الهيئات المحلية تواكب حملات مكافحة شلل الأطفال في دير الزور
ياسر العلاوي
(محافظة دير الزور، سوريا) – السيدة سوزان الرمضان من مدينة موحسن في محافظة دير الزور هي أم لطفلين، عبد المعطي (تسعة أشهر) وإيناس (4 سنوات). سنحت الفرصة لسوزان أن تحصل على لقاحات ضد شلل الأطفال لولديها دون أن تضطر إلى الذهاب إلى المركز الصحي الحكومي، الذي تقول إنها لا تثق به، وذلك في إطار حملة التلقيح “لننهي شلل الأطفال” التي نفذتها “وحدة تنسيق الدعم” التابعة للائتلاف الوطني السوري من بين 5 و8 كانون الثاني/ يناير. لكن، في الوقت نفسه، تمنت سوزان أن تكون اللقاحات كاملة ولا تقتصر فقط على لقاح شلل الأطفال.
تم اكتشاف 55 حالة شلل أطفال في محافظة دير الزور من أصل 74 حالة في سوريا حتى تاريخ 6 كانون الثاني/ يناير، بعد أكثر من 15 عاماً على تسجيل آخر وكانت محافظات حلب، إدلب، حماة والرقة بالإضافة إلى دير الزور قد أبلغت عن إصابات بوباء شلل الأطفال.
في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي تم اكتشاف أولى الإصابات بوباء شلل الأطفال في مدينة صبيخان شرق دير الزور. وتوالت التبليغات عن حالات مشابهة ما استدعى تحركاً من المنظمات الإنسانية والصحية الدولية. أرسلت “منظمة الصحة العالمية” و”يونيسيف”، التي تقود حملة تلقيح مكثفة ضد هذا المرض في سوريا وعدد من الدول المجاورة، بالإضافة إلى عدد آخر من المنظمات الإنسانية والصحية. أرسلت هذه المنظمات فرقاً للتحقق من الحالات وقد كانت نتائج الفحوصات إيجابية، بهذا تقرر العمل وعلى عجل لتلافي انتشار الوباء في المناطق المنكوبة والمحرومة من المضادات. وتستهدف الحملة أكثر من مليوني طفل داخل الأراضي السورية إضافة إلى ما يزيد عن 23 مليون طفل عبر منطقة الشرق الأوسط خوفاً من تفشي الوباء.
وتواجه الحملة في سوريا صعوبات أمنية خطيرة أدت مراراً إلى توقفها كما حصل قبل في شهر كانون الثاني/ يناير في محافظة الرقة جراء المواجهات بين الفصائل المسلحة. وهو ما استدعى بيان إدانة من “منظمة الصحة” و”يونيسيف“.
الدكتور عماد المصطفى المشرف العام في محافظة دير الزور على حملة “لننهي شلل الأطفال في سوريا”، يضع اللوم على الحكومة في دمشق في ما يخص استفحال المشكلة، على الرغم من خروج هذه المناطق من سيطرتها، قائلاً إنها لم ترسل لقاحات شلل الأطفال. ويقول المصطفى “بعد اكتشاف أول إصابة قام المجلس المحلي في محافظة دير الزور بمتابعة الحالة. تواصلنا مع عدد من المنظمات الدولية على رأسها منظمة الصحة العالمية… وأرسلنا ثلاث عينات إلى مختبراتها في اسطنبول حيث أكدت النتائج الصادرة عن المختبرات وجود حالات إصابة حقيقية بمرض شلل الأطفال”.
ويتحدث المصطفى عن تدريب 700 فريق أغلبهم من المتطوعين على أيدي أطباء مختصين، حول كيفية حفظ ونقل المواد، بالإضافة إلى كيفية إعطاء جرعات اللقاح، وطريقة التطعيم “من باب إلى باب” من أجل استهداف أكبر عدد ممكن من الأطفال في هذه الحملة.
