الهروب من الجحيم
"بعد ساعات طوال من السفر، رأيت أضواء المدينة تتلألأ من بعيد، معلنةً عن نفسها هنا دمشق. لم أصدق أننا خرجنا من هذا الجحيم إلى الجنة. كانت الشوارع تعيش صخب الحياة. "
وأخيراً تنفسنا الصعداء بعد وصولنا إلى بيت اقارب زوجي. ساعات طويلة مرّت علينا ونحن بانتظار أن تفتح الطريق وأن يهدأ القصف على منطقتنا في دير الزور.
طفلي الصغير، رضيعي (10 أيام) كنت أضمّه بقوة. وزوجي كان يحمل ولدي الكبير الذي لم يتجاوز السنتين.ونحن نعبر حواجز النظام كنت كنت اتساءل في نفسي، هل سنقع ضحية وحشية النظام؟
بدأت أقرأ ما تيسر لي من آيات من القران الكريم. وأدعو الله ان يحفظنا لكي نصل إلى بر الأمان.
كان زوجي يقول لي: سننجو لا تقلقي. كنا كمن يدور في حلقة مفرغة أو متاهة. كنا كلما دخلنا في شارع أو زقاق نجد فوهات مدافع الدبابات مصوبة نحونا. ونسمعهم يصرخون علينا بالوقوف للتفتيش. عشنا يوماً عصيباً. كنت خائفة جداً.
كانت المسافة بين الحي الذي خرجنا منه والمنطقة التي نروم الوصول إليها في الأحوال العادية سيراً على الأقدام تستغرق بحدود العشرين دقيقة. أما في ذلك اليوم العصيب استغرق الطريق للوصول حوالي الساعة والنصف. لايمكن أن أنسى أبداً ذاك النهار.
ها قد وصلنا إلى بيت خال زوجي. ولله الحمد لم أكن أصدق ما جرى لنا. الدموع تنساب فرحاً بوصولنا بالسلامة.
بعد أن تناولنا الطعام اتفق الجميع على السفر خارج المدينة، والذهاب إلى دمشق. كنا ننتظر بفارغ الصبر لكي يهدأ الوضع، لكي نستطيع الخروج من هذا الكابوس المزعج. والخروج من هذا النفق المظلم.
في الصباح الباكر حاول زوجي أكثر من مرة الاتصال بمكتب النقليات، ولكن من دون جدوى. كانت الاتصالات مقطوعة. ازداد قلقي وخوفي مع سماع أصوات المدافع وأزيز الطائرات.
في اليوم التالي، وفي الصباح الباكر علمنا بأن محطة النقليات (الكراج) قد اعيد افتتاحها. فرحنا كثيراَ وخرج زوجي على عجل برفقة ابن خاله، للتأكد من الموضوع. وفعلاً عاد زوجي إلينا بعد معاناة. أخبرنا أن السفر بعد ساعة وأنه تدبر سيارة أجرة للخروج من البيت.
خرجنا على عجل خوفاً من أن تسوء الأمور. سلكنا دروباً ضيقة من زقاق إلى آخر تحت لهيب شمس يوليو/تموز الحارقة. تمكّنا بحمد الله من الوصول إلى الكراج. وعلى الفور ذهب زوجي إلى مكتب الحجز، وتمكن من العثور على باص متجه إلى دمشق.
لم أكن أعي أننا سنخرج من هذا الجحيم، كنت خائفة من أن يحصل ما يبعثر أحلامي الصغيرة. كان حلمي الوصول فقط إلى برّ الأمان كان حلمي أن نجد مأوى يجمعنا ويقينا من أمطار الشر التي كانت تنهمر على رؤوسنا.
تسارعت دقات قلبي وخفت كثيراً عندما عادت مجدداً أصوات الانفجارات التي هزت المدينة. ألححت على زوجي أن يسأل متى السفر. كنت خائفة أن يتم إلغاء الرحلة. قال السائق على عجل: الآن الانطلاق.
وأدار محرك الباص، معلناً بداية النهاية لهذا الفصل المأساوي.
في الطريق وبعد خروجنا من صخب المدينة الممتلئ بدخان الآليات الحربية ودخان الانفجارات، رأيت ارتالاً عسكرية متجهة إلى المدينة.
بعد ساعات طوال من السفر، رأيت أضواء المدينة تتلألأ من بعيد، معلنةً عن نفسها هنا دمشق. لم أصدق أننا خرجنا من هذا الجحيم إلى الجنة. كانت الشوارع تعيش صخب الحياة.
ذهب زوجي للبحث عن شقة للأيجار، وفعلا وجد شقة مؤثثة كان إيجارها مرتفعاً. ولكن في هذا الوقت لم يكن لدينا من خيار، كنا متعبين جداً. مكثنا في تلك الشقة عدة أيام كانت مدخراتنا تكاد أن تنفذ. كنا نتحيّن فرصة الرجوع إلى بيتنا بعد أن يهدا الوضع …
فرحنا كثيراً بعد أن علمنا أن الأمور قد هدأت بشكل كبير، وان الكثير من النازحين قد عادوا إلى ديارهم. وأن الحياة بدأت تدب في مدينتنا دير الزور. حزمنا أمتعتنا وخرجنا من دمشق وكلنا امل أن هذا الفصل المأساوي قد طوي الى الابد.
أم حمزة (35 عاماً) من دير الزور، حاصلة على شهادة الثانوية العامة، وكانت تعمل مُحاسبة في شركة حوالات. متزوّجة ولديها اليوم ثلاثة أطفال وتسكنُ في محافظة جوروم في تركيا.