النازحون في القامشلي: أمان ونقص في المساعدات

بختيار حسن

أصبحت مدينة القامشلي قبلة للكثير من النازحين السوريين من كل المحافظات لما تتمتع به من أمان نسبي. فهي من المناطق القليلة في سوريا التي لا يزال الناس يتجولون فيها لوقت متأخر من الليل. ما زالت مؤسسات النظام الأمنية والجيش متواجدة في المدينة ولكن سلطتها محدودة. فـ”حركة المجتمع الديموقراطي” الكردية أصبحت الطرف السياسي الأقوى في القامشلي حالياً أنشئت في المدينة “وحدات الحماية الشعبية” التي تضم متطوعين أكراد وظيفتهم عدم السماح للجيشين السوري الحر والنظامي بدخول الأحياء الكردية في المدينة. تحاول “وحدات الحماية الشعبية” بتوجيه من حركة المجتمع الديموقراطي أن لا تدخل في مواجهة مع النظام و”الجيش الحر” على حد سواء، لتجنيب المدينة وسكانها ضربات جوية ومعارك.

الصورة نازحون يستلمون معونات من "جمعية البر والخدمات الاجتماعية"
نازحون يستلمون معونات من  جمعية البر والخدمات الاجتماعية

وتختلف أعداد النازحين في المدينة بحسب المصادر في ظل غياب إحصاء دقيق. يقول رئيس “جمعية البر والخدمات الاجتماعية” في القامشلي إبراهيم الخالدي إن عدد النازحين في الحسكة والقامشلي بلغ أكثر من12000 ألف عائلة بحسب الاحصائيات المشتركة التي أجرتها الجمعية بالتعاون مع الهلال الأحمر السوري. ويوضح الخالدي أن ليس كل النازحين يسجلون أسماءهم في سجلات الهلال الأحمر وفي سجلات الجمعية ومن المؤكد أن أعداد النازحين أكثر من ذلك، حسب تقديره.

أما همبر حسين وليلى محمد عضوا اللجنة الخدمية في الهيئة الكردية العليا فيقدران عدد النازحين في القامشلي ما بين 115 ألف و130 ألف نازح. وتستند هذه الأرقام إلى مسح شامل تقوم به الهيئة حالياً للنازحين بالتعاون مع “دور الشعب” في الأحياء الكردية من المدينة.

ويتوزع النازحون على الأحياء الكردية والعربية والمسيحية. وتؤكد المنظمات الإغاثية الناشطة في القامشلي مثل جمعية البر والهلال الأحمر السوري والهلال الأحمر الكردي والكنائس والهيئة الكردية العليا بأن مساعداتها تطال جميع النازحين في المدينة بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والدينية.

بعض النازحين يأتون من مدن وقرى قريبة من القامشلي مثل رأس العين وتل تمر وتل حميس وتل براك. وقد بلغ عدد العوائل المسيحية النازحة من مدينة رأس العين حوالي أربعين عائلة، بحسب ما قاله راعي كنيسة الكلدان في القامشلي  الأب سمير كانون،  هؤلاء فروا من معارك نشبت بين “وحدات الحماية الشعبية” من جهة وجبهة النصرة وغرباء الشام من جهة أخرى. كما نزح ثلثا سكان تل تمر، بحسبالأب كانون، بسبب مواجهات مسلحة بين “وحدات الحماية الشعبية” من جهة ومسلحين من قبيلة الشرابية العربية المتحالفة مع جبهة النصرة من جهة أخرى. وغالبية هؤلاء النازحين عرب وآشوريين.

ولكن القسم الأكبر من النازحين يأتي من محافظات سورية أخرى كحلب وإدلب وحمص ودرعا ودمشق ودير الزور. أحد هؤلاء هو شادي الذي قدم من حلب منذ تسعة أشهر مع عائلته المكونة من تسعة أفراد. تقيم العائلة في مدرسة عبد الوهاب مقصود المخصصة للنازحين في الحي الغربي من القامشلي. ويقول شادي: “رغم المساعدات التي تقدم لنا إلا أن وضعنا ما زال سيئاً. أكثر شيء نحتاج إليه هو العمل لكي نستطيع تأمين مستلزمات الحياة مثل الثياب والأدوات المنزلية والوقود. ولكن القامشلي منطقة فقيرة وضعيفة اقتصادياً ولا يوجد فيها فرص عمل كما في حلب ودمشق سابقاً”. ويضيف شادي أنه يضطر أحياناً إلى بيع حصصه الغذائية التي تتكون من العدس والزيت والمعلبات والشاي والسكر التي يحصل عليها من المنظمات الإغاثية لكي يوفر ثمن الخبز.

هدى علي أم لستة أطفال نزحت مع زوجها من حي صلاح الدين في حلب. ولدت ابنتها الصغرى في مدرسة عبد الوهاب مقصود التي يقيمون فيها منذ عدة أشهر وتمكنت من الذهاب إلى المستشفى بمساعدة جمعية كردية، لكنها الآن تعاني من نقص في حليب الأطفال: “حليبي لا يُشبع طفلتي وفي ما مضى كنت اتلقى الحليب من جمعية كنسية ومن الهلال الأحمر الكردي لكن هذه المساعدات توقفت الآن”. وتضيف قائلة إن كلّ أطفالها يعانون من نقص التغذية. فغذاؤهم في أغلب الأحيان يتألف من الحلاوة والزيت والزعتر فقط، حسب قول الأم: “أمضينا الشتاء بلا تدفئة وكان زوجي يجوب الشوارع ليجمع الألبسة القديمة وكل ما يصلح للإشعال لأتمكّن من طهي بعض الطعام”. ويضيف الزوج منير قائلاً : “الكهرباء في المدرسة التي نعيش فيها مقطوعة في أغلب الأحيان ولا يوجد لدينا غاز. فماذا نفعل بالمعونة الغذائية إذن؟ أكثر طعامنا أشحذه من الناس. وعائلتي لم تذق الفواكه منذ سنتين”.

قلة المساعدات التي تستلمها المنظمات الإغاثية هي السبب في النقص الذي يعاني منه النازحون. إبراهيم الخالدي من جمعية البر والخدمات الاجتماعية يقول إن الجمعية تستلم شهرياً 5000 سلة غذائية من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بينما هناك أكثر من 6000 عائلة مسجلة لديه ولدى الهلال الأحمر السوري 2000 عائلة أخرى.

وهناك مخاوف من الجانب الكردي في القامشليمن أن تسبب حركة النزوح القوية إلى المدينة في تغيّر ديموغرافي لصالح السوريين العرب. فبينما تشهد القامشلي تدفق نازحين عرب إليها، يلجأ في الوقت نفسه أكراد من منطقة القامشلي وقراها إلى شمال العراق وتركيا من أجل الحصول على فرص عمل، حسب ليلى محمد من الهيئة الكردية العليا. رشا عبد القادر الصكر التي نزحت مع زوجها من دير الزور إلى القامشلي لم تلاحظ أي توتر بين العرب النازحين والأكراد في المدينة: “الأخوة الأكراد شعب طيب ومُتسامح وقد ساعدونا أكثر من أهلنا وأقربائنا الذين يعيشون هنا وأكثر أثاث بيتي قدمته لنا عائلة كردية”.

أما جنان فارس التي نزحت من حلب مع زوجها وعائلتها منذ سنة ونصف فتخوض تجربة أخرى وتقول إن علاقتها مع الجيران ليست على ما يرام: “الجيران يخافون مني ويتجنبون الاختلاط معي”.