بين الثورة والنظام في سوريا حرب أغنيات
مريم عبدالله*
(دمشق، سوريا) – على وقع أغنية “يا بوشامة” (غناء بهاء يوسف وكلمات علي علوش) رقصت نهاد الطويل مع أصدقائها وأفراد أسرتها مودّعة العام 2013. نهاد (40 عاماً) تزوجت حديثاً من رجل سوري مهاجر منذ زمن الى ألمانيا. وخلال التواصل معها عبر سكايب قالت نهاد: “انها اغنية رائعة تؤكد أننا سنبقى مع الأسد وهي حماسية تعطي شعوراً بالقوة وبالانتماء الى القادة بشار وماهر”.
وفي الوقت نفسه بدأ المهندس الكهربائي وائل سعيد (32 عاماً) العام 2014 في دمشق على وقع أغنية “جنة يا وطنا” التي قال عنها انها الأكثر مقدرة على الاحتفاء بعام بأكلمه وتابع: كلمات الأغنية برغم حزنها الا أنها ثورية بمعنى الكلمة خاصة أن من يغنيها عبد الباسط ساروت البطل الشعبي الرياضي المحاصر في حمص، وهو حارس مرمى فريق الكرامة السوري سابقاً.
ودّع السوريون باختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم عاماً مليئاً بالقتل والدمار، سنة من حرب قد تستمر لعقود طويلة متمثلة بأشكال مختلفة عنيفة وسلمية، ومن ضمن هذه الأشكال شكل فني، هو الأغاني السياسية، التي تصنف على أنها تدعم إما الموالاة أو المعارضة. نصوص تكتب الأحداث بتصورات الطرفين لتظهر التغيرات والتحولات، تترافق مع ألحان حماسية وطنية وإنسانية، يسعى كل طرف لتوظيفها لصالحه في حربه النفسية ضد الطرف الآخر.
بعض النصوص الغنائية تركز أيضاً على الشق الانساني الذي يحاكي الانتماء الوطني من وجهة نظر النظام كأغنية مودي العربي “أنا راجع على سوريا”.
أما على مقلب المعارضة فكانت الأغاني تبتعد عن تمجيد الأشخاص لتقترب أكثر الى الوجع السوري المتعلق تارة بالفراق كأغنية “يا بيتي شو اشتقتلك” وهي من غناء ريبال وكلمات رامي العاشق، حيث تتحدث عن النزوح واللجوء والحنين إلى الأرض والدار والعودة التي تحول دونها المعارك والقنص والقصف والدمار.
ويستمر السباق بين الفريقين على كسب المستمعين عاطفياً بالبكاء والتضحية بالغالي والثمين لأجل سوريا. وراجت في صفوف أنصار النظام اغنية “يا امي يا سوريا ودمعاتك خبيها لما تعطش بالدم الغالي منسقيها” لأذينة العلي التي تؤكد على عنصر الفداء بالغالي والرخيص في سبيل الوطن. وفي مقابلة تلفزيونية يقول العلي ان الثورات العربية افتراضية وما يجري في سوريا ليس سياسة، والمعارض الحقيقي هو من يقف مع الدولة فينتقد اخطاءها، لكن ما يجري على الساحة يستهدف سوريا الكيان والتاريخ.
ومن أغاني المعارضة ظهرت اغنية “جيش الاحرار ينادي”، وهي اغنية حماسية، تقول عنها الأخصائية الاجتماعية رنا العبدلكي إنها تبتعد عن “الشخصنة ( التي تميز) أغاني الموالاة وتمجد شخص الرئيس وتعبر عن فدائه بالروح والاعتزاز به وبعائلته، أما اغاني المعارضة فتخلو من أي تمجيد لأي شخص، فلم تصنع بطلاً في اغانيها الى الآن”. لم يطل الأمر حتى برز نوع آخر من أغاني الموالاة تزايد في الانتماء للوطن متل أغنية “سوريا موجوعة”، لشادي أسود.
وظهر التنافس قوياً بين تلك الأغاني، بالرغم من التباين بالدعم والظروف بحسب ما يؤكد خبير المكساج الذي عرّف عن نفسه باسم حسان (31 عاماً) الذي شارك في إنتاج كثير من أغاني الثورة ومنها أغنية “جنة يا وطنا”. يقول حسان، وهو اعلامي وممثل مسرحي: “في معظم المحافظات السورية غالباً تكون الأغنيات مستوحاة من الشارع، فكلماتها تعتمد على لهجة أهل المنطقة التي خرجت منه وهذا مصدر نجاحها، وكنا نراقب تفاعل الناس معها بشكل مباشر وبعضها لم يعجب الناس كالأغاني الطائفية التي طرحها البعض”.
ويشير عطية إلى أن الأغاني الثورية تعتمد على الكلمة المرتبطة بالوطن والرافضة للذل والقمع والمطالبة بالحرية، ويضيف أن الفارق كبير بين الامكانيات المادية المستعملة في إنتاج الأغاني التي تعارض نظام الرئيس بشار الأسد وتلك التي تؤيده: “كنّا نسجل على كمبيوتر محمول في غرفة صغيرة بأحد البيوت ونستعمل الميكروفون البسيط، وهو غير مؤهل لأدنى مستويات الدقة بالصوت أو الحرفية، ونرفعها على موقع “يوتيوب” بانفسنا. بينما اغاني الموالاة تسجّل بأفضل الاستدويوهات مع أفضل تقنيات الصوت ومدعومة بفيديو كليب غالباً وتبث مجاناً على الإذاعات المحلية سواء راديو أو تلفزيون…”
وفي ما خص الدلالات المتعلقة بكلمات الأغاني السياسية، يشير الأستاذ المعالج في علم النفس جمال خليل إلى أن أغلب الأغاني المؤيدة للنظام تتحدث عن سوريا مراراً وتمر بين الفينة والأخرى على الرئيس واسمه، وأن المقاطع المصورة التي ترافقها تظهر فيها القوات الحكومية بالزي العسكري الموحد لتؤكد على قوة الدولة التقليدية في مواجهة الأعداء المفترضين. أغلب الكلمات عاطفية تتوجه صوب التضحية، لا تخلو أغنية من كلمة دم، بالمعنى الذي يخدم فكرة الفداء. هناك تنويع في استخدام الأنماط الغنائية من فولكلور ساحلي، إلى راب وإيقاعات معتادة. ويضيف الأخصائي النفسي أن الأغاني التي تمجد جيش النظام يكون إيقاعها سريعاً ومرفقاً بصور وفيديوهات حية لزيادة إثارة المشاعر الوطنية التي ترتبط بـسوريا والقائد، هناك غياب شبه تام للإنسان والسوريين مقابل فكرة الوطن وسوريا.
ومن جهة أخرى يلفت أخصائي علم النفس إلى أن أغلب الأغاني المؤيدة للثورة تتحدث عن المعاناة، وتحاول لفت الإنتباه إلى مأساة المدن المدمرة والأطفال الجرحى، مع إرفاق مشاهد واقعية وفيديوهات حية من مناطق واقعة تحت القصف. هناك إشارة واضحة إلى الإنسان، الأم، الطفل، أو اللاجئين، مع وجود إشارات أقل إلى سوريا.
وتبدو بعض الأغاني المؤيدة للثورة حديثة نوعاً ما وتبتعد موضوعاتها عن الألحان الرائجة، بعضها استخدم إيقاعات حديثة جداً، مع تلوينات راب ومؤثرات صوتية. مشاهد العنف في الأغاني المؤيدة للثورة أكبر، وتأتي في سياق إظهار معاناة أنصار الثورة من وحشية النظام وتأييدها بفيديوهات ومشاهد حية.
وتعتبر الأخصائية الاجتماعية رنا العبدلكي أن أغاني ابراهيم القاشوش كانت بداية الانتفاضة الحقيقية في الفن، “قلبت الكلمات المستخدمة منذ عقود التي كانت حول تمجيد الرئيس وخلوده الى كلمات تلعنه كأنها تنسف تاريخاً من التعابير التي غسلت بها الأدمغة أجيال وراء أجيال، وهذا ما زعزع النظام ليخرج بأغاني على نفس النغمة التي يغني بها القاشوش لتستخدم في المسيرات الموالية”. تتابع العبدلكي قائلة إن اللحن نفسه تدرج الاغاني لتؤرّخ الحراك، ورصدت المعاناة السورية لكلا الطرفين لتصل اليوم الى أسوأ ما يمكن وهي الاغاني الطائفية فحتى في قلب دمشق يمكن سماع اغاني “المدّ العلوي تفجّر” و“أبو الفضل العباس” وغيرها. وفي المقابل، تشير العبدلكي إلى أن في الأماكن التي تسيطر عليها المعارضةة، تسمع اغاني تحض على الثأر للاسلام والجهاد“.
*اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا.