المحكمة الشرعية في كفرنبل: أحكام فقهية لا تلقى تجاوباً كافياً من المسلحين

هزاع عدنان الهزاع

الغرفة الجزائية في محكمة كفرنبل الشرعية – تصوير هزاع عدنان الهزاع

(كفرنبل، سوريا) – اختلف تاجر المازوت جمال المحمود (36 عاماً) مع شريكه وتوجها إلى “المحكمة الشرعية” في كفرنبل في شهر كانون الثاني/ يناير 2014، من أجل فض الشراكة بينهما. ويقول المحمود إنه أحس بأن الانضباط والنظام يسود الإجراءات في المحكمة: “شعرت داخل المحكمة وكأن الثورة قد نجحت. وكأننا في الدولة المنشودة”.

تأسست المحكمة الشرعية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، في جلسة حضرها قادة التشكيلات العسكرية ووجهاء كفرنبل، بمبادرة قام بها خمسة من المشايخ والمحامين بعد خروج المدينة عن سيطرة القوات الحكومية بثلاثة أشهر. ويبلغ عدد سكان المدينة التي تقع شمال شرقي سوريا ثلاثين ألفاً تقريباً. ويسيطر على كفرنبل لواء “فرسان الحق” التابع للـ”جيش الحر”، ولواء “صقور الشام” التابع لـ”الجبهة الإسلامية”.

محمد خيرو الخطيب، رئيس المحكمة، يحمل إجازة في الشريعة، ويعمل خطيباً في مساجد كفرنبل منذ أكثر من 15 عاماً، يصف المحكمة بأنها “نواة لقضاء حر، مستقل، نزيه، مستمد من الشريعة الإسلامية”. ويقول: “نطبق الشريعة الإسلامية، لأننا مسلمون. ألزمنا الله بتطبيق الشريعة الإسلامية”.

لا يوجد نظام داخلي مكتوب لهذه المحكمة أو نصوص قانونية تحدد عملها، كما أن العقوبات غير محددة ضمن نصوص معينة. وبهذا الصدد يقول رئيسها: “الشريعة الإسلامية هي دستورنا وقوانينا وأنظمتنا. هي التي تحدد الجرائم والعقوبات”. ويضيف: “مراجعنا هي كتب الفقه الإسلامي. لا نلتزم بمذهب معين. رأي جمهور الفقهاء شبه ملزم لنا، وفي حال الخلاف بين الفقهاء، لنا حرية الأخذ بالرأي الذي نراه راجحاً”. ومن الكتب التي يستند إليها المشايخ في الدعاوى التي تقدم لهم كتاب “الأم” للشافعي، و”المدونة” للمالكي، و”الفتاوى” لابن تيمية المحسوب على المذهب الحنبلي، و”المبسوط” للسرخسي المحسوب على المذهب الحنفي.

ولا تطبق المحكمة الحدود المنصوص عليها في كتب الفقه، كقطع يد السارق وجلد الزاني الأعزب ورجم الزاني المتزوج. ويقول الخطيب: “المبدأ في الشريعة الإسلامية هو تطبيق الحدود في كل الأزمنة ولكننا لا نطبقها اليوم لأننا في حالة حرب ونستبدل ذلك بالحبس أو الغرامة أو كليهما”. وأوضح الخطيب أن الغرامة تعود لصندوق المحكمة.

تقسم المحكمة التي تضم ثمانية عاملين إلى غرفة جزائية وغرفة مدنية وغرفة للأحوال الشخصية. وعدد القضايا التي نظرت فيها هذه الغرف الثلاث في العام 2013 تجاوز 350 قضية، بينها أكثر من 150 قضية جزائية، مثل السرقة والاحتيال. تجري المحاكمات علنياً، ويسمح للخصوم بالاستعانة بمحامين، وأحكامها قابلة للاستئناف أمام محكمة الاستئناف الشرعية في مدينة بنش المجاورة لكفرنبل.

وتستعين المحكمة الشرعية  بـ “الكتيبة الأمنية” في كفرنبل من أجل تنفيذ قراراتها وأحكامها. وتتألف الكتيبة التي تم تأسيسها من قبل المجلس المحلي في المدينة من 20 عنصراً، تمكنوا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من ضبط أكثر من 50 جريمة، معظمها جرائم سرقة، بحسب سجلات هذه الكتيبة التي أطلَع رئيسها ماهر العليّو موقع “دماسكوس بيورو” عليها.

