القامشلي تعاني أزمة ماء وكهرباء
بختيار حسن*
يعيش سكان القامشلي في وضع أمني وسياسي مستقر بعد انسحاب الجيش النظامي من المدينة وتمكن القوى الكردية من بسط نفوذها. ولكن يعاني سكان المدينة ، الواقعة شمالي شرقي سوريا، من سوء الخدمات العامة لا سيما في مجالي الكهرباء والماء التي بدأت تتفاقم قبل سنة تقريباً. فلا تتوفر الطاقة في معظم ساعات النهار. وتنقطع الكهرباء لسبع ساعات متواصلة، لتتوفر بعدها ساعتين أو أقل. وأحياناً تمر أثنا عشرة ساعة، لا يرى فيها سكان بعض الأحياء في القامشلي الكهرباء بتاتاً، كحارة الطيّ، وقدوربك.
وتعتمد القامشلي على الآبار وعلى سد الصفوان شرقي القامشلي في توفير الماء للسكان. ومع انقطاع الكهرباء، تتوقف أيضاً المضخات عن العمل. نقص الوقود وسرقة المولدات الكهربائية الموجودة في محطات المياه من قبل لصوص، تساهم أيضا في تفاقم أزمة مياه الشرب بالقامشلي بحسب ما أفاد معاذ عبد الكريم رئيس “البلدية الشعبية” في القامشلي، التابعة “لحركة المجتمع الديموقراطي” الكردية. كل أحياء المدينة متضررة ولكن بنسب متفاوتة. بقيت الماء مقطوعة كلياً عن بعض الأحياء حوالي شهر ونصف بشكل متواصل كما حدث في حي قدوربك. وتُعاني أحياء أخرى من شحّ المياه بشكل جزئي، حيث يتدفق الماء في أنابيب الشبكة مرتين أو ثلاثة في الأسبوع، كحي العنترية وقناة السويس والطي وميسلون. وهي اليوم مقطوعة بشكل كامل عن حي الوسطى حيث مركز العيادات الطبية والمحال التجارية.
ويرجع هذا التفاوت في توزيع مياه الشبكة على الأحياء إلى مدى انقطاع التيار الكهربائي وعدد الآبار ونوعيتها التي تعتمد عليها هذه الأحياء. فهناك آبار غزيرة وأخرى ضحلة، كما هناك آبار جفت أو تضررت بسبب الردم. يضاف إلى ذلك عامل الارتفاع عن مستوى سطح البحر بحسب ما قال محمد أوسىعضو لجنة الماء في “البلدية الشعبية” بالقامشلي.
وتبلغ حاجة محافظة الحسكة، التي تتبع لها القامشلي، 700 ميغا واط من الكهرباء يومياً، يأتي أغلبها من محافظة الرقة ودير الزور وحلب بالإضافة إلى محطة كهرباء السويدية، الواقعة شرقي القامشلي، والتي تبلغ طاقتها الإنتاجية 150 ميغاواط يومياً. أما اليوم فلا تستطيع إنتاج سوى 90 ميغا واط يومياً من حاجة المحافظة بسبب توقف الكثير من آبار النفط في حقل رميلان، الواقع شرقي القامشلي، عن العمل حسب قول موظف في مديرية الكهرباء الحكومية في القامشلي الذي يفضل عدم ذكر اسمه. وتعتمد هذه المحطة في إنتاجها للكهرباء على الغاز المتدفق مع استخراج النفط.
ويقول الموظف في مديرية الكهرباء الحكومية في القامشلي إن سلسلة من الأعطال التي تصيب الشبكة بالقرب من محافظتي دير الزور والرقة هي السبب الرئيس لمشكلة الكهرباء في القامشلي وباقي المدن والقرى في محافظة الحسكة. ويقول المصدر أيضاً إن “مخربين”، على حدّ قوله، يتعمّدون ضرب الشبكة ويسرقون الكابلات والأبراج الكهربائية، كما قُتل أحد مهندسي المديرية من قبل مسلحين مجهولين أثناء جولة صيانة خارج المحافظة.
