المكتب الإغاثي الموحد في الغوطة الشرقية، حلول لا تكفي

يخلو واقع الغوطة الشرقية اليوم من إمكانيات العيش الملائمة، إذ لا عمل للتكسب منه ويعتمد معظم السكان على ما تقدمه الجهات الإغاثية من مساعدات. منذ اندلاع المعارك في الغوطة بداية العام 2012، فقد أغلب الأهالي أعمالهم نتيجة القصف والاجتياحات التي لم تخلُ من نهب وسلب.

المكتب الإغاثي الموحد في الغوطة الشرقية
سلال غذائية معدة للتوزيع في بلدة حمورية – فيس بوك

هذا الواقع المأساوي دفع العديد من الناشطين لتشكيل جمعيات إغاثية لسد الحاجات المتزايدة ، ومع ازدياد حجم العمل برزت كثير من المشكلات والخلافات بين العاملين، وبين جهات الإغاثة المتعددة، لاختلاف الرؤى والتنافس السائد بين الأفراد ومجموعات العمل. تم التعامل مع هذا الأمر بانشاء تكتلات لمكاتب العمل الإغاثي، نجح بعضها وفشل آخر، حتى الوصول إلى صيغة سميت: “المكتب الإغاثي الموحد”.

تم إنشاء “المكتب الإغاثي الموحد في الغوطة الشرقية” بداية العام 2012، ويضم 59 مكتباً فرعياً مقسمة حسب أربع قطاعات إدارية: الأوسط، المرج، الجنوبي، الشمالي.

أحمد (28 عاماً) مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في المكتب يقول “استطعنا صنع وحدة حقيقية برغم كل التجاذبات، بدأ الأمر مجرد تبادل وجهات نظر وخبرات ثم تطور أكثر لتطرح مسألة التوحد، فالغوطة تبقى جسماً واحداً “. ويعتقد أحمد أن السبب الذي دفعه وزملائه إلى التوحد هو بشكل أساسي حالة النزوح الداخلية، واختلاط سكان المناطق الوسطى بالنازحين من أطراف الغوطة، ما جعل التقسيمات الإدارية السابقة للبلدات غير واقعية، بالإضافة إلى الحاجة إلى مخاطبة الجهات المعارضة الرسمية والداعمة بشكل أكثر قوة.

سهل هذا التوحد بعض تفاصيل العمل الإغاثي في المنطقة. عبر فريق متخصص بالإحصاء والتوثيق تم إنجاز بنك معلومات إسمية للضحايا والمعتقلين والمعاقين والجرحى في الغوطة الشرقية. وحسب المسؤول الإعلامي فإن المكتب يغطي 85 في المئة من الحاجات الإغاثية الغذائية لسكان المنطقة، الذين يبلغ تعدادهم ما يقارب 2 مليون و196 ألف نسمة حسب إحصاءات قسم التوثيق الأخيرة.

لكن عماد، (26 عاماً) من مدينة عين ترما، فقد عمله وبيته منذ عام، ذكر أن المكتب الموحد لم يوزع شيئاً في المنطقة نهائياً، وأن أهل المدينة يعتمدون على إعانات مجلسها المحلي، وعلى بعض المساعدات من الناشطين المستقلين.
في حين رد “المكتب الفرعي للموحد” في مدينة عين ترما بأنهم يقومون بمهامهم فيها حسب قدراتهم، فالموارد شحيحة للغاية، والحاجة كبيرة جداً.

الناشطة ورد (30 عاماً) التي تعمل بشكل تطوعي في “مكتب حرستا الإغاثي” والتابع للمكتب الموحد، تشكو من نقص المواد الإغاثية، وتعتبر أن ما يقدمه المكتب الموحد لا يفي إلا بجزء يسير من حاجات نازحي مدينة حرستا والموجودين في بلدة مسرابا القريبة. تقول ورد “أسعى دائماً لتأمين مصادر تمويل أخرى للإغاثة عبر معارفي، ومع هذا لا يمكننا إرضاء الكثيرين، تظاهر البعض أمام مكتبنا واتهمونا بمنع الإغاثة عن الناس”. ورغم عدم توثيق تلك التظاهرة، إلا أن مزاجاً عاماً يلقي باللوم على المكاتب الإغاثية. يسود هذا التوجه بشدة في عموم بلدات الغوطة بسبب الحصار المفروض من قبل النظام السوري على الريف الشرقي لدمشق.
من جهته يرى يوسف (25 عاماً) الذي يعمل مصوراً مستقلاً، أن “المكتب الموحد” يعمل كل جهده لتخفيف المعاناة عن الناس، إلا أنه من المستحيل أن يفي باحتياجات الغوطة كاملة.

