المكتب الإعلامي في كفرنبل يتابع عمله رغم محاولة اغتيال رئيسه

هزاع عدنان الهزاع

(كفرنبل، سوريا) – نجا بأعجوبة المدافع عن حقوق الإنسان، رئيس المكتب الإعلامي في كفرنبل، رائد الفارس، من محاولة اغتياله ليلاً، من قبل شخصين ملثمين مجهولين، قاما بإطلاق النار عليه من على مسافة لا تتجاوز الثمانية أمتار، بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2014، وذلك بالقرب من منزله أثناء عودته من مكتبه الإعلامي.

أطباء مشفى “دار الحكمة” في مدينة كفرنبل الواقعة شمال غربي سوريا، والتي يزيد سكانها على الثلاثين ألفاً، تمكنوا من إيقاف النزيف الذي تعرض له، وأخرجوا رصاصتين من جسده، مستهلكين خلال ذلك أربع ليترات من الدم الذي تبرع به متطوعون لإنقاذ حياة المدافع عن حقوق الإنسان. وبعد حوالي أربع ساعات أعلن الأطباء أن الفارس تعدى مرحلة الخطر، ووضعه مستقر، إلا أنه بحاجة الى فترة من العناية الطبية والراحة، حيث يقضي بعض الوقت في مدينة الريحانية التركية.

لافتات كفرنبل لم تتوقف بعد محاولة اغتيال رائد الفارس - صفحة "لافتات كفرنبل المحتلة" على فيس بوك
لافتات كفرنبل لم تتوقف بعد محاولة اغتيال رائد الفارس – صفحة “لافتات كفرنبل المحتلة” على فيس بوك

إصرار الفارس على العمل الإعلامي من أجل الثورة لم يتوقف، كما يستمر نشاط المكتب الإعلامي في كفرنبل.

انخرط الفارس في الثورة منذ بدايتها، وتميز بكتابة اللافتات باللغتين العربية والانكليزية، التي استقطبت اهتمام الإعلام الدولي، وتصوير مظاهرات كفرنبل، وصناعة بعض الأفلام القصيرة التي تنقل ألم الشعب السوري وطموحاته.

تصف الناشطة هنادي زحلوط في مقال لها منشور على موقع “كلنا شركاء في الوطن” رائد الفارس بأنه أحد أولئك “الذين وضعوا كفرنبل، بلافتاتها ورسومها الساخرة، على خارطة العالم”. وتقول إن الفارس أرسل للعالم رسائل “عجز كثير من نخب الثورة السورية عن الحديث بمثل عمقها”. وترى الزحلوط أن “محاولة اغتيال الفارس لا تستهدفه شخصياً، بل تستهدف كفرنبل، بكل ما تعنيه من رمز حقيقي للثورة السورية الحرة، الهادفة لدولة مدنية ديمقراطية عصرية”.

عرف عن الفارس عدم تحزبه أو انتمائه لأي تيار من التيارات السياسية. وبهذا الصدد يقول: “أنا لا أنتمي سوى للثورة… الثورة السورية ثورة شعب، وأنا من هذا الشعب”. ويرى الفارس أن هدف الثورة هو الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية، وهو ما ألّب عليه التيارات الإسلامية المتشددة، وخاصة “القاعدة”، التي ترى أن الديمقراطية كفر.

في الأسبوع الأخير من العام 2013 داهم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الذي يحمل فكر القاعدة، والذي بات يسمى في وسائل الإعلام “داعش”، المكتب الإعلامي في كفرنبل، وراديو “فرش” ومجلة “المنطرة” التابعين لهذا المكتب، وسرقت محتوياتها، وأوضحت للعاملين فيها أنها تريد “معلمهم الكافر المرتد” رائد الفارس، الذي كان بعيداً عن كفرنبل.

المكتب الإعلامي استمر بعمله ولم يتوقف أبداً، بل قدم لوحات ولافتات ترفض “داعش” في أوج قوتها في كفرنبل، بحسب الرسام أحمد جلل (33 عاماً)، الذي يعد الرجل الثاني في “مكتب كفرنبل الإعلامي”. الجلل، الذي يصف صديقه الفارس بأنه “مخ الإعلام في كفرنبل”، أوضح أن مكوث الأخير في المشفى لم يؤثر على عمل مكتبه.

