اللجان الإغاثية في كفرنبل متهمة بالفساد بسبب شح المساعدات

عبد الله كليدو

(كفرنبل، سوريا) – “راجعت إغاثة المجلس المحلي مراراً وتكراراً… فلم أسمع منهم سوى: اسمك موجود في سجلاتنا، انتظر دورك”، يقول مازن السويد وهو مقاتل في “الجبهة الإسلامية” يبلغ من العمر32 عاماً، ويضيف “انتظرت ستة أشهر ولم أر شيئاً… إلى متى الانتظار!؟”

مازن من مدينة كفرنبل البالغ عدد سكانها 35 ألفاً تقريباً، الواقعة في ريف إدلب الجنوبي، وهي من أولى المدن التي خاضت معارك ضد القوات الحكومية وتعرضت للدمار والنزوح، وهو مثل الكثيرين، يشكو من عدم تلقي إعانات إنسانية يحتاج إليها بشدة.

إذا تجولت في شوارع مدينة كفرنبل قد تجد الكثير من أمثال مازن، فبعد سيطرة المعارضة على المدينة منذ عام ونيف، زادت نسبة العاطلين عن العمل بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة. جميع الموظفين الحكوميين الذين شاركوا بالمظاهرات فصلوا من وظائفهم، كما قطعت رواتب المنشقين عن الجيش والشرطة. ويضاف إلى هؤلاء الأشخاص العائلات التي اعتقل أو قتل معيلها.

متطوعون في "اتحاد المكاتب الثورية" يوضبون مساعدات غذائية – فيس بوك
متطوعون في “اتحاد المكاتب الثورية” يوضبون مساعدات غذائية – فيس بوك

الأغلبية الساحقة في كفرنبل بحاجة ماسة إلى المساعدة بشكل أو بآخر، والمساعدة الوحيدة التي كانوا ينالونها كانت من “هيئة إغاثة كفرنبل” والتي تشكلت قبل خروج القوات الحكومية من المدينة، وكان يطلق أهالي المدينة يطلقون عليها اسماً مختصراً هو “الإغاثة”. تشكل المجلس المحلي للمدينة في أيار/ مايو 2013  وتحولت “هيئة إغاثة كفرنبل” إلى منظمة إنسانية مستقلة تسمى “اتحاد المكاتب الثورية”، وأصبح اسمها المتداول “الإغاثة القديمة”، بينما يشير الأهالي إلى المكتب الإغاثي في المجلس المحلي بـ “إغاثة المجلس”، التي تتولى الدور الرئيسي في تنسيق توزيع الإعانات على الأهالي.

يشكو عامل البناء أبو طارق (34 عاماً) واقعه المعيشي المرير، متهماً المسؤولين عن كل من الهيئتين بأنهم لا يعرفون “البحث عن الفقراء”.

يقول أبو طارق “لدي خمسة أولاد وليس لدي عمل ومع هذا لم يصلني سوى سلة واحدة من “الإغاثة القديمة”… سجلت اسمي في “الإغاثتين”، ووضعي المادي لا يخفى على أحد، ولكن السلال الغذائية تذهب إلى الأحبة والأصدقاء. من مثلي ليس له أحد بالإغاثة لا يأخذ شيئاً”.

أبو طارق على ما يبدو ليس الوحيد الذي يتهم هيئتي الإغاثة بالمحاباة والتقصير، فمازن السويد (32 عاماً) يتهم المجلس المحلي “بسرقة ما يأتيه من السلال الغذائية”. ويستشهد بحادثة حصلت مع والدته فـ “بعد تبليغها من قبل “إغاثة المجلس” بأن لها سلة غذائية، ذهبت إليهم لتفاجأ بأنها غير موجودة، وعندما راجعتهم في ذلك قالوا لها بأن سلتها أعطيت لأحد المنشقين!”

يرفض رئيس المكتب الإغاثي في المجلس المحلي واهب العبيدو (53 عاماً) هذه الاتهامات ويقول “تشكل المجلس من جميع الطوائف (العائلات الكبيرة)الموجودة في مدينة كفرنبل ولا يتصرف أحد من تلقاء نفسه، وإذا كانت “إغاثة المجلس” متهمة بالسرقة، فجميع أبناء المدينة متهمون بالسرقة وهذا شيء ليس بالوارد”. ويضيف العبيدو”لدينا مكتب للإحصاء مهمته إحصاء الفقراء والمحتاجين… ونحن أيضاً نستقبل الشكاوى”.

إلى ذلك يقول رئيس المكتب الإغاثي في اتحاد المكاتب محمد العباس (30 عاماً) “هناك الكثير من أمثال أبو طارق في ملفاتنا، فعدد المحتاجين لدينا هو ألفي عائلة والسلال التي تأتينا أحياناً عددها 1200 سلة في أحسن الأحوال فتوزع على من هم بحاجة إليها أكثر… وعندما يأتينا سلال غذائية أكثر نغطي من هم مثل ابو طارق”.

ويشرح العباس آلية العمل، قائلاً “قسمنا المدينة إلى سبعة قطاعات، وفي كل منها مسؤول إحصاء ومشرف وعامل قطاع، بالإضافة إلى لجنة خارجية مهمتها معرفة الفقراء، ومكتب الشكاوى وتسجيل من يرى أنه بحاجة”.

ليس أبناء كفرنبل وحدهم من يعانون من هذا الواقع المأساوي، هناك عدد من النازحين من القرى المجاورة يفتقرون إلى المأوى المناسب والطعام. ومن هؤلاء النازحين محمد محلول (32 عاماً) الذي يقول”اسمي كان مسجلاً لدى “الإغاثة القديمة” وكنت أحصل على سلة غذائية، أما في المجلس فلم يعطوني سلة حتى الآن. حتى أنهم رفضوا تسجيل اسمي في ملفاتهم مع العلم أن والدتي وزوجتي من كفرنبل! الإغاثة القديمة أكثر نزاهة من إغاثة المجلس المحلي”.

وعن هذا الأمر يقول العبيدو “نحن جهة إغاثية مختصة بمدينة كفرنبل، وعندما يأتينا شيء خاص بالقرى يوزع على مجالسهم المحلية وهم المعنيون بتسليم نازحيهم السلال”.

يقول محمد العباس إن “هيئة إغاثة كفرنبل” ومنذ تحولها إلى “منظمة اتحاد المكاتب الثورية”  قبل ثمانية شهور وزعت  2500 سلة إغاثية قيمة السلة 100 دولار أميركي، بالإضافة إلى 1000 سلة تحتوي على الحليب وقيمة السلة الواحدة 25 دولار أميركي، بدعم من قبل منظمة المجلس الديمقراطي في كاليفورنيا ، و1800علبة حليب وزعت على منطقة غربي معرة النعمان قدمت من قبل منظمة “وحدة تنسيق الدعم” التابعة للـ”ائتلاف الوطني” المعارض. كما وزعت الهيئة 2000 سلة غذائية قيمة السلة تراوحت بين 30 و50 دولار اميركي على القرى والبلدات المجاورة لمدينة كفرنبل. إضافة إلى المنظمات التي تم ذكرها، تلقت الهيئة الدعم والمساعدات أيضاً من منظمات إغاثة مستقلة مثل “هيئة شام الإسلامية“، ومنظمة “إغاثة وطن“.

هذا بالإضافة إلى بعض المساعدات المتفرقة من بعض الأشخاص والمغتربين من أهالي المدينة بالخارج.

وأشار العبيدو إلى أن المجلس المحلي وزع في الأشهر الثلاثة الماضية 225 سلة تحتوي على ألبسة شتوية وما يقارب 1000 سلة، على المنشقين عن الجيش والشرطة، بالإضافة إلى 1000 سلة غذائية وزعت على المحتاجين في المدينة. وقام المجلس المحلي بتوزيع رواتب لمدة ستة أشهر على عوائل المعتقلين والمصابين، بدعم “هيئة شام الإسلامية” وبعض الأهالي والمغتربين الميسورين.

 توزيع المساعدات لم يشفع للمجلس المحلي الذي تعرّض لانتقادات لاذعة وخصوصاً على صفحات “فيس بوك” مثل صفحة “نشر غسيل كفرنبل الوسخ“، حيث شنت هذه الصفحات حملة من الانتقادات بسبب قيام رئيس “إغاثة المجلس” بتصوير مواطن منشق عن النظام وهو يتسلم السلة الإغاثية، ووضع الفيديو على صفحة المجلس المحلي كإثبات من المواطن على أنه منشق فعلاً، ما عدته الصفحة إهانة لهذا الشخص.

خمسة آلاف هو العدد التقريبي للعائلات في مدينة كفرنبل وفي أحسن الأحوال يصل إليها 1500 سلة غذائية، مما يعني أن هناك 3500 عائلة لم تحصل على سلة غذائية، وبين هذا ذاك تجد الكثير من الانتقادات الموجهة إلى الهيئات الإغاثية العاملة في المدينة. في المقابل هناك من يشيد بهذه الهيئات الإغاثية، ومنهم محمد الأحمد وهو منشق عن الشرطة وعاطل عن العمل (40 عاماً) حيث يقول: “لدي ثلاثة أولاد وكانت “الإغاثة القديمة” ترسل إلي السلة الغذائية شهريا إلى باب بيتي… كانوا مصدر مساعد لي ولأسرتي”.

أما محمود الهلال (40 عاماً) وهو ايضاً منشق عن قوات الشرطة وعاطل عن العمل يقول بعد تسلمه حصته من المساعدات “لقمة مغمسة بالدم… قاتلت بيدي حتى حصلت على سلة”.