المميزون دار لرعاية الأيتام في وسط الحرب

تقيم الدار نشاطات ترفيهية للأطفال في مناسبات مختلفة صورة خاصة

تقيم الدار نشاطات ترفيهية للأطفال في مناسبات مختلفة صورة خاصة

"ماتتْ أمي وهُدِمَ بيتُنا، وأبي متزوّج من إمرأة أخرى ويسكنُ معها. إلى أين سأذهب الآن وقد راحت أُمّي وراحَ المنزل؟"

مها الأحمد

ماتتْ أمي وهُدِمَ بيتُنا، وأبي متزوّج من إمرأة أخرى ويسكنُ معها. إلى أين سأذهب الآن وقد راحت أُمّي وراحَ المنزل؟!” يقول علاء إبن العشرة أعوام وهو يئنُّ على سرير المستشفى بفعل إصابته بجروح بعدما استهدفَ الطيران الحربي منزله… والغارة كانت قد خطفت أمهُ منهُ، يقول وهو يغصُّ بالبكاء: “لقد رأيتُها بعيني مَيّتة”.

أصبحَ علاء يتيماً، كحال الكثير من أطفال سوريا الذين يفقدون الأُم أو الأب أو الإثنين معاً، ويصبحونَ أيتاماً في وحشة الحرب القاسية.

قريباً من المستشفى التي يقبعُ فيها علاء، يقع دار المميزون لرعاية الأيتام في كفرنبل. يستقبل الدار الأطفال الأيتام الذين فقدوا والديهم أو أحدهما، ولم يعد لهم أي معيل. أو أنَّ الأُم قد تزوجت بعد موت الأب أو في حال تخلّي الأب عن الأبناء بسبب زواجه. أو حتى فقدان الوالدين والسكن مع الأقارب الذين لا يعود لبعضهم المقدرة على إعالة الأطفال فيلجأون إلى دور الأيتام.

مدير دار المميزون حكمت (30 عاماً) يقول: “دار المميّزون يُقسَّم إلى قسمين: قسمُ الأطفال الذين يعتاشون من كفالاتٍ خارجية. وقسمٌ تتبنّى رعايتهم إدارة الدار نفسها. والكفالات الخارجية تغطي 250 طفلاً، تتم عبر كفالة أحد الأشخاص من داخل سوريا أو خارجها. سواء لأيتام يقبعون داخل الميتم أو لأطفال يعيشون مع أحد الوالدين في حالة وفاة الآخر أو يعيشون برفقة الأقارب، فيحضرون إلى الدار كلَّ شهر للحصول على الكفالة”.

يُضيف حكمت (30 عاماً): “لقد حضرَ إلى الدار 42 طفلاً من حلب الشرقية وحدها، وكل طفل من هؤلاء الأطفال يحمل قصة ألم مختلفة، يشتركون جميعاً بالحرمان… قصص تُدمي القلب منها تهدُّم البيت بأكمله وموت جميع أفراد العائلة وبقاء طفل واحد على قيد الحياة”!

أُنشئ دار المميزون أثناء الحرب في ظل الحاجة المتزايدة لهُ، وقد بدأ بمبادرة شخصية من حكمت واثنين من رفاقه. استقبل الدار بداية عدداً قليلاً من الأطفال. ثمَّ توسعت دائرة عملهم، واستأجر حكمت مع الأصدقاء قبواً كبيراً يستوعب أعداد الأطفال المتزايدة. ثمًّ قامت مؤسسة أفكار بتبنّي الدار ليستوعب في داخله 50 طفلاً. مع الإشارة إلى أنَّ بعض الأطفال غير دائمين في الدار، فيأتي أحد الوالدين أو الأقارب لاصطحابهم ثانيةً، وكل ذلك بحسب ظروف كل طفل، وبحسب مجريات الأحداث الأمنية والنزوح من منطقة إلى أُخرى.

ويوضح أنَّ فترة استقبال الأطفال وبقائهم في الميتم غير محددة ولا تخضع لقوانين معينة. فالذكور يمكثون في الدار إلى أن يصبحوا في عمر يسمح لهم بالإعتماد على أنفسهم. بينما الإناث لا يسمح لهن الخروج إلا في حالة الزواج وبعلم الأقارب… كحالة فاطمة (16 عاماً) التي خرجت من الدار إلى منزل زوجها فوراً بعد أن تقدَّمَ شاب لخطبتها من أقربائها، فخرجت بضمانة منهم. ويؤكّد حكمت أنَّ تصوير الدار أو الأطفال ممنوع إلا بموافقة أفكار المؤسسه الداعمة للدار.

ويختتم حكمت حديثه لحكايات سوريا بالقول: “نحنُ مسرورون جداً بعملنا الإنساني هذا، على أمل ألا يتيتَّم المزيد من الأطفال وتنتهي الحرب ونكتفي ببلسمة جراح الأطفال الأيتام الحاليين”.

أسمر (28 عاماً) المشرف العام على عمل دار المميزون يتحدّث عن الخدمات التي يقدّمها الدار للأطفال الذين يعيشون في الدار بالقول: “يوجد في الدار مرشدة نفسية وخمس مربيات يتولّين مهمة الإعتناء بالأطفال، كما يقدِّم الدار عدة نشاطات منها تعليمية ومنها نشاطات المسرح والتسلية والألعاب”. ويضيف أسمر: “يرفض الدار عروض التبنّي التي يقدّمها بعض الأشخاص من كفرنبل الذين حُرموا من الإنجاب”.

بدوره سمير (42 عاماً) مسؤول في المجلس المحلي في مدينة إدلب يقول لحكايات سوريا أنهُ لا يوجد إحصائيات دقيقة عن عدد الأيتام في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، إلا أنَّ الأكيد أنَّهم “للأسف بازدياد مستمر”، ما يعني ازدياد الحاجة لمراكز الأيتام ومنها ما تمَّ إنشاؤه خلال سنوات الحرب بالإضافة إلى مراكز كفالة الأيتام كجمعية شهيد إدلب وجمعية الهدى وجمعية الوفاء.

ماجده (43 عاماً) أخذت على عاتقها القيام بدورَي الأب والأم بعدما توفيَ زوجها. تتحدّث ماجدة بحرقة عن ابنتها جود (5 أعوام): “جود الصغيرة، لم تتأقلم بعد مع وضع فقدان والدها وتطالب به دوماً وقد مضى على وفاته سنة… هذا الوضع يؤلمني كلَّ يوم مع أنَّ مسؤوليتي مع أبنائي في كيفية تربيتهم والعناية بهم، فالمال ليس كل شيء لناحية الكفالات وما يفقده الطفل اليتيم لا يُعوَّض كاملاً”.

تيماء (5 أعوام) وجدها حارس دار المميزون عند الخامسة فجراً عند باب الدار، لا تستطيع الكلام أو المشي… بقيت تيماء مجهولة الأهل، ويقول حكمت “سنصطحبها معنا للعلاج في تركيا” ليبقى مصير الأطفال الذين يقطنون في الدار مجهولاً، وهل سينتقلون إلى تركيا فيتغير مكان تنشئتهم أيضاً باعتبار أنَّ الدار سينتقل إلى أعزاز؟

قبيل نشر هذه القصة علمنا أن دار المميزون انتقلت أخيراً إلى مدينة الى جرابلس لأنها اكثر امناً بحسب ما أوضح حكمت ولم يعد للدار حالياً أي مكتب في كفرنبل بعدما نقل الى اورم الجوز.