ومثال على طريقة تعامل المحكمة مع قضية سرقة حسب الشريعة الإسلامية هي الدعوى التي رفعت بحق متهم من كفر نبل بسرقة أربع دراجات نارية، قبض عليه من قبل الكتيبة الأمنية. وتمكن موقع “دماسكوس بيورو” من الاطلاع على القضية في ملفات المحكمة. حكمت المحكمة على السارق وفق كتب الفقه برد المسروقات والسجن لمدة سنة ونصف. ولم يتم تطبيق الحد وهو قطع الرسغ لأنه معطل في حالة الحرب ولأن المسروقات لم تسرق من حرز، أي من المكان الذي تخبأ فيه عادة، وهو بالنسبة للدراجة النارية المنزل أو أي بناء معد لحفظ المعدات أو الآلات، وإنما سرقت من الشارع.

وقبل سيطرة المعارضة المسلحة على كفرنبل، كانت توجد في المدينة محكمة واحدة تابعة للحكومة، تنظر في قضايا الأحوال الشخصية وبعض الأمور المدنية والجزائية. لكن هذه المحكمة توقفت عن النظر في القضايا الجزائية والمدنية لأنها لا تملك تأييداً من طرف كتائب المعارضة المسلحة، الذين يعتبرونها موالية للنظام. ويقتصر عمل المحكمة اليوم على بعض القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية كتثبيت الزواج، لأن هذه الوثائق الصادرة عن الحكومة السورية في دمشق ما زالت هي المعتمدة داخل البلاد وخارجها.

وأهم العقبات التي تواجه محكمة كفرنبل الشرعية هي ضعف التمويل وعدم وجود سجن مناسب، بحسب رئيس هذه المحكمة الذي يقول: “في حال الحكم بالسجن لأكثر من 15 يوماً نرسل السجين إلى سجون المدن والقرى المجاورة، كبنش أو خان السبل أو إبلين”. ويضيف: “نستوفي بعض الرسوم من المدعين بما لا يتجاوز 500 ليرة (حوالي ثلاثة دولارات) عن كل قضية، ونضعها في صندوق المحكمة”. وأوضح الخطيب أن صندوق المحكمة يدفع رواتب بسيطة لقضاة هذه المحكمة لا تتجاوز100 دولار شهرياً في أحسن الأحوال، كما أنه يتكفل بالمواد القرطاسية اللازمة لهذه المحكمة.

ولكن التحدي الأكبر هو عدم تعاون التشكيلات العسكرية معها بشكل كافٍ، كما يشير رئيس المحكمة محمد خيرو الخطيب، رغم اعتراف الكتائب بالمحكمة. رئيس المحكمة الشرعية في كفرنبل ورئيس الكتيبة الأمنية فيها ماهر العليّوٍ يقولان إن تساهل قادة الكتائب مع كثير من عناصرها غير المنضبطين يؤدي إلى انعدام الأمن وفوضى السلاح في هذه المدينة ولا تفلح الكتيبة الأمنية والمحكمة الشرعية في اتخاذ أي مبادارات ضد هذه الممارسات لعدم قدرتهما على مواجهة الكتائب.

قائد لواء صقور الشام في كفرنبل المقدم جمال العلوش والقائد في لواء فرسان الحق عبد القادر السلوم لا ينكران قلة الانضباط من قبل بعض عناصر اللوائين ولكنهما يعتبران أن ذلك قد أصبح جزءاً من الماضي بعد فصل كثير من العناصر المارقين، حسب قولهما. ويؤكد القائدان أن لديهما رغبة في دعم المحكمة عسكرياً، ويتمنيان من هذه المحكمة أن تضم الشيخ عبدالله السعدى والشيخ ابراهيم القاسم إلى عامليها لأنهما يثقان بهما ويعتبران أن انضمامهما يضفي على المحكمة المزيد من الشرعية. وتجدر الإشارة إلى أن الشيخين المذكورين عضوان في الكتائب ومحسوبان على التيار السلفي المعتدل.

ولا يوجد حالياً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام من ريف إدلب محاكم مدنية، بل تأسست فيها محاكم شرعية مثل الأمر في كفرنبل. المحامية مريم (42 عاماً) من ريف إدلب، التي تفضل عدم ذكر اسمها الحقيقي، تنتقد ظاهرة هذه المحاكم وتدعو لتطبيق القوانين السورية المعمول بها منذ خمسينات القرن الماضي، وتقول: “الثورة من أجل إسقاط الأسد، وليس من أجل إسقاط القانون السوري”.