محمد (30 عاماً)، طبيب أسنان يسكن مدينة سقبا، يشير إلى أن “المكتب الموحد” لم يوزع شيئاً في المدينة منذ أكثر من أربعة أشهر، ما دفع عدداً من السكان لمهاجمة مستودعه في المدينة، ليجدوا حليب أطفال وحفاضات، محفوظة دون أن يتم توزيعها.
وذكر أحمد مسؤول العلاقات في “المكتب الموحد”، أن الحليب الموجود في الغوطة منذ بدء الحصار هو الحليب الصناعي، الذي لا يناسب الأطفال، وأن مستودعاتهم ومستودعات “جمعية العدالة”، بالإضافة لعدد من الهيئات الشرعية، هوجمت بسبب “مآرب سياسية من أشخاص مدفوعين من النظام”، وأن مستودعاتهم خالية منذ بداية العام الحالي.

القسم التنموي في المكتب قام بزرع الذرة وتم حصدها وتوزيعها على الناس لكن بكميات قليلة، حسب المصدر الإعلامي، والمكتب الآن بصدد تنفيذ مشروع زراعة القمح، وهو مشروع إستراتيجي لكل بلدات الغوطة، ويتم التواصل مع منظمات دولية وجهات داعمة للبدء بالمشروع، كما ينتظرالمكتب تمويلاً للبدء بتنفيذ مشروع تدوير القمامة لسماد عضوي للأراضي الزراعية.

ويتلقى المكتب دعماً من جهات مختلفة، كالائتلاف الوطني السوري كجهة سياسية، أو من منظمات غير حكومية متعددة وأشخاص متبرعين، ويحرص المكتب على نشر نشاطاته ومشاريعه ومصادر تمويلها على صفحته على “فيس بوك”. . وهذا يدخل ضمن مهمات أحمد وفريق عمله، الذين يحاولون حالياً التوجه للرأي العام العالمي، عبر ترجمة تقاريرهم لعدة لغات اجنبية، ومخاطبة الجهات الدولية بمطالبات للضغط على النظام السوري لفتح ممرات إنسانية للغذاء والدواء.

تنظيمياً يتكون المكتب الإغاثي لكل قطاع من القطاعات الأربعة، من مجلس إدارة ومكتب تنفيذي متخصص، يشرف على العمل والمشاريع. والمكتب الموحد أو مجلس الإدارة يتكون من عضوين من كل قطاع، يتم اختيارهم من مكاتبهم بالانتخاب، بالاضافة لرئيس المكتب. أما بالنسبة للمهمات فيقوم بها موظفون يتم اختيارهم حسب الكفاءة، بعد الإعلان عن الأعمال الشاغرة، على “فيس بوك” وفي ساحات المدن.

يقوم بالجزء الأكبر من عمل المكاتب الإغاثية متطوعون من أهالي البلدات، كالناشطة ورد التي بدأت تعمل في الإغاثة مع المهجرين من حمص في بلدتي حرستا ودوما منذ أكثر من عامين، ثم تفرغت للعمل من أجل أهالي الغوطة بعد خروج النظام منها. تعاني ورد من ضغط العمل الكبير دون أي مردود، يدفعها لذلك حسب قولها عدم قدرتها على الانسحاب من مسؤوليتها أمام مشكلات مجتمعها، “بإمكانك القول أني غبية، أنا والكثير من العاملين في هذا المجال، فلا شكر لنا ولا مال، ونعمل متسوّلين من أجل غيرنا”.

تذكر ورد أن المنظمات لم تعد ترغب بتقديم الدعم للإغاثة وإنما تفضل مشاريع التشغيل، كي لا يتحول الأهالي لاتكاليين، لكن فكرة القيام بعمل ما صعبة جداً ضمن ظروف الحصار، في الوقت نفسه يعاني الأهالي من حاجة ماسة لا تفي بمتطلباتها ما يقدمه “المكتب الإغاثي الموحد”، وجميع الجمعيات الأهلية الفاعلة في المنطقة، ما يجعل الجوع ألماً يومياً يعيشه سكان الغوطة المحاصرة.