المطاعم الدمشقية تغزو إدلب!

الفول الدمشقي تصوير أحمد عبيد

الفول الدمشقي تصوير أحمد عبيد

بعد أن خسروا منازلهم وأراضيهم، اختار المُهجَّرون من دمشق وريفها أن ينقلوا أطعمتهم معهم إلى الشمال السوري، محاولين الإبقاء على النكهة الشامية في حياتهم، فشهدت مطاعمهم إقبالاً كبيراً. وأياً تكن، فهديتك الأولى حين تزور تلك المطاعم، إبتسامة…

مطعم اللقمة الشامية، اتخذ من أكلة الفلافل الشعبية الوجبة الرئيسية في، صاحبه أبو ياسر يروي لحكايات سوريا: “بعد أن تمّ تهجيرنا إلى الشمال السوري… كان أهالي محافظة إدلب باستقبالنا، لكنّ الأوضاع المعيشية الصعبة وارتفاع الأسعار خلق لدينا مشكلة تأمين مستلزمات العيش لعائلاتنا، فقررتُ إنشاء مشروع خاص، أستطيع من خلاله تأمين متطلبات الحياة وأُعيل به أسرتي”.

يضيف أبو ياسر: “افتتحت مطعم اللقمة الشامية في مدينة إدلب، لأقدّم فيه المأكولات الشعبية على الطريقة الدمشقية. وقد شهد المطعم إقبالاً كبيراً من المهجَّرين ومن أهالي إدلب أيضاً، بالرغم من الاختلاف بين دمشق وإدلب في طريقة صنع هذه المأكولات، فيُقبل المهجّرون الدمشقيون لاعتيادهم على هذه النكهة، والبعض من أهالي إدلب يزور مطعمنا لتذوّق النكهة الدمشقية “.

حال مطعم اللقمة الشامية لا يختلف  عن حال ملحمة ومشاوي مضايا، فبعد أن تهجَّر أبو عمّار وعائلته إلى الشمال السوري قبل شهرين، افتتح هذا المطعم ناقلاً معه مهنة آبائه وأجداده، جاعلاً منها مصدراً للكسب ووسيلةً لاستمرار الحياة.

يشير أبو عمّار إلى بعض الاختلاف في طريقة طلب اللحوم من قبل أهالي دمشق وإدلب فيقول: “في دمشق يطلب الناس اللحوم قطعاً صغيرة، أما في إدلب تُطلب قطعاً كبيرة، إضافةً لاختلاف طريقة إعداد الكباب، فنحن نضيف عليه بعض المكوّنات في الطريقة الدمشقية”.

ويضيف أبو عمّار: “لا أعتقد أن عملي يؤثّر على عمل محلات اللحوم الأخرى في المدينة، فالملحمة الشامية تستطيع تلبية طلبات أهالي إدلب، أما اللحّام الإدلبي فلا يجيد طريقة تحضير اللحوم لتأمين طلبات المهجَّرين من أهالي دمشق وريفها.. وهذا أمر طبيعي يعتمد على ما يتعوَّد عليه اللحّام”.

ولم تقتصر المطاعم الشامية في الشمال السوري على وجبات الفلافل الشعبية واللحوم والمشاوي، فقد اتخذ سليمان، وهو أحد المهجّرين من مدينة داريا، الفطائر والمعجنات الشامية وجبةً رئيسية في مطعمه، معتمداً على النكهة الدمشقية فيها.

يتحدّث سليمان لموقعنا بالقول: “بعد تهجيرنا من داريا بفترة قصيرة، افتتحتُ مطعم فطائر وبيتزا داريا، في إدلب، لأُقدّم فيه المعجنات والفطائر على الطريقة الشامية. وشهد المطعم إقبالاً جيداً لكن غالبية زوّاره من المهجّرين من دمشق وريفها”.

وعن سبب عدم إقبال أهل إدلب على مطعمه يقول سليمان: “مجتمع إدلب معتاد على المعجنات المصنوعة بالعجين الرقيق الحلو المذاق، أمّا الطريقة الدمشقية لصنع العجين فتعتمد على العجين السميك المالح… إضافةً لإختلاف مكونات بعض الفطائر بين المجتمعين، فـالمحمّرة مثلاً تتكوّن في إدلب من الفليفلة الحارة المطحونة فقط، بينما تُطبَخ من الفليفلة مع الطماطم والبصل في دمشق، لكن بالنسبة للبيتزا فلا اختلاف في الطريقة بيننا إلاّ في طعم العجين”.

يُجمع أصحاب هذه المطاعم على أنّ محالهم لن تؤثّر سلباً على عمل المطاعم الأُخرى في أسواق إدلب، بل تسهم في زيادة نشاط حركة السوق… لكنّ أبو محمد المهجر من مدينة داريا يخالفهم الرأي، فيعتقد أنّ المطاعم الدمشقية تؤثّر على عمل المطاعم الإدلبية، حيث شهد مطعمه سلطان داريا ترقباً ملحوظاً أثناء تجهيزه للإفتتاح من قبل أصحاب المطاعم في المدينة.

ويقول أبو محمد لحكايات سوريا: “كنتُ أمتلك أحد أكبر مطاعم مدينة داريا، وبعد تهجيرنا إلى محافظة إدلب بدأت بتجهيز مطعمي الجديد فيها، فلاحظتُ ترقباً شديداً من أصحاب المطاعم في السوق”.

ويضيف: “شهد المطعم بعد الافتتاح إقبالاّ كبيراً، فنحن نقدّم الدجاج السوري الطازج بأنواعه، ونضيف عليه نكهتنا الشامية، كما نضيف على وجبة الشاورما لمستنا الخاصة، في حين تقدّم مطاعم إدلب الدجاج التركي المثلّج.”

يقول أبو محمد بفخر: “صارَ سلطان داريا من أفخم مطاعم محافظة إدلب، ولدينا زبائن تقصد مطعمنا من مدن وبلدات شمال وجنوب إدلب، وبعضهم يقطع مسافة 30 كلم تقريباً ليتذوّق نكهة السلطان الشامية”!

ويختم مؤكّداً: “لا شكّ أنّ المطاعم الدمشقية أثّرت على عمل مطاعم إدلب، فالعائلات المهجّرة تقصد المطاعم الشامية التي تقدّم الوجبات بالنكهة التي يعتادونها”.

“تنوُّع المأكولات ومذاقها الطيب ليس السبب الأبرز لإقبال المجتمع على المطاعم الدمشقية، فالنفحة الدمشقية التي تنبعث في الأرجاء هي السبب الأساس”. هذا ما يقوله عمر وهو نازح من ريف دمشق، الذي يرى أنّ المطاعم الشامية في إدلب هي مشاريع خدمية أكثر منها ربحية، وتساهم في سرعة التعايش مع البيئة الجديدة التي نزحوا إليها، بحيثُ لا يضطر النازحون من دمشق وريفها إلى تغيير نوعية ونكهة الطعام التي اعتادوا عليها.

ويضيف عمر: “تزيد هذه المطاعم من نشاط حركة السوق، وليس لها تأثير سلبي على عمل المطاعم الأخرى، ورائحة الطعام فيها كافية للشعور أنكَ انتقلت فعلاً إلى دمشق!”

خالد، نازح من محافظة حمص، أقبلَ على المطاعم الشامية بسبب التقارب الكبير بين النكهة الدمشقية والحمصية، إضافةً لما هو معروف عن المطبخ الدمشقي بأنه من أشهى مطابخ العالم. ويعتقد خالد بأنّ المطاعم الدمشقية تؤثّر على عمل مطاعم إدلب الأصلية، إلا أنها تساهم بشكل كبير بتخفيف الضغوطات عن المهجَّرين، وتُمكِّنهم من البقاء على صلةٍ بعاداتهم ونكهات أطباقهم.

أبو مصطفى، من أهالي إدلب وصاحب أكبر مطاعم المدينة، يقول: “زرتُ عدّة مطاعم شامية في إدلب، لأتذوّق أطعمتها، وأتعرّف على الاختلاف في طرق إعدادها، فوجدتُ أنَّ مطاعم الدمشقيين تتفوّق في بعض المأكولات على مطاعم إدلب الأصلية، وفي المقابل فإنَّ مطاعم إدلب تتفوّق عليها في البعض الآخر من الأطعمة… ”

ويبدي أبو مصطفى إعجابه بطريقة تنظيم المطاعم الشامية ونظافتها وكيفية معاملة الزبائن. ويقول: “هدفهم الأول هو إرضاء الزبون. لكنّ الأسعار في المطاعم الشامية مرتفعة عن أسعارنا، ولا أرى تأثيراً سلبياً لها على عملنا، فالرزق من عند الله كما نقول، والزبون لهُ الحق بأن يذهب إلى المطعم الذي يؤمَّن له الأطباق التي يفضّلها”.

ونتيجة جولتنا على المطاعم الشامية في إدلب، ليست الأسماء وحدها من تجلب الزبائن إلى هذه الأماكن، فـهناك لمسة يضيفونها إلى أطباقهم، ليصنعوا من أبسط المكونات لذةً تستحضر بها الشام في طبق… على مائدة في وسط إدلب.