المجلس المحلي في الرقة، بداية جديدة رغم الصعوبات
(الرقة، سوريا) – ارتدى عشرات المتطوعون بدلات زرقاء وخوذ بيضاء، جابوا طرقات المدينة مع معدات تنظيف، ووزعوا أكياس القمامة في مشهد بدا بالغريب بعد أشهر من توقف معظم الخدمات. هم متطوعو “المجلس المحلي لمدينة الرقة وريف المركز”، نشطوا بعد إطلاق حملة النظافة في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، وستستمر عدة أسابيع وتشمل عدة أحياء من المدينة.
انتخب أعضاء المجلس المحلي للمدينة من قبل عدد من ناشطي المدينة بتاريخ 2 تموز/ يوليو بعد هيكلية أعدها مجموعة من مفكري المدينة دعوا وفقها 600 ناشط من مختلف التجمعات والنقابات العاملة في المدينة إلى الاقتراع. حضر منهم ما يقارب 180 فقط، وحدثت بلبلة آنذاك حول شرعية المجلس ووجوب حله، إلا أن المجلس تابع عمله وهو يعد “الأول في سوريا الذي انتخب من الداخل”، بحسب ما ذكر أمين سر المجلس المحلي طه العمر، حيث جاءت الانتخابات متأخرة بعد ثلاثة أشهر من حل المجلس القديم نفسه تمهيداً لانتخابات مجلس جديد. أما سبب التأخير هذا فيرده نائب رئيس المجلس الحالي وعضو المكتب الإغاثي في المجلس السابق عبد السلام حم سورك إلى “عدم توفر بديل مناسب، وضعف المجلس السابق من حيث الدعم المادي والمساعدات من قبل الائتلاف والجهات المانحة”.
بعد شهر على تأسيسه باشر المجلس المحلي عمله عبر سبعة مكاتب مختلفة تهتم بمجملها بالجانب الخدمي من إغاثة، خدمات الكهرباء والاتصالات، يضاف إليها مكتب يهتم بوضع دراسات تفصيلية عن المشاريع التي يقدمها المجلس للمنظمات الداعمة.
لكن المجلس لم يبدأ بتنفيذ المشاريع حتى أيلول/ سبتمبر. رئيس المجلس المحلي طه السيد طه يرجع السبب إلى ضعف التمويل ويضيف “إن طبيعة المشاريع التي وافقت عليها المنظمات (الداعمة) كانت جميعها مشاريع صغيرة اوقصيرة أمد التنفيذ”.
إلا أنه بتاريخ أول تشرين الثاني/ نوفمبر جاءت الموافقة على 11 مشروعاً من المشاريع متوسطة وطويلة الأمد نسبياً أمثال مشروع نظافة المدينة الذي يستمر ستة أسابيع ومشروع ترميم خمسة مدارس بالكامل وغيرها.
رغم ضعف التمويل، يرفض المجلس أن يقوم بجباية فواتير الكهرباء والبلدية، ويلفت طه إلى أن “الدولة الإسلامية في العراق والشام” تتقاضى عن كل خط هاتفي 400 ليرة سورية بدل شهرين، وقال “إن الجباية هي آخر الحلول شريطة أن تكون “منظّمة، وبأسلوب لا يقبل الشبهات ولا التخوين والاتهام بسرقة الأموال”، على حد تعبيره.
المكتب الطبي هو الأوفر حظاً في المجلس المحلي، وباشر مشاريعه بتأمين سيارتي إسعاف مجهزتين بالكامل خلال شهر آب/ أغسطس ثم تبعها بسيارتي إسعاف ومبلغ 20 ألف دولار للمشفى الوطني في الرقة في الشهر التالي، وذلك عن طريق “وحدة تنسيق الدعم” في الائتلاف الوطني للمعارضة . إلا أن الأخيرة لم تكن الجهة الوحيدة الداعمة، كما يقول محمد هديبان مدير المكتب الطبي في المجلس المحلي للمدينة: “جلبنا في الشهرين الماضيين للمشفى الوطني في الرقة 1400 “جلسة كلية” وهي المعدات اللازمة لعملية غسيل الكلية، عن طريق الائتلاف، وفي المقابل كثير من المشاريع تم تمويلها عن طريق منظمات غير حكومية داعمة مثل “كيمونيكس” التي دعمت مشروع إصلاح 7 سيارات إسعاف للمشفى الوطني“.
وتدعم شركة “كيمونيكس” حالياً مشروع ترميم عدد من المدارس في الرقة.
على الرغم من تشكيل الائتلاف الوطني للمعارضة حكومة انتقالية في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 إلّا أن المجلس المحلي لمدينة الرقة لم يتواصل معها حتى الآن. ويوضح طه سبب ذلك بعدم الرغبة بالدخول في التجاذبات السياسية ولا الحكومية، ويضيف أنه يؤمن بـ”العمل من داخل سوريا لا خارجها”، إلا أنه يتمنى على الحكومة أن تشعر بمعاناة الداخل، كما على من هم في الخارج من جهات داعمة ومغتربين سوريين أن يوفروا ما يستطيعون من مساعدات للشعب السوري.
من جهته يبرر هديبان عدم تواصل مكتبه مع الحكومة الانتقالية بسبب عدم تشكيل وزارة صحة حتى اللحظة، حيث يقتصر تواصله الحالي مع المكتب الطبي في “وحدة تنسيق الدعم”. “آمل من الحكومة المؤقتة خيراً، لكن التساؤل يكون في حال لم يتوفر الدعم، فهل ستكون الحكومة على قدر المسؤولية؟” يقول هديبان وقد بدا عليه نوع من التشاؤم.
في الرقة ثلاث قوى عسكرية ذات طابع إسلامي سلفي هي “أحرار الشام”، و”جبهة النصرة”، و”الدولة الإسلامية في العراق والشام” تدخلت منذ سيطرتها على المدينة في 4 آذار/ مارس 2013 بالشؤون الخدمية من كهرباء وماء وهاتف ونظافة لكنها “لم تعرقل عمل المجلس المحلي حتى الآن”، كما يقول طه.
بل على العكس، جرت عمليات تنسيق مع بعضها في إصلاح بعض الأعطال كمحولات الكهرباء والهاتف وخطوط المياه بعد تضررها بفعل القصف كالذي استهدف سوق الهال في مركز المدينة.
عمل المجلس المحلي على تأمين مساعدات غذائية وصحية بالتعاون مع “وحدة تنسيق الدعم” والمنتدى السوري للأعمال ومنظمات أخرى، حيث وزع مؤخراً 2000 سلة صحية للاجئين من محافظات أخرى إلى مدينة الرقة وريفها، وخاصة القاطنين في المخيمات العشوائية التي انتشرت بعد سيطرة النظام على منطقتي “السفيرة” و”السخنة” القريبتين من الرقة.
ويتعاون المجلس المحلي مع منظمات المجتمع المدني التي يحظى بدعمها وتأييدها في حملة تهدف لإغلاق هذه المخيمات العشوائية عبر تأمين مراكز إيواء للاجئين. ويقول عضو إدارة “تجمع شباب الرقة الحر” عبدالله الشام بحماس واضح: “نحن في التجمع ندعم المجلس المحلي للمدينة بكل طاقاتنا”، ويضيف الشام “مجلس المدينة انبثق من الناشطين ومنظمات المجتمع المدني وهو الممثل الشرعي الوحيد لها، لذا واجب دعمه خاصة أنه يعمل على تأمين احتياجات المدينة، ويبذل جهد جبار لذلك”.
وفعلاً التحق مجموعة من الناشطين بدورة الدفاع المدني التي أطلقها المجلس بتاريخ 15 كانون الأول/ ديسمبر، وتهدف إلى تأهيل كوادر الدفاع المدني للتعامل مع الكوارث والقصف والإنقاذ والإخلاء وغيرها، لكن المجلس لا يستطيع تغيير شيء على المستوى الأمني لأن الأخير “لا يملك جهاز شرطة وأخذ الطابع الخدمي دون أن يكون طرفاً في القوى العسكرية أو السياسية”، كما عبر الدكتور بسام السعيد مدير مكتب الدفاع المدني في المجلس.
لا يتدخل المجلس في بعض الأمور كالقضاء والمرور التي تتولاها الهيئة الشرعية، وهي مجموعة من القضاة وموظفين مدنيين إضافة لممثلين عن كل من “حركة أحرار الشام الإسلامية” و”جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وهي تمثل السلطة الأمنية على أرض الواقع، بما في ذلك الترخيص للجمعيات الإغاثية والخدمية.
على الرغم من محدودية سلطات المجلس المحلي، يبدو التفاؤل على المهندس هديب شحاذة، الذي كان عضواً في المجلس المحلي القديم. يعلل شحاذة ذلك بأن غالبية عناصر المجلس هم من الشباب “الثوريين” والمهتمين بالجانب الخدمي بعيداً عن السياسة، الأمر الذي خلق نوعاً من التناغم والتنسيق في ما بينهم.