توقف عمل إذاعة “راديو فرِش” قرابة الشهر بعد اقتحام “داعش” ثم استأنفت العمل، لأن الفارس استطاع أن يؤمن البديل عن المعدات التي تمت مصادرتها، بحسب أحمد جلل، الذي يضيف أن “مجلة المنطرة” ما زالت متوقفة، لعدم توفر طابعة مناسبة.

أعضاء المكتب الإعلامي خمسة، منهم المصور حمود الجنيد (34 عاماً) الذي يصف رائد بأنه “مؤسس ومهندس إعلام كفرنبل”. ويقول الجنيد إن غياب يدي الفارس عن المكتب الإعلامي لا يعني غياب عقله وفكره.

الجنيد يختص بتصوير المعارك في ريف إدلب لمصلحة “المكتب الإعلامي في كفرنبل”، وأصيب منذ حوالي الشهر أثناء تصويره اشتباكات بين المعارضة والنظام حول معسكر الحامدية التابع لقوات الرئيس بشار الأسد والبعيد عن كفرنبل ثمانية كيلومترات غرباً. وعن هذه الإصابة يقول: “بالرغم من أني لم أتعافَ تماماً فما زلت أقوم بعملي، ما زلت أذهب إلى الجبهات. أحب عملي، بالرغم من خطورته”.

ويشعر الجنيد، كغيره من أعضاء المكتب الإعلامي، بشيء من الخوف من “داعش”، ويقول: “لن تثنينا “داعش” عن العمل. نحن مستمرون حتى تحرير سوريا من “داعش” والأسد، أو نموت من أجل ذلك”.

انسحبت “داعش” من كفرنبل في أوائل العام 2014، دون قتال، نتيجة ضغط “الجيش الحر” و”الجبهة الإسلامية” اللذين أعلنا حملة مسلحة عليها في سوريا كلها. وبعد هذا الانسحاب بعشرة أيام، عاد الفارس إلى مدينته كفرنبل ليستأنف عمله منها، وما إن بدأ يتحرك بحرية حتى فوجئ بمحاولة الاغتيال.

يصف الفارس محاولة اغتياله بأنها مرعبة، ذاق فيها الموت ولم يمت، حين أطلق عليه فيها أكثر من عشرين رصاصة. ويقول إنه “حظي بعناية ولطف فائقين من الله، وكأن الله أمسك بمعظم تلك الرصاصات ومنعها من إصابته”.

وأوضح الفارس أنه ليس لدية أية عداوة شخصية مع أحد إلى الحد الذي يبرر القتل، لافتاً إلى اعتقاده التام بأن الذين أطلقوا النار عليه هم من منتسبي “داعش”، أو على الأقل من حاملي أفكارهم.

في ظل غياب السلطات الأمنية والقضائية الفعّالة في كفرنبل، لم يجرِ أي تحقيق في محاولة الاغتيال.

يرى منظرو “داعش” والقاعدة بشكل عام أن الاغتيالات عمل مشروع، حتى أن السعودي أبا جندل الأزدي عضو اللجنة الشرعية للقاعدة سابقاً، ألف كتاباً سماه “تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنة الاغتيال”، جاء فيه أن اغتيال “أئمة الكفر ورؤوس الظلم أمر شرعه الله، وسنة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم”.

الشيخ ياسين أبو علي (36 عاماً) عضو في التيار السياسي السلفي “هيئة الشام الإسلامية”، وهو تنظيم سوري ينشط في المجالين الدعوي والإغاثي. يعتقد أبو علي أنه ليس هناك ما يبرر محاولة اغتيال الفارس، واصفاً إياها بأنها “عمل إرهابي لا يقره الإسلام”. وأثنى أبو علي على عمل المكتب الإعلامي، قائلاً إنه “يعبر عن روح الثورة السورية”.