وتقول رمزية محمد رئيسة “مجلس شعب” مدينة القامشلي الذي تأسس منذ سنة بمبادرة من”حركة المجتمع الديمقراطي” الكردية في مدينة القامشلي وريفها إن مؤسسة الكهرباء تتهرب من مسؤولياتها تجاه سكان المدينة. وتضيف محمد قائلة إنه في بعض الأحيان تستطيع المؤسسة زيادة ساعات الكهرباء إلا أنها لا تفعل وتتذرع بأجواء الحرب. برصوم برصوم عضو في حزب الاتحاد السرياني بالقامشلي يوجه بدوره أصابع الاتهام إلى المؤسسات الخدماتية التابعة للنظام ويرى أنها لا تقوم بمهامها كما يجب.
وينعكس انقطاع التيار الكهربائي والماء على الحياة اليومية في القامشلي. فقد أصبح سعر ربطة الخبز 75 ليرة سورية بعد أن كانت 15 ليرة قبل بداية أزمة الكهرباء. ويعود ارتفاع سعر الخبز إلى اعتماد المخابز على مولدات كهربائية خاصة، يضاف إلى ذلك ارتفاع سعر الطحين. وقد عاد بعض الناس في القامشلي وريفها إلى صناعة الخبز على التنور أو الصاج وإلى استخدام مصابيح الكاز للإنارة في الليل. وقد تحولت البرادات في معظم المطابخ إلى خزانات ولم تعد تصلح لحفظ الطعام أو تبريد الماء.
وقد اشترت العديد من العيادات الطبية والمخابر وكل المشافي في القامشلي مولدات كهربائية لتتمكن من تشغيل الأجهزة الطبية ومتابعة عملها. ورغم أنّ نقابة الأطباء السورية لم تعلن أي زيادة في سعر المعاينة بعد الأزمة إلا أنّ بعض الأطبّاء في القامشلي، رفع السعر بنسبة 35 بالمئة، وأطباء آخرون ما زالوا يعملون على التسعيرة القديمة مراعاة لأوضاع الناس المادية، كما قال طبيب رفض الكشف عن اسمه.
ولا يستطيع أغلب سكان القامشلي شراء المولدات الكهربائية لإرتفاع أسعارها واستهلاكها الكثير من الوقود. ويصل سعر المولد الذي يستطيع تشغيل البرادات والمكيفات إلى أكثر من 230 ألف ليرة سورية وهو ما يُعادل متوسط الدخل السنوي للموظف السوري. ويقول الموظف إلياس أفرام أنه لا يستطيع شراء مولد، ليس لغلاء سعره فقط، وإنما لاستهلاكه الكثير من الوقود أيضاً. ويقول مواطن آخر أنه لا يشغّل مولده لعجزه عن شراء المازوت.
وفي ظل أزمة الماء التي تعيشها القامشلي يعتبر السكان الذين يملكون آباراً محظوظون لأنهم يستطيعون الاعتماد عليها في توفير حاجتهم من الماء. ومن لا يملك بئرا فهو يسحب الماء من جيرانه مجاناً عن طريق الخراطيم أو النقل بالأواني الكبيرة، كما تفعل إزدهار (38 سنة)، في حي قدوربك، التي تجلب مياه الشرب والغسيل لعائلتها المكونة من 6 أشخاص من بيوت الجيران ثلاث مرات يومياً.
ويكلف حفر بئر بعمق 80 متر حوالي 150 ألف ليرة سورية. لذلك فإن ظاهرة حفر الآبار الجديدة محدودة الانتشار في القامشلي ويلجأ إليها بشكل خاص أصحاب المشاريع الاقتصادية والعديد من المستثمرين في مجال العقارات والشقق السكنية مثل أبو آزاد الذي حفر بئراً بجانب بنايته في حي السياحي في وسط المدينة، لتأمين المياه لسكان البناية.
