الكردية من دورات سرية الى التدريس في مدارس القامشلي
فيان محمد
(القامشلي، سوريا) – عبد المجيد مهندس زراعي، لم تمنعه سنوات عمره الخمسين ولا الشيب الذي غزا شعره من الجلوس بجانب ابنته بيان (18 عاماً) على مقاعد الدراسة لتعلم الكتابة والقراءة باللغة الكردية. مثل الكثير من الأكراد السوريين، يتقن عبد المجيد تكلم لغته الأم، الكردية، لكنه لا يعرف كتابتها أو قواعدها، وذلك بسبب الحظر الذي كان يفرضه نظام “حزب البعث” السوري على تعلم هذه اللغة والملاحقة الأمنية لكل الذين يتعلمونها أو يعلّمونها.
ولكن منذ اندلاع الثورة ضد نظام الرئيس بشار الأسد وانحسار سيطرة النظام على المناطق الكردية، باتت دورات اللغة الكردية تنتشر في جميع أحياء مدينة القامشلي. وهناك العديد من الجهات التي تقوم بتنظيم هذه الدورات، مثل مؤسسة “نفل” على سبيل المثال وهي منظمة مستقلة تقوم بتعليم الكردية في مراكزها وفي المنازل. كما قامت الأحزاب الكردية المختلفة بإقامة دورات لكوادرها لتعلم الكردية.
ولكن تعليم اللغة الكردية في المدارس الحكومية واجه العديد من العقبات.
في السنة الدراسية الماضية، أعلنت “مؤسسة اللغة الكردية” التابعة لـ”حركة المجتمع الديمقراطي” التي تقوم بتأسيس بنية لحكم ذاتي في المناطق الكردية في سوريا أنها ستباشر بتدريس اللغة الكردية في مدارس القامشلي الحكومية. ولدى المؤسسة أكثر من 200 مدرس للغة الكردية في القامشلي يعملون بشكل تطوعي من دون مقابل. أما المنهاج الكردي الذي يُدرّس في المدارس الحكومية فيتألف من كتب ألفها مثقفون أكراد من سوريا وتركيا والعراق.
وتجدر الإشارة إلى أن قطاع التدريس في القامشلي تابع لمديرية التربية الحكومية، التي تحدد المنهاج وتدفع رواتب المدرسين.
يقول حسن أبو جودي الناطق بإسم “مؤسسة اللغة الكردية” إن الأخيرة نظمت دورات لكل الفئات العمرية لتعليم اللغة الكردية، مستفيدة من قلة الوجود الأمني للنظام السوري، “ثم أصدرت حركة المجتمع الديموقراطي قراراً في تشرين الأول (أكتوبر) 2012 بالشروع في تدريس الكردية في المدارس الحكومية في الأحياء ذات الأغلبية الكردية وتم إبلاغ مديري المدارس الرسمية بأننا سنرسل معلمين من المؤسسة ليباشروا الدوام الى جانب الكادر الإداري الرسمي.” وتضم هذه الشبكة 50 مدرسة ابتدائية و20 مدرسة إعدادية وثلاث مدارس ثانوية، حسبما قال الناطق باسم مؤسسة اللغة الكردية.
وبالفعل بدأ التدريس، إلا أن قراراً أمنياً صدر من شعبة حزب “البعث” عن طريق مديرية التربية بإغلاق هذه المدارس وبمنع كل المدرسين من متابعة دوامهم. ولكن معلمي اللغة الكردية أصروا على متابعة تدريس اللغة الكردية كما جنّدت مؤسسة اللغة الكردية متطوعين من طلاب الجامعات لتدريس المواد الأخرى.
محمود طالب معهد هندسي يتحدث عن تجربة التدريس خلال فترة الاغلاق ويقول إن الحافز الذي دفعه للتطوع لتدريس الرياضيات والفيزياء والكيمياء هو القيام بعمل كي لا يبقى الأطفال في الشارع ويستطرد قائلا: “أؤمن بأن من حق أي انسان ان يتعلم لغته الأم وتعلم لغات اخرى” لذلك فهو يؤيد تعليم اللغة الكردية.
زوزان أحمد مدرّسة لغة كردية في مدرسة الجولان في القامشلي تقول إن الكثير من الأهالي العرب وبعض الأكراد كانوا يمنعون أطفالهم من الحضور إلى المدرسة بعد قرار شعبة “حزب البعث”. نسرين مثال على ذلك. السيدة الكردية أم لثلاثة أطفال التزمت بالمنع الذي فرضته شعبة حزب البعث لأنها تعارض سياسة “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي” و”حركة المجتمع الديموقراطي”، كما تقول. أما بالنسبة للأهالي العرب، فإن الكثير منهم لم يرسلوا أولادهم إلى دروس اللغة الكردية خوفا من إجراءات أمنية من قبل شعبة “حزب البعث”، كما تقول زوزان أحمد. وقامت المدرّسة بالتواصل مع العديد من الأهالي العرب لإقناعهم بالعودة إلى المدرسة رغم قرار الإغلاق، إلا أنها لم تفلح.
وبعد 45 يوماً من قرار إغلاق المدارس توصل الطرفان، شعبة “حزب البعث” ومديرية التربية من جهة، و”مؤسسة اللغة الكردية” و”اتحاد المعلمين الكرد” التابَعين لـ”حركة المجتمع الديموقراطي” من جهة أخرى إلى اتفاق بينهما. وينص الاتفاق على عودة المدرسين إلى الدوام وضم حصص اللغة الكردية إلى المنهاج، بعد تقليص عدد حصص المواد الترفيهية مثل الموسيقى أو الرياضة أو الرسم. كما أن الطلاب ملزمون بالالتحاق بحصص اللغة الكردية.
حسن أبو جودي، الناطق بإسم مؤسسة اللغة الكردية، يرى أن سبب تراجع الطرف الحكومي عن قراره يعود إلى خوفه من خلق خلاف مع “حركة المجتمع الديموقراطي” وفتح جبهة مع “حزب الاتحاد الديمقراطي”. ورفض مديرو المدارس العرب الإدلاء برأيهم عن هذا الاتفاق.
وتلاحظ معلمة اللغة الكردية زوزان أحمد أن الطلاب في السنة الدراسية الجديدة متحمسون لتعلم الكردية أكثر من العام الفائت، لا سيما بعد الاتفاق بين الطرف الحكومي والأكراد. وتقول أحمد إن الطلاب يجدون متعة في تعلم الكردية، حتى الأطفال العرب والمسيحيين، وهم من أصول آشورية أو أرمنية. ناصر طفل في الصف الثالث ذو أصول عربية يتعلم الكردية منذ السنة الماضية ويقول: “أحب تعلم الكردية كي استطيع التحدث مع اصدقائي وأفهم ما يتحدثون به”.
وتخطط “مؤسسة اللغة الكردية” لمشروع جديد لنشر اللغة الكردية ليس في القامشلي فقط، بل في كل المنطقة الكردية في سوريا. فقد أعلنت عن تأسيس أكاديمية لتعليم اللغة الكردية في المدينة لتأهيل كادر تعليمي أكبر.