بين النظام والمعارضة… عام دراسي جديد لا يُبشِّر بالخير!

 

“إثنان فقط من تلاميذ الصف الرابع، لم يُخطئا في كتابة كلمات بسيطة كـَ: سمك، بيت، مدرسة… وتلميذ واحد فقط، أعطى الإجابة الصحيحة لسؤال: ثمانية ضرب أربعة!” هذا ما قالتهُ ريم، إحدى المُدرِّسات في كفرنبل، في اليوم الثاني على بدء العام الدراسي الجديد 2016-2017.

بعدَ خمس سنوات من الحرب، بات تراجع مستوى التلاميذ ظاهرة عامة في مدينة كفرنبل، التي يبلغ عدد سكانها 35 ألفاً… وسط تجاذب بين حكومتَي النظام والمعارضة. وفي محافظة إدلب مدارس للمعارضة، ومدارس ما تزال تابعة للنظام.

مدارس المعارضة تُديرها مديرية التربية والتعليم في محافظة إدلب، وتسمّى أيضاً “مديرية التربية الحرة”، التي أبقت على مناهج النظام مع بعض التعديلات، وفرضت تطبيق الشريعة الإسلامية في المدارس. وتأسست المديرية بمبادرة من معلمين مفصولين أو منشقين عن النظام، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2012. وأصبحت تابعة منذُ أيلول/سبتمبر 2013 للحكومة المؤقتة للإئتلاف الوطني المعارض. وتتبع المديرية منذُ شهر نيسان/ أبريل 2015 للإدارة المدنية التابعة لجيش الفتح في محافظة إدلب، رغم تصور البعض أنها ما تزال تابعة لحكومة الإئتلاف.

زياد (12 عاماً)، تلميذ في الصف الرابع لدى المدرِّسة ريم، يقول: “لا تسألوني شيئاً، أنا لستُ بِشاطر! وأحب المدرسة فقط، من أجل اللعب مع رفاقي”. ترفَّعَ زياد إلى الصف الرابع، رغم رسوبه. لأنَّ قانون التعليم السوري لا يجيز رسوب التلميذ في صفه مرتين، في المرحلة الإبتدائية.

والد زياد، وهو مقاتل في الجيش الحر، يقول: “انقطع زياد عن المدرسة كثيراً! فمع بداية الثورة رفعنا شعار، لا دراسة لا تدريس، حتى يسقط الرئيس… ثم نزحنا إلى قرى مجاورة بعد أن احتل جيش النظام مدينتنا”. ويتابع الوالد: “نحنُ نؤمن بضرورة إرسال أولادنا إلى المدارس. لكن حتى بعد تحرير كفرنبل، كثيراً ما يتغيَّب زياد عن المدرسة، خوفاً من طائرات النظام التي تقصف كفرنبل منذُ تحريرها”.

وتتعرض كفرنبل، منذ سيطرة المعارضة عليها في 10 آب/ أغسطس 2012، لقصف طائرات النظام. وقُتل في هذا القصف أكثر من مائة مدني.

كان يوجد في كفرنبل تسع مدارس تعليم أساسي. وقد دمَّرَت طائرات النظام أجزاء من أربع مدارس، ولحسن حظ التلاميذ، لم يكونوا في دوامهم أثناء القصف.توزَّع تلامذة المدارس التي تعرّضت للقصف وكوادرها على المدارس الأخرى، التي ما تزال تابعة للنظام. ويوجد فيها 6 آلاف تلميذ، فتشهد تزاحماً كبيراً… وقد يصل عدد التلاميذ في الصف الواحد إلى 50 تلميذاًّ!

وكان النظام قد نقل مديرية التربية في إدلب التابعة له، إلى مدينة حماه، على أثر سيطرة المعارضة المسلحة على محافظة إدلب، في شهر أيار/ مايو 2015.

وكان في كفرنبل، خمس مدارس ثانوية. اليوم، ما تزال أربعة منها تعمل، بالرغم من تدمير طائرات النظام أجزاء منها. أما الثانوية الخامسة، فأصبحت مقراً للمجلس المحلي في المدينة.

وهذه المدارس ما تزال مرتبطة بالنظام. لكن عدد طلابها يتناقص من عام إلى آخر، حتى بات لا يتجاوز 250 طالباً بعد أن كان قد تجاوز 1500 طالب في العام 2011.

أما المعارضة في كفرنبل، فقد استحدثت مدرستين ثانويتين، واحدة للبنين وأخرى للبنات. لكن أمضيتا العامين الماضيين في منازل مستأجرة. ومع بداية هذا العام، بات طلابهما يداومون في مدرستين من المدارس التابعة للنظام، ضمن دوام مسائي، وعددهم حوالي 250 طالباً.

عصام (إسم مستعار)، مدير إحدى المدارس التي ما تزال تابعة للنظام في كفرنبل، يعتبر قصف الطائرات سبباً رئيسياً في ضعف مستوى التلاميذ، فالقصف يحبطهم ويُحبط المُعلّمين. ويقول: “إنَّ الخوف والهلع ينتابنا نحنُ والتلاميذ، بمجرد سماع صوت الطائرة… لمجرد أن تعبر في الجو”. ويضيف: “كلما قصفت الطائرات المدينة أو أي قرية مجاورة، نصرف التلاميذ”.

ويعتبر عصام أنَّ ضعف رواتب المعلمين سبباً من أسباب تراجع مستوى التعليم. فهو يؤثر سلباً على المعلم، “فيبقى ذهنه مشوَّشاً بكيفية تأمين لقمة العيش!”.