ولا تخضع الآبارالجديدة لفحص مخبري للتأكد مما إذا كانت مياه البئر صالحة للشرب أم لا. وسجّلت بعض العيادات والمشافي حالات تسمم جماعي، لا سيما بين الأطفال، كما أفاد أخصائي الأطفال الطبيب موسى داوود، الذي رجّح أن يكون تلوّث الماء هو سبب هذه التسممات بالإضافة إلى عدم غسل الخضروات والفواكه نظراً لقلة الماء.
ويقوم سكان بعض الأحياء التي تعاني من انقطاع تام للماء إلى شراء ماء من الصهاريج، كما يفعل الطبيب موسى داوود، الذي تقع عيادته في حي الوسطى. ويقول موسى إنه أحيانا ً يجلب الماء من البيت بأواني كبيرة أو يشتري الماء من الصهاريج.
ولم تستطع البلدية الحكومية في القامشلي من معالجة أزمتي الكهرباء والماء في المدينة. فلا يتوفر لديها ميزانية لشراء الوقود الضروري لتشغيل مولدات الكهرباء أو إجراء عمليات صيانة حسب تصريحات البلدية الرسمية. وتقوم الجهات الحكومية بتوفير بعض صهاريج الماء للأحياء الأكثر تضرراً من انقطاع الماء من وقت لآخر. وتقول إزدهار التي تسكن حي قدوربك، أحد أكثر الأحياء تضرراً بأزمة الماء، أنها لم ترَ هذه الصهاريج سوى مرة واحدة منذ 3 أشهر.
وقالت نهلة التي تعيش في حي الطي ذي الغالبية العربية أنها تحدثت عبر الهاتف مع مؤسسة المياه في القامشلي وطلبت إرسال صهريج ماء إلى الحي، فردت المؤسسة عليها بأن الصهاريج معطلة.
وقد نشأت خلال الأشهر الماضية في القامشلي “بلديات بديلة” تقوم جزئيا بمهمات البلدية الحكومية. فقد تشكلت “البلدية الشعبية” التي تمّ تأسيسها من قبل “مجلس شعب القامشلي” تنشط في الأحياء الستة ذات الغالبية الكردية. ويتم تمويل “البلدية الشعبية” من قبل “حركة المجتمع الديمقراطي” الكردية. والبلدية الشعبية عضو في “مجلس شعب القامشلي”الذي أُسس بدوره من قبل “حركة المجتمع الديموقراطي” والذي يضم ممثلين عن الأحياء الكردية في المدينة والقرى الكردية التابعة لها.
وقامت “البلدية الشعبية” في القامشلي بشراء ست مولدات تعمل على المازوت لتوفير الكهرباء للأحياء الكردية في المدينة ولكنها لم تُشّغل بعد بسبب عدم توفر كابلات التوصيل كما يقول معاذ عبد الكريم رئيس البلدية. كما اشترت “البلدية الشعبية” من ميزانيتها مولدات كهربائية مخصصة لضخ الماء من آبار واقعة في أحياء كردية.
“هيئة السلم الأهلي” مثال آخر لنشوء “بلديات بديلة” في القامشلي. تأسست الهيئة التي تركز في عملها على الأحياء المسيحية منذ سنة تقريباً وتضم ممثلين عن كنيسة السريان الأرثوذكس و”حزب الاتحاد السرياني” و”المنظمة الآشورية الديمقراطية” و”التجمع المدني المسيحي” وحزب سورية الأم” ومستقلين. وقامت الهيئة بجمع تبرعات من أنصارها وشراء مولدات كهربائية لإنارة الأحياء، والشوارع التي يقطن فيها السريان والكلدان والآشوريين.
وريثما تتمكن “البلديات البديلة” من توفير الطاقة لأحياء القامشلي وحل أزمتي الكهرباء والماء، يبحث سكان المدينة عن حلولهم الفردية. تحاول إزدهار إقناع والدها وشقيقها بشراء مولد كهرباء صغيرة لتتمكن من تشغيل الدينمو وضخ الماء من الشبكة إلى خزان بيتها.
*بختيار حسن اسم مستعار لصحافي يعيش داخل سوريا