القاتل يقتل بحسب الشرع الذي يقضي بتعليق العقوبة أيضاً
لم تكن منال (30 عاماً) لتتوقع أن زوجها سيموت على أيدي اللصوص، لأن الحرب هي السبب الأول للموت في سوريا. لا تعرف منال بماذا تجيب ابنها كلما سأل: “لماذا تأخر بابا يا ماما؟ لماذا لم يعد الى البيت لغاية الان؟” فارس زوج منال كان مع شريكه رجب في طريق عودتهما إلى كفرنبل ليلة الخميس 8 تشرين الأول/أوكتوبر 2015.
رئيس النيابة في المحكمة الشرعية التابعة لأحرار الشام في كفرنبل محمود دندوش ( 45عاما) يقول “فور سماعنا بنبأ الجريمه حضرنا الى المكان، فوجدنا المجني عليه فارس وقد فارق الحياة، بينما كان شريكه رجب مصاباً وينزف بشدة، وعثرنا على مسدس مرمي على الارض، بالإضافة إلى عدد من الطلقات الفارغة. تم إسعاف الجريح الى المشفى ولكنه توفي قبل ان نأخذ إفادته بشأن الجريمة”.
بعد تحقيقات استمرّت نحو 3 أشهر تقريباً، تمكنت القوى الأمنية من كشف الجناة منفذي الاعتداء، وذلك بعد التحقيق مع المشتبه بهم. تبين بحسب دندوش أن منفذي الهجوم خمسة أشخاص، ولبعضهم سوابق في النصب والاختلاس. وحسب افادة المتهمين الهدف كان السرقة لا القتل، والعمليه بأكملها كانت من تخطيط المدعو أبي رجب.
محكمة أحرار الشام او ما يسمى الهيئة الشرعيه قوة تفرض هيبتها وسلطتها على الأرض في كفرنبل وما حولها. ولها عدة فروع في إدلب وريفها فبالاضافه لكفرنبل لديها فروع في إدلب المدينه، والمعره، والدانه شمال إدلب، واحسم، معرة مصرين، اطمه، بالإضافة لبنش حيث مقرها الرئيسي. كما يوضح دندوش “أن محكمة الهيئة الشرعيه أو أحرار الشام عبارة عن ائتلاف بين عدة فصائل وهي أحرار الشام، صقور الشام، فيلق الشام. وتتكون سلطة المحكمه التشريعية العليا من رئيس المحكمه، ورئيس النيابة وهو المسؤول عن نقل الملفات وتنفيذ القرارات وإدارة التحقيق، القاضي الشرعي، وعادة يكون معه شهاده جامعيه في الشريعه الإسلاميه بالاضافه إلى القاضي المدني، وهو عبارة عن محامي مدني يحمل أجازه جامعيه في الحقوق.
المحقق في الهيئة الشرعية ويدعى جميل يقول: “ان محكمة جبهة النصرة في معرة النعمان لم تتدخل بالقضية نهائيا، وذلك لوجود مواثيق تنص على أن القضية التي يتم توليها من قبل محكمة الأحرار، لا يحق لمحكمة الجبهة التدخل بها والعكس صحيح. وأن الذي يحدد تولي احد الطرفين التحقيق في شكوى أو قضية معينه هم أصحاب الحق عندما يقررون تقديم شكواهم أما لهذه المحكمه أو تلك”. ويعتقد جميل “أن محكمة الاحرار باتت الأقوى شعبية وسلطة بين المحاكم في المنطقة”. مع اعترافه بوجود تقارب في الحكم بين هذه المحاكم وذلك أنها تستمد أحكامها بأغلبها من القرآن الكريم والسنه النبوية في جميع القضايا التي تعرض عليها”.
القاضي الشرعي في محكمة الهيئة الشرعية الشيخ ابراهيم (35عاماً) يوضح مسألة الأحكام التي تصدرها محكمته، ويضرب مثلاً على ذلك “حكم السارق، الذي هو بالأساس قطع اليد في حال كانت البلاد في عيش مستقر بدون حرب، ولكن في حالة وجود الحرب وعدم الاستقرار والمجاعة كما في بعض المناطق في بلادنا حاليا، فإن الحكم لا ينفذ لانتشار الفقر والعازة الشديدة وذلك اسوة بالرسول محمد الذي امتنع عن إقامة الحد في احدى الغزوات بسبب وجود الحصار حينها”.
ومن جهته يؤكد دندوش “أن دار القضاء التابعه للجبهة في معرة النعمان لم تنفذ كذلك أي حكم بقطع يد أي سارق لغاية الآن”. وفي هذا الإطار تندرج رواية جابر( 22 عاماً) من قرية كفروما الذي سرق دراجة نارية من أحدهم، وحين وصل إلى قرية مجاوره قام بعض الأفراد من القوى المسلحة باعتقاله وسلموه لمحكمة دار القضاء في المعرّه، فقاموا بحبسه بعد أن ردوا الدراجه الناريه لأصحابها المشتكين. ويقول جابر “أبلغوني أنهم سيسجنونني ريثما آخذ دروساً شرعيه في أهمية تحريم السرقة والاعتداء على أملاك الغير، وإلى أن أتفقه في الدين كي لا أعود إلى السرقة مجدداً، وأخذوا منّي وعداً بعدم العودة للسرقة مجدداً، وعند انتهاء مدة شهرين، وبعد أن شعرت بالندم فعلا بسبب الدروس الدينيه التي تلقيتها أفرجوا عني بكفالة وتعهد بعدم عودتي للسرقة “.