معلمو المدارس التابعة للنظام في كفرنبل، يقبضون رواتبهم من مدينة حماه. وفي ظل تراجع سعر صرف الليرة السورية، وعدم مواكبة الزيادات لذلك، بات راتب المعلم لا يتجاوز ما يعادل 85 دولاراً. أما قبل الحرب فكان متوسط راتب المعلم يصل إلى ما يعادل 350 دولاراً.

ينتقد عصام المعارضة التي تهدف إلى “السيطرة على المدارس وفك ارتباطها بالنظام، دون أن يكون لديها القدرة على تحمُّل أعباء التعليم.” ويعتقد أن النظام سيتعمَّد قصف المدارس إن لم تعد تابعة له.

وهو ما لا يروق لـِ كاسر الشيخ، مدير المجمَّع التربوي في كفرنبل التابع لمديرية التربية والتعليم. واصفاً ما جاء على لسان عصام بأنه “دعوة للإستسلام وترويج لنظام يُخيّر شعبه بين الركوع والموت”.

يوافق الشيخ على عدم قدرة المعارضة على تحمل كافة أعباء التعليم في الوقت الحالي. وبالرغم من ذلك، يعتبر كل مدارس محافظة إدلب تابعة لمديرية التربية والتعليم. ويقول: “لقد أصدرنا قراراً بذلك، نحن مناطق محررة ولا نسمح بأي وجود للنظام”.

ويشدد على أن الدعم الذي تتلقاه المديرية قليل، ولا يتناسب مع حجم المهام الملقاة على عاتقها. ويقول: “المديرية أوجدت فرص عمل لنحو أربعة آلاف شخص في إدلب ككل، أكثر من نصفهم من المعلمين المفصولين أو المنشقين عن النظام، برواتب غالباً ما تصل إلى 110 دولار شهرياً”.

أوضح الشيخ أنّ المديرية استحدثت 124 مدرسة ثانوية في محافظة إدلب ككل، لاستيعاب الناجحين في امتحانات شهادة التعليم الأساسي لديها، لأنَّ المدارس التابعة للنظام لا تقبلهم.

ولفت إلى وجود تعاون وتنسيق بين المديرية وحكومة الإئتلاف المؤقتة، خاصة في امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية، لكن يؤكد على عدم تبعية المديرية لهذه الحكومة.

تقدَّم إلى امتحان الشهادتين الأساسية والثانوية لدى المديرية في إدلب، حوالي 15 ألف تلميذ في العام الدراسي الأخير، بحسب الوثائق التي أطلعنا عليها رضا العبودي، رئيس مكتب الإحصاء والإعلام في المجمع التربوي في كفرنبل.

في المقابل، تقدَّم إلى امتحانات هاتين الشهادتين، لدى النظام في محافظة حماه، حوالي 18 ألف تلميذ، بحسب صفحة التابعة للنظام.

والمناهج المعتمدة لدى مديرية التربية والتعليم، هي مناهج النظام نفسها، ملغىً منها أو محذوفاً أو معدلاً، المواد والعبارات التي تمجِّد حزب البعث وعائلة الأسد.

المديرية ألغت مادتي التربية الوطنية والتربية القومية، اللتين تدرِّسان عقيدة حزب البعث. وتولت منظمة “علم”، مسألة الحذف والتعديل في المواد الأخرى، وطبع وتقديم المناهج للمعارضة.  “كثيراً ما سايرت هذه المنظمة منهاج النظام في عروبته” بحسب أيهم سطيف، رئيس قسم البرامج في راديو فرش.

ويقول سطيف: “لم تضف “علم” على المناهج القضية الكردية، متجاهلة قمع النظام انتفاضة أكراد سوريا في العام 2004، وحصول أكراد العراق على حكم ذاتي، بالرغم من

بانتظار المنهاج الأفضل تصوير هزاع عدنان الهزاع
بانتظار المنهاج الأفضل تصوير هزاع عدنان الهزاع

أنها تطرقت لما هو أحدث من ذلك في سوريا والعراق”. يقارن سطيف بين خريطتي الوطن العربي على غلاف كتاب الجغرافية للصف التاسع لدى المنهاجين، ويقول ساخراً: “كلاهما لا يعترف بجمهورية جنوب السودان، بالرغم من أنَّ السودان نفسه يعترف بها”.

لدى مديرية التربية والتعليم دائرة شرعية، مهمتها مراقبة تطبيق الشريعة الإسلامية في المدارس، ولها صلاحية إصدار قرارات بشأن ذلك. وأول قراراتها، المُطالبة بالفصل التام بين الذكور والإناث وعدم الإختلاط، والإلتزام باللباس الشرعي “الساتر والمحتشم”. وبحسب المديرية، فإنَّ “كل مخالفة تستوجب المساءلة الشرعية والقانونية”.

لا يوجد في كفرنبل تحدٍّ علني لهذا القرار. والمعلمات والطالبات هناك يتنقبن ويغطينَ كامل أجسادهن، وبعضهن يبدين وجوههن وكفوفهن. ولا يعترض “الشرعيون” على ذلك، استناداً لوجود رأيين في الفقه الإسلامي السائد في المدينة، أحدهما لا يسمح للمرأة بإبداء وجهها وكفيها، والآخَر يسمح بذلك.

انتهى الأسبوع الثاني من العام الدراسي الجديد ولم يستلم محمد (11 عاماً) كتبه بعد! وهو تلميذ في الصف الخامس.

مدير المدرسة، عصام، يقول: “ذهبنا إلى حماه مرتين من أجل هذا الأمر، وفي كل مرة يمتنعون عن تسليمنا الكتب دون إبداء أي سبب مقبول”.

لا يُمانع عصام من توزيع كتب المعارضة على التلاميذ، لكن مدير المجمَّع التربوي كاسر الشيخ يقول: “ما لدينا قليل.. فقد قصفت الطائرات الروسية مستودعات الكتب، في مدينتي خان شيخون وإدلب”.