اللاجئون السوريون بين إجازة العيد والهجرة العكسية
سيدة مسنة عند المعبر ورحلة العودة إلى سوريا تصوير أحمد عبيد
ليس لنا إلا وطننا، عشنا في تركيا لاجئين و ضيوفاً لعدة سنوات، وإن كانت الظروف ملائمة للعيش بأمان، فلن أعود إلى تركيا.
بدأ اللاجئون السوريون بالتدفق إلى تركيا مع بداية الثورة السورية. و تضاعفت أعدادهم بالتزامن مع تطور الأحداث و التصعيد الذي شهدته المحافظات و المدن السورية، ولا سيما مناطق الشمال. يبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا، مليونين و 957 ألف و 454 لاجئاً سورياً، حسب تصريح المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية في شباط/فبراير عام 2017.
قبل مدة ومع إقتراب عيد الفطر آنذاك، أعلنت إدارة معبر باب الهوى الحدودي عن إستقبال اللاجئين الراغبين بقضاء عطلة العيد في سوريا، و ذلك في الأول من شهر حزيرن/يونيو حتى آخر أيام شهر رمضان الموافق في 24 حزيران/يونيو. فعاد آلاف السوريين إلى بلادهم قادمين من تركيا، حاميلن أمتعتهم و الهدايا ومستلزمات الأطفال، مستعدين للإحتفال بعيد الفطر في سوريا.
وقد شهد المعبر الذي تشرف عليه حركة أحرار الشام الإسلامية، عدداً هائلاً من الزائرين ، حيث كان لإعلان محافظة إدلب “منطقة خفض توتر” و للتهدئة التي تشهدها المنطقة أثراً كبيراً لظاهرة العودة.
مدير معبر باب الهوى الحدودي ساجد أبو فراس كشف في مقابلة صحفية أن عدد السوريين الذين دخلوا من معبر باب الهوى خلال الفترة المحددة لدخول الأراضي السورية المحررة لقضاء إجازة العيد، بلغ 120 ألفاً و 732 مواطناً سورياً… و قد كان التنسيق عاليا جداً مع الجانب التركي لإستقبالهم، حيث تم توجيههم إلى الحافلات المجانية ، و قمنا بنقلهم إلى صالات الهجرة و الجوازات لتسجيل حركة الدخول و الخروج و إعطائهم موعد العودة حسب اختيار كل زائر ، و قد إنحصرت مدة العودة بين 3 تموز/يوليو حتى 30 أيلول/سبتمبر. وقمنا بمراعاة عودة الطلاب والموظفين ومعلميّ المدارس في تركيا، و إعطائهم أدواراً تتناسب مع أعمالهم”.
أبو فراس الذي نصّبته حركة أحرار الشام في موقعه، ينفي ما أشيع عن نية الجانب التركي منع أعداد من السوريين من العودة إلى تركيا، مؤكداً أن لا صحة لهذا الأمر على الإطلاق ، و أن جميع السوريين الذين دخلوا في فترة العيد سيعودون إلى الأراضي التركية مرّةً أخرى عن طريق معبر باب الهوى.
عبدالله (28 عاماً) لجأ إلى تركيا منذ أربع سنوات، وقد أُتيحت له الفرصة للعودة إلى قريته معرطبعي، و قضاء عطلة عيد الفطر مع من تبقى من أسرته هناك، يقول عبدالله: “هذه زيارتي الأولى إلى سوريا منذ أربع سنوات، فأثناء إشتداد المعارك في إدلب لجأت إلى تركيا بصحبة زوجتي… و عند صدور قرار معبر باب الهوى بالسماح للراغبين بقضاء عطلة العيد في سوريا بالعبور و العودة من جديد، وجدتها فرصة مناسبة لزيارة من بقي من عائلتي، و ليتعرفوا على طفلتي التي لم يسبق لهم رؤيتها إلا من خلال الصور”.
