انتشال أهالي عقيربات من الموت
إحدى محطات النزوح الطويل تصوير إيهاب البكور
"من يحالفه الحظ يستطيع النفاد من الوادي، ومن لا يحالفه الحظ، يموت إما مرضاً، أو جوعاَ، أو قصفاً، وقد يموت من التسمم بالماء الغير صالح للشرب"
لم تصدق أم أحمد (24 عاماً) عينيها حين رأت ولديها على قيد الحياة. وجدتهما في مركز الإيواء المؤقت “منادي الخير” الذي أعدته منظمة يداً بيد “hand in hand” في ريف ادلب، بعد أن فقدت الأمل بالعثور عليهما.
أما مريم (34 عاماً) فلم يحالفها الحظ في إيجاد طفلتها المصابة، فهي لم تعرف الى أين تم اسعافها.
إنها بعض قصص أهالي ناحية عقيربات في ريف حماه الشرقي، خلال رحلة هروبهم من الحصار.
كانت ناحية عقيربات تخضع لسيطرة تنظيم “داعش”، لمدة أكثر من أربعة أعوام. تخضع الناحية لحصار خانق من قبل قوات النظام، مستمر منذ عدة أشهر. ما دفع بالمدنيين إلى الهرب وصولاً إلى إدلب لإنقاذ أرواحهم.
تقول أم أسامة (40 عاماً): “بعد أن تقدم النظام الى ريف السلمية الشرقي، استطاع أن يطبق الحصار على ناحيتنا. وبدأ بحملة قصف مستمر. كنا نخشى دخول الجيش الى الناحية خوفاً من مجزرة بحقنا نحن المدنيين، ولذلك قررنا الخروج”.
تضيف أم أسامة: “لم يكن امامنا سوى ممر وحيد، وهو عبارة عن وادي صحراوي، يسمى وادي العزيب يتواجد النظام على طرفيه. كان على العوائل السير من الحدود السكنية الى الوادي، لا يحملون معهم سوى ثيابهم، لأن أي شيء أخر يعد حملاً ثقيلا في رحلة سيرهم”.
وتتابع أم أسامة: “في الوادي العزيب، كنا ننتظر حتى يحل علينا الظلام، لأن سيرنا في الوادي نهاراً يعني موتنا، فالنظام يترصد الوادي، ينتظر من يمر به، ليستهدفه بالقصف، نتابع مسيراً ليلاً مشياً على الأقدام”. وبحسب أم أسامة، فقد قضى طفلان كانا مع الدفعة التي رافقتها للخروج من الوادي جراء القصف الذي استهدفهم”.
عمار البيك (31 عاماً) اجتاز الرحلة عبر وادي العزيب أيضا ويقول: “بقينا في الوادي لمدة عشرة أيام، لا يوجد لدينا لا طعام و لا ماء. كنا تحت أشعة الشمس الحارقة”.
و يضيف البيك: “من يحالفه الحظ يستطيع النفاد من الوادي، ومن لا يحالفه الحظ، يموت إما مرضاً، أو جوعاَ، أو قصفاً، وقد يموت من التسمم بالماء الغير صالح للشرب” في الليلة التي سبقت خروج عمار البيك من الوادي، استطاع النظام أن يمسك بـ 25 مدنيّاً، من خلال كمين نصبه لهم.لا تنتهي رحلة الموت بالخروج من وادي العزيب. مع الخروج من الوادي تبدأ رحلة موت أخرى و لكنها أقل خطورة. هنا يتعين على المدنيين الخارجين من الوادي أن يصلوا الى مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام.
عن هذه الرحلة يقول حسن القتيل (30 عاماً): ” حين وصلنا الى مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، استقلينا السيارات المدنية التي تطوعت لحملنا، كما كانت سيارات تابعة لهيئة تحرير الشام بالانتظار”.
ويضيف القتيل: “تم نقلنا الى مركز لتجمع النازحين في ريف حماه الشرقي. ومن هناك، ذهب كل منا الى وجهة معينة، ولكن النسبة الغالبة تذهب الى المخيمات على الحدود السورية التركية”.
محمد نجار منسق ميداني لدى الهيئة العالمية للإغاثة “أنصر” يوضح مسألة نقل المدنيين، ويقول: “قامت الهيئة بإطلاق مشروع، إجلاء نازحي عقيربات من حماه الى ادلب، وذلك بالتعاقد مع باصات خاصة تقوم بنقلهم الى أقاربهم أو الى مخيمات الشمال، بعد أن يقوم موظفو المنظمة بأخذ بيانات المدنيين، والوجهة التي سيذهبون إليها”.
وبحسب نجار يبلغ عدد المدنيين الذين قامت “انصر” بنقلهم خمسة آلاف مدني تقريباً، ولا يزال العدد في ازدياد.
ووجه نجار وجه نداءً إلى المنظمات الإنسانية للإلتفات الى أوضاع الخارجين من عقيربات، سواء في أماكن استقرارهم، أو في نقطة تجمعهم في ريف حماه.
أقامت منظمة سيما الطبية نقطة لها قريبة من مركز التجمع. وعن عمل هذه النقطة أبو الفاروق (46 عاماَ): “نحن أقرب نقطة طبية الى مركز تجمع النازحين، لذلك تقوم سيارات المنظمة الطبية بالتواجد في مركز التجمع من أجل نقل الحالات المرضية و الإصابات الى المراكز الطبية القريبة”.
و يلفت أبو الفاروق الى أن المنطقة صحراوية، وبعيدة عن المراكز والمدن الحيوية، ولذلك هناك ضعف في الخدمات، وهذا كان من أكبر التحديات للمنظمة بشكل خاص و لباقي المنظمات بشكل عام.
ولا يزال أهالي عقيربات المدنيين، وخاصة العالقين في وادي العزيب ينتظرون اتفاقاً بين طرفي النزاع يقضي بخروجهم، أو يخاطرون بحياتهم لإنتشال أنفسهم من الموت، عطشا، جوعاً، أو قتلاً.