المجتمع في الرقة يخضع للـ”أسلمة” القسرية

(الرقة، سوريا) – يروي محمد الهويدي (25 عاماً)، الطالب في “جامعة الاتحاد” الخاصة في ضواحي الرقة، المشهد اليومي في الباص الذي يقله وزملاءه من المدينة إلى الجامعة.  يجلس الطلاب الذكور في الأمام، بينما تجلس البنات في الخلف. أثناء الرحلة، يتوجه السائق أبو محمد إلى الطالبات طالباً منهن أن “يحتشمن” حتى يمر الباص بدون مشاكل. يردد أبو محمد هذه الجملة كل يوم قبل الوصول إلى حاجز “المقص” عند مدخل المدينة الغربي الذي يسيطر عليه مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، الذين منعوا الطلاب الذكور والإناث من الجلوس جنباً إلى جنب في الباص. يمنع عناصر الحاجز مرور أي سيارة فيها نساء غير منقبات، بما فيهن طالبات “جامعة الاتحاد”، اللواتي يضطررن يومياً إلى ارتداء النقاب وخلعه مرتين أثناء عبور حاجز “الدولة الإسلامية” ذهاباً وإياباً.

إعلان عن افتتاح "الدولة الإسلامية في العراق والشام" متجراً لبيع الألبسة النسائية الشرعية - صفحة "تحرير سوري" على فيس بوك
إعلان عن افتتاح “الدولة الإسلامية في العراق والشام” متجراً لبيع الألبسة النسائية الشرعية – صفحة “تحرير سوري” على فيس بوك

 حالياً يسيطر هذا التنظيم على الرقةً، بعد خروج “حركة أحرار الشام” و”جبهة النصرة” من المدينة إثر صدام بينهما وبين تنظيم “الدولة الاسلامية” في بداية كانون الثاني/ يناير، مع وجود كتائب حذيفة بن اليمان المرابطة عند مقر “الفرقة 17” (ثلاثة كلم شمال المدينة) الذي لا يزال تحت سيطرة النظام.

ولكن حتى قبل أن تبسط “الدولة الإسلامية” سلطتها المطلقة على الرقة، تكيّف المظهر الشخصي وجوانب أخرى من الحياة العامة في المدينة بحسب “الأصول” الإسلامية منذ سيطرة المعارضة على الرقة في 4 آذار/ مارس 2013.

بالإضافة إلى فرض النقاب بالقوة في بعض الحالات، كما حدث مع طالبات “جامعة الاتحاد”،  تعمد “الدولة الإسلامية” أيضاً إلى تشجيع هذا اللباس عبر بيعه بأسعار مخفضة في متجر يحمل اسم “الدرة المصونة”، الذي حلّ مكان متجر مركز “إم تي إن” السابق.

أما في ما يخص مظهر الرجال، فبعد أن كانت اللحية الخفيفة تجلب الكثير من المشاكل في ظل دولة “البعث” التي كانت تحارب “الإخوان المسلمين”، أصبح إطلاق اللحية بل وإطالتها يوحي للناس بأن صاحبها عضو في التنظيمات الإسلامية المسيطرة على المدينة. دفع ذلك كثيراً من الشبان إلى إطالة لحاهم، ليس بالضرورة بدافع ديني، إنما ليتم تقبلهم في المجتمع وتسهيل مرورهم عبر الحواجز الأمنية المنتشرة في أطراف المدينة وخارجها، وهو ما تعاني منه النساء أيضاً.

يقول هويدي إن “معظم طالبات الجامعة غير محجبات، لكن قبل الوصول إلى الحاجز بقليل ترتدي الفتيات العباءات الإسلامية التي تغطي كامل الجسم والوجه، وبعد الحاجز بخمسين متراً تبدأ عملية التبديل المعاكسة مرة جديدة”.

إلا أن هذه الخدعة لم تستمر طويلاً، ولم يعد بإمكان الطالبات حالياً البقاء في حرم الجامعة من دون حجاب يغطي الرأس على الأقل.

يذكر هويدي أن عناصر من “الدولة الإسلامية” زاروا الجامعة في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2013، وبعد أن رأوا طالبات غير محجبات، منعوا كل الإناث من طالبات ومدرسات ومستخدَمات من الحضور إلى الجامعة مرة أخرى. توقف المدرسون عن إعطاء المحاضرات ريثما تتمكن الطالبات من العودة إلى جامعتهن، ما دعا مجموعة من الطلاب إلى مراجعة المكتب الدعوي لـ”الدولة الإسلامية” ومقابلة مسؤول المكتب المعروف بـ”أبي حمزة المصري” الذي قال لهم إنه بإمكان الإناث العودة للجامعة اعتباراً من يوم الأحد 5 كانون الثاني/ يناير شريطة أن يرتدين الحجاب.

فرض الحجاب على كل السيدات على الحواجز الأمنية كان الخطوة الأولى، فالشباب أيضاً كان لهم نصيب من خطط عناصر التنظيم. يقول محمد: “استوقفنا عنصر من حاجز الدولة في إحدى المرات وتأكد من ارتداء جميع الطالبات النقاب، ثم التفت إلى بعض الشباب ممن ارتدى لباساً ضيقاً أو كان له تسريحة شعر غريبة، ووعظهم أن هذا اللباس محرم ويجب ارتداء ما هو فضفاض”.

لباس طالبات المدارس والمعاهد داخل الرقة كان أيضاً محط اهتمام عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، ففرضوا على كل طالبة أن ترتدي اللباس الكامل الذي يتضمن تغطية الوجه حتى تتمكن من إكمال دراستها، كما أعد التنظيم عدة محاضرات داخل الجامعات والمدارس عن وجوب  اللباس الشرعي، تقول سعاد (اسم مستعار) (22 عاماً) وهي طالبة في كلية الرياضيات: “بعد محاضرة قامت بها سيدات من مكتب الدعوة لـ”الدولة الإسلامية” أعطونا أقراص مدمجة “سي دي” لم تشاهد سعاد القرص لكنها تقول أنها تعرف مضمونه جيداً. وحصل موقع “دماسكوس بيورو” على نسخة من الـ”سي دي”، وهو مخصص للنساء، ويتضمن كتب الكترونية عن المرأة وفتاوى تخصها، وتحذيرات من مخاطر ممارسة السحر والشعوذة، بالإضافة إلى إلى أناشيد إسلامية وتلاوات من القرآن الكريم.

ما يصطلح على تسميته بالـ “الخلوة غير الشرعية” بين النساء والرجال في الأماكن العامة كالمقاهي والحدائق أصبح أيضاً مصدراً للمشاكل، إذ يمنع تواجد أي شاب برفقة سيدة غير “محْرَم”، أي لا تربطه بها علاقة دم مباشرة أو زواج. يقول أحمد (18 عاماً): “كنت أمشي مع بنت خالتي على أطراف حديقة الرشيد، فاستوقفتني دورية أجهل هويتها. أمروا بنت خالتي بالانصراف وحدها وأخذوني إلى أحد المقرات وأوسعوني ضرباً ثم تركوني بعدها”.

ونشرت على “فيس بوك” عدة حالات مشابهة، تضمنت إحداها مزاعم عن اعتداء عناصر من “حركة أحرار الشام” على بعض الطلاب في كلية الآداب نتيجة وقوفهم مع زميلاتهم ضمن الحرم الجامعي.

ولكن تقتصر حتى الآن تدخلات تنظيم “الدولة الإسلامية”، وقبلها “الهيئة الشرعية” التي كانت تضم ممثلين عن التنظيمات الإسلامية الأخرى، على المظهر فقط، ففي وقت الصلاة لا تُجبر المحال التجارية على الإغلاق ولا يعاقب من يمشي في الشارع.

السيارات كان لها نصيب في التغيير، فالعبارات عن الحب والحنين استبدلت بأخرى جهادية وثورية، كما استبدلت الأغاني التي كانت تصدر من مكبرات الصوت من بعض المحلات التجارية والسيارات الحديثة إلى أناشيد ثورية وإسلامية، مع الاحتفاظ بالصوت المرتفع.

بحسب رأي أحد أئمة المساجد في الرقة، فإن منطق القوة في فرض المظهر الإسلامي على المجتمع في الرقة خلّف رداً عكسياً. يقول رجل الدين الذي رفض الإفصاح عن اسمه إن بعض النساء “يكثرن من مساحيق التجميل بعد ارتداءهن للحجاب قسراً”، ويضيف أن الحل يأتي عن طريق الدعوة والمحاضرات التوعوية للنساء وللآباء على حدٍّ سواء، ودون ذلك فالمجتمع “سيرفض كل ما هو إسلامي، بل قد يعاديه”، بحسب تعبيره.