارع مدينة نزورها للمرة الأولى

عدنا إلى المنزل حاملين  مقداراً من الخوف والقلق لم نحمله يوما من الأيام، كان الخوف لمجرد أننا مشينا في الشارع في مدينة الرقة، وهذا يعد من أبسط الحقوق لأي كائن بشري.

لمجرد أنه ربما قد يبان جزء من جسدنا  دون انتباه منا فنتعرض للذل والجلد من امرأة قد تكون غير سورية. هذا حالنا نحن الإناث في مدينتنا الصغيرة التي غطاها السواد وما خلفه من قذارة وعهر.  نمشي ونتلفت حولنا خوفا من أن تلقى علينا  تهمة ما يبتكرها احد الشيوخ في لحظة ما.