ويضيف عبدالله: “بالرغم من صعوية العيش في تركيا وتدني الأجور والرواتب، إلا أني سأعود إليها فور إنتهاء الإجازة، لأن الوضع الأمني غير مستقر في إدلب، و من المتوقع عودة القصف عليها في أي لحظة، كما أن فرص العمل فيها لا زالت محدودة “.
فيما تقول ندى من جهتها: “بعد غياب ثلاث سنوات، عدتُ إلى مدينة إدلب، و قد أنهيت جميع إلتزاماتي و قمت بتسليم منزلي الذي أسكنه في تركيا، متخذةً القرار بعدم العودة إليها مرةً أخرى. فبالرغم مما تقدمه تركيا للاجئين السوريين، إلا أننا لا نستطيع العمل شهراً كاملاً، و الحياة شبه مستحيلة فيها، بسبب إرتفاع إيجارات المنازل وأسعار السلع الأساسية”.
تضيف ندى: “الراتب الشهري حوالي ألف ليرة تركية ، ولا يكفي لدفع إيجار المنزل وفواتير الطاقة ومصاريف الطعام، عوضاً إضافة إلى إحتيال السماسرة الذين نلجأ إليهم أثناء أي مراجعة للدوائر الرسمية. لذلك أُفضّل العيش فوق ركام منزلي الذي دمرته طائرات النظام على العودة للعيش في تركيا، يكفي أنني لن أُعامل في إدلب كالمتسولين”.
النسبة الأكبر ممن سنحت لهم فرصة العودة إلى سوريا خلال هذه الفترة، فقد عادت لرؤية الوضع العام ودراسة إمكانية العيش فيها. أبو رواد (42 عاماً) يقول: “أعيش في تركيا منذ خمس سنوات، سنحت لي الفرصة للمرى الأولى بالعودة إلى الأتارب مع عائلتي، لأرى الوضع الأمني فيها بعد إعلانها منطقة آمنة، في ظل هذا الهدوء الذي تعيشه، بعد أن كنت قد فقدت المل بالعودة”.
يتابع أبو رواد: “هذه الأيام التي أقضيها الآن في منزلي من أجمل أيام حياتي، بعد هذا الغياب الطويل، لكنني لم أتخذ قراراً بالبقاء في سوريا بعد، لأنني لم أجد فرصة عمل ملائمة أعيل من خلالها أُسرتي، فإن لم أجد فرصة عمل خلال فترة الإجازة المحددة سأعود إلى تركيا لأتابع عملي فيها”.
لم تقتصر فرصة الإجازة على أبناء الشمال السوري فقط ، فكان لأبناء ريف دمشق من اللاجئين نصيبا من العودة إلى الأراضي السورية أيضاً، لقضاء العطلة مع عائلاتهم التي تهجرت إليها مؤخراً. ومن هؤلاء فراس عليان (23 عاماً) الذي يقول: “أتيتُ إلى تركيا منذ ثلاث سنوات لمتابعة دراستي الجامعية فيها ، بعد أن توقفت عن الدراسة في دمشق بسبب الإعتقالات العشوائية، و قد أتيحت لي الفرصة بزيارة محافظة إدلب حيث تعيش عائلتي المهجرة إليها من داريا”.
يضيف فراس: “كان الدخول إلى الأراضي السورية بسيطاً جداً ، حيث يوجد مكان مخصص لتسيير شؤون الطلاب في صالات الهجرة والجوازات، حيث يتم منحنا مدة قريبةً تتناسب مع دوامنا الجامعي، فلم تستغرق عملية العبور أكثر من 25 دقيقة فقط ، و سأعود خلال اليومين القادمين إلى تركيا لأكمل عملية تعليمي”.
على قدمٍ و ساق، سارت الإجراءات على معبر باب الهوى الحدودي، لإستقبال عودة السوريين من تركيا خلال فترة الإجازة ، واليوم تسير هذه الإجراءات لتنظيم العبور العكسي.