المرأة السورية قصة تحدي لا تعرف اليأس
المؤونة من منتجات عبير تصوير رزان السيد
عبير (38 عاماً) أم لأربعة أبناء، تنحدر من بلدة جبالا التابعة لجبل الزاوية، عانت ويلات الحرب بعد فقدان زوجها وبيتها قبل أكثر من 3 سنوات. كان ذلك في 28 أيلول/سبتمبر 2016، حين تعرض المنزل للقصف بينما كانت في زيارة لإحدى قريباتها.
وقع خبر وفاة زوجها عليها كالصاعقة. وفقدت الرغبة في الحياة: “أحببته وتزوجته، كنت سعيدة معه كان متفهماً وحنوناً، كان سندي في هذه الحياة، لكن حرمتني منه طائرات الظلم والغدر. وتركتني وحيدة أصارع الحياة والحرب مع أبنائي”.
رغم عدم قدرتها على تقبل الأمر بسهولة إلّا أنها طلبت العون من الله وقررت أن تربي أولادها، وأن تعيش من أجلهم. لجأت مع أبنائها إلى خان شيخون. حيث تمكن أبنها الأكبر باسل (20 عاماً) من أن يحصل على عمل في أحد معامل مواد التنظيف، وكان ينفق على البيت الذي استأجروه هناك. ويقدم ما يسد فيه رمق أهله وكان المعيل الوحيد لهم .
“بدأنا نتأقلم مع حياتنا الجديدة، وغدا لدينا أصدقاء ومعارف. كنت أواسي نفسي بأولادي وبأنهم سيكونون سنداً لي بعد أن يكبروا. لم يكن بيدي حيلة ولم أعتد على أي عمل سوى أن أكون ربة منزل مثالية، لا أملك إي شهادة أو مهنة وهو ما كان يشعرني بالعجز عن مساعدة نفسي وأطفالي” بحسب ما توضح عبير.
لم يدم استقرار العائلة طويلاً. خسرت عبير ابنها باسل الذي قضى بمجزرة الكيماوي في خان شيخون ، وعن يوم خسارتها باسل، تقول عبير: “استيقظ باكراً على غير عادته وتوجه إلى عمله. وهناك كان أول من تلقى الغاز السام الذي وقع على مقربة منه واستشهد على الفور”.
كان الخبر صادماً لعبير وموجعاً أيضاً. خسرت قطعة من قلبها باستشهاد ولدها البكر. وتتابع “كان محبوبآ بين إخوته ورفاقه وكان دائم الابتسامة، كنت أقول له دائماً أتخاف من تلك الصواريخ التي تتساقط من حولنا بين الحين والأخر؟ لكنه يضحك ويمازحني قائلاً القلب حديد لكن الركب عادةً ترتجف لا أعلم لماذا”.
وتضيف عبير: “كان علي القبول بمصابي لأنه واقع لا مفر منه، شعرت بالخوف من الحياة التي باتت تسلبني كل من أحبهم، لم يعد بإمكاني تحمل المزيد من الألم والفقدان. ومع ذلك عزيت نفسي بمقولة الضربة التي لا تكسر الظهر تقويه”.
لم تستسلم عبير لمصابها وواقعها الأليم. قررت أن تقف بوجه ظروفها الصعبة وأن تعمل لتؤمن بعض النقود لها ولأولادها دون الحاجة لأحد. اصطحبت أولادها واتجهت الى إحدى بقاع المخيمات الشمالية. باعت قطعة ذهبية من مصاغها كانت تحتفظ بها كتذكار من زوجها.، اشترت بعض المواد الغذائية والمعلبات والمنظفات وبدأت تتاجر بها ضمن خيمتها الصغيرة.
واستفادت عبير من مهارتها بصنع المؤونة المنزلية وبدأت تعمل بها أيضاً. وعن هذا الأمر تقول: “بدأت أحضر الخضراوات الطازجة والمتنوعة وأصنع منها المخللات وأنواع من المربيات التي بدأت تنال إعجاب من يشتريها. فازداد عددهم وازداد الطلب على منتوجاتي المتعددة بفضل من الله “.
وأخذت حالة عبير المادية تتحسن شيئاً فشيئاً. كثيراً ما ناضلت عبير وجاهدت بكل قوة واصرار وعزيمة لتثبت لنفسها أنها ليست أقل قدرة من الرجال. وخصوصآ في ظل مجتمع ينظر إلى المرأة على أنها غير قادرة على تحقيق النجاح، وبعزيمتها وإصرارها أثبتت أن لا شيء مستحيل. حتى ولو كان ذلك ضمن الحرب والظروف القاهرة.
عبير لم يقف طموحها عند هذا الحد، بل راحت تتردد إلى مركز مهني للنساء حيث تعلمت الخياطة وتزيين الشعر. وبعد فترة من تعليمها قررت أن تعمل بتصفيف شعر السيدات لافتقار مناطق المخيمات لهذه المهنة. وبدأت تتلقى أجراً جيداً.
تقول عبير: “لم تكن هذه المهنة تحتاج لرأس مال كبير، فهي عبارة عن معدات بسيطة، بينما أرباحها جيدة حين يتوافر في متقنها الكثير من الفن والحرفية والإبداع”. كانت عبير فرحة بعملها، فقد أستطاعت بقوة إرادتها أن تنجز عملاً تعيش به مع أولادها وتقدم لهم ما يحتاجونه دون أن تحرمهم من أي شيء.
وتختم عبير بالقول: “أن الظروف التي مرت بها المرأة السورية رغم قسوتها جعلتها أقوى. واستطاعت من خلالها العمل رغم كل الصعوبات والعوائق. كان عليها أن تكون السند لعائلتها وسط حرب لا ترحم، فالحياة قاسية ولا مكان فيها للضعفاء”.
عبير عانت الكثير ولكنها وبكثير من الصبر والإرادة تحملت من أجل تربية أبنائها تربية ناجحة، وهو كنزها ومبتغاها. استطاعت أن تكون منتجة وسنداً لنفسها ولعائلتها، لقد رأت في نفسها المرأة التي ليست فقط مربية وناصحة بل عاملة وكادحة.