الناشطون السوريون مختلفون حول مستقبل العلاقة مع إسرائيل

يحتدم النقاش في جلسة بأحد مقاهي دمشق بين الناشطين المعارضين مصطفى (33 عاماً) وإلياس (29 عاماً) حول مستقبل العلاقات بين سوريا وإسرائيل ويصل إلى طريق مسدود؛ بينما يعتقد مصطفى أنّ على أي نظام مستقبلي يحكم دمشق أن يقيم سلاماً مع تل أبيب ويتفرغ لمعالجة المشاكل الداخلية، يرى إلياس أن الصراع بين البلدين هو صراع “وجودي” لا مجال فيه للاعتراف المتبادل وإقامة علاقات طبيعية بينهما.

أهالي الجولان ينادون أقرباءهم في الهضبة المحتلة - يوتيوب
أهالي الجولان ينادون أقرباءهم في الهضبة المحتلة – يوتيوب

قد تكون العلاقات السورية-الإسرائيلية واحدة من أكثر المسائل تعقيداً التي سيكون على السوريين التعامل معها في حال سقوط النظام الحالي، فالمسألة من ضمن خطوط حمر كثيرة يمنع على السوريين الاقتراب منها، إذ يحظر النظام على الرأي العام مجرد النقاش في عدائه المعلن من تل أبيب، بل عمل على استثمار المزاج الشعبي العام المعادي لإسرائيل لكسب نوع من شرعية شعبية في ظل غياب انتخابات حقيقية.

للحصول على فكرة عن انقسام المعارضين السياسيين حول هذا الملف، استطلع موقع “دماسكوس بيورو” آراء  عشرين ناشطاً سورياً معارضاً من انتماءات دينية وعرقية متنوعة حول نظرتهم للعلاقة السورية الإسرائيلية بعد سقوط النظام الحالي. هذا الاستبيان الذي نفذناه عبر البريد الالكتروني لا يعد علمياً ولا يعتمد على شريحة تمثيلية دقيقة عن ناشطي المعارضة، إلا أنه يقدم لمحة عن تنوع الآراء في هذه المسألة.

أجاب اثنا عشر من الناشطين، الذين يعيش نحو نصفهم في الخارج حالياً، أنهم يؤيدون سلاماً بين دمشق وتل أبيب. ثمانية منهم اشترطوا أن يأتي هذا السلام بعد عودة مرتفعات الجولان للسيادة السورية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، فيما اشترط ثلاثة عودة المرتفعات المحتلة للسيادة السورية بغض النظر عما يجري على المسار الفلسطيني، وقال واحد فقط إنه يؤيد السلام حتى مع بقاء الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية.

من جهة أخرى، قال ثمانية من الناشطين العشرين إنهم يعارضون إقامة سلام بين البلدين؛ نصف هذا الرقم مع الإبقاء على هدنة مفتوحة بين الجانبين تتزامن مع بقاء الجبهة باردة، والنصف الآخر مع تسخين الجبهة وصولاً إلى الحرب.

تشكل مرتفعات الجولان السورية أساس الخلاف السوري-الإسرائيلي. وتحتل هذه المرتفعات منذ حرب حزيران/ـيونيو العام 1967 وضمتها إدارياً العام 1981 في خطوة لم تلاقِ اعترافاً دولياً، علماً أن قراري مجلس الأمن رقم 242 و338 يدعوانها للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة ومنها الجولان السوري. ووقعت سوريا وإسرائيل اتفاقية لفك الاشتباك في أيار/مايو العام 1974 في جنيف، برعاية الأمم المتحدة والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية.

“الصراع قائم وسوف يستمر وأشكال المقاومة فيه لاحصر لها، تبدأ من الثقافة التي لم تقرَّ، ولن تقرَّ، بهذا الواقع أبداً وتمر بالتغيرات الديمغرافية لصالح الفلسطينيين، وتنتهي بتفوق علمي وتقني وعسكري تالياً، يمكن أن يظهر في يوم ما،” يقول الروائي والكاتب السوري المعارض عبد الناصر العايد. يضيف العايد أن “الربيع العربي ربما يكون مقدمة لموجة نهوض عربي تأخذ الكيان الاسرائيلي في طريقها.”

من جانبه يرى الأسير السوري السابق في السجون الإسرائيلية محمود محمود والمعارض للنظام السوري أن الحديث عن السلام مع “العدو” الإسرائيلي ممكن بعد “عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى أرض فلسطين التاريخية وإعادة جميع الأراضي المسلوبة (في فلسطين) وهدم جدار الفصل العنصري.”

يعتقد محمود، الذي قضى خمسة أشهر في السجون الإسرائيلية العام 2011، ضرورة أن تحل دولة جديدة محل إسرائيل؛ دولة يعيش فيها اليهود والعرب وسائر الإثنيات والديانات التي كانت موجودة على أرض فلسطين بدون أي تمييز.

التيارات الرئيسية في المعارضة لم تتصد حتى الآن لموضوع العلاقات المستقبلية مع إسرائيل بشكل واضح.

جماعة “الإخوان المسلمون”، على سبيل المثال، وهي إحدى أبرز تيارات المعارضة السورية، تجنبت حتى الآن تقديم أي تصور ملموس لحل مشكلة الجولان. ففي أكثر من إطلالة إعلامية، امتنع المراقب العام في الحركة رياض الشقفة عن التصريح بشكل واضح حول هذا الموضوع، مكتفياً بإجابات غامضة.

قد يكون التصريح الأوضح حتى الآن هو ذاك الذي أدلى به برهان غليون عندما كان يشغل منصب رئيس “المجلس الوطني السوري”. ففي لقاء مع صحيفة “وول ستريت جورنال” في كانون الأول/ديسمبر العام 2011، قال غليون إن المعارضة إذا وصلت إلى السلطة في سوريا ستكون ملتزمة باستعادة مرتفعات الجولان ولكنها ستسعى لاستعادتها عبر التفاوض وليس عبر الصراع المسلح.

وكانت آخر محادثات سلام مباشرة بين سوريا وإسرائيل جرت برعاية واشنطن العام 2000 دون التوصل إلى أي نتيجة، فيما رعت تركيا محادثات غير مباشرة العام 2008 ما لبثت ان توقفت بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة نهاية العام نفسه.

وفي تطور ملفت، تدخلت إسرائيل بشكل مباشر في الأحداث في سوريا للمرة الأولى منذ بدايتها عندما قصفت هدفاً عسكرياً بالقرب من الحدود مع لبنان يوم الأربعاء الفائت. إلا أن جبهة الجولان لا تزال باردة وقد بقي الحديث عن مستقبل هذه الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل مؤجلاً.

على المدى البعيد، قد تكون إحدى التغيّرات التي ستحكم مستقبل الجولان وتضطر إسرائيل للتعامل معها هي ولادة جو من الحرية في سوريا، تسمح بإنهاء سيطرة حزب “البعث” على ملف الصراع السوري- الإسرائيلي. في العام 2006، قبل خمس سنوات من اندلاع الاحتجاجات التي تطالب بإسقاط النظام، ذكر الكاتب السوري المعارض ياسين الحاج صالح في كتابه “السير على قدم واحدة” أن “الديمقراطية في سوريا أو عقلنة الحياة السياسية فيها هي أكبر جهد يبذل من أجل استعادة الجولان.”