وفي ما يتعلق بتوفير اللقاحات للحملة بخلاف سياسة المنظمات العالمية المتبعة في هذا المجال والتي تمنع إعطاء اللقاحات الطبية لهيئات صحية غير حكومية، قال الدكتور المصطفى: “هذه السياسات شكلت العقبة الأكبر في الحصول على اللقاحات اللازمة. ولكن بعد الدراسات الميدانية والمراقبة الحثيثة للتدريبات التي تلقاها المتطوعون في الحملة، والتأكد من وجود طرق سليمة لنقل اللقاحات وحفظها عبر سلسلة تبريد مطابقة للمواصفات المطلوبة موجودة داخل المحافظة تمت مناقشة تقديم اللقاحات ثم كانت الموافقة على منح اللقاحات لصالح الحملة”.ورجح أن يكون ما دفع إلى هذا التعاون هو التقصير الذي حصل من قبل المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة في الحكومة السورية، لافتاً إلى أن النسب المقدمة من تغطية الأطفال المستهدفين غير حقيقية، بعد التقارير التي قدمها مراقبون حياديون من المنظمات الدولية تبين أن عدداً كبيراً من الأطفال لم يتلقوا أي لقاح على مدار العام 2012، على حد قوله.
خبير مكافحة الأمراض الوبائية الدكتور محمد نور العضو في “الهيئة العالمية لأطباء عبر القارات” زار محافظة دير الزور لمتابعة العمل وتصويب أخطاء الفرق الجوالة.
ويقول نور: “بعد الحصول على بيانات حقيقية عن عدد الأطفال المستهدفين في حملة التلقيح تم التأكد من جاهزية الفرق المتطوعة وعمليات التدريب التي خضعوا لها، وضعت خطة تفصيلية للعمل تضمنت المتطلبات الواجب الحصول عليها من سلسلة تبريد للقاحات وطرق نقلها، رُفعت هذه الخطة إلى المنظمات الدولية وبناءً عليها حصلنا على اللقاحات المضادة لوباء شلل الأطفال”.
أهم الصعوبات التي واجهت الحملة بحسب نور هي “إحصاء عدد السكان وتقدير عدد الأطفال المستهدفين في عملية التطعيم، كما أن عملية التلقيح عبر الفرق الجوالة تستخدم لأول مرة في سوريا، وهنا كان التخوف الحاصل من عدم تقبل السكان لها، مع اعتبار الأوضاع الإنسانية السيئة التي يعيشها السوريون في هذه المناطق”.
ويشير أحد الأطباء المختصين المرافقين للحملة إلى اكتشاف عدد من الأمراض المنتشرة كالسعال الديكي وغيره. موضحاً أن إدارة الحملة تعمل جاهدة للحصول على اللقاحات العامة المضادة لهذه الأوبئة، وقد تلقت إدارة الحملة وعوداً من عدد من المنظمات الدولية بمتابعة الأمر وتقديم المساعدة في تأمين اللقاحات اللازمة من أجل القضاء على هذه الأمراض .
يوضح نور أن من ضمن التحديات التي واجهت الحملة، صعوبة الاتصال بين الفرق المتواجدة في المناطق البعيدة، والظروف الأمنية المعقدة، بالإضافة للأحوال الجوية. ولكن الإصرار على إنهاء المهمة كان من أولويات المتطوعين في هذه الحملة، وأيضاً عدم تعاون المراكز الصحية مع الفرق الجوالة أدى إلى تأخير في عمليات التلقيح.
وقد تم منع الفرق الجوالة التابعة لحملة “لننهي شلل الأطفال في سوريا” من الدخول إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، ما أدى إلى عدم التأكد من استهداف كل الأطفال القاطنين فيها.
ويطمئن الدكتور نور إلى أن اللقاحات قد خضعت لرقابة وتحليل من قبل “منظمة الصحة العالمية” مؤكدةً صلاحيتها التامة فيما أوكلت مهمة التأكد من اللقاحات التي تقدمها وزارة الصحة إلى الرقابة الداخلية في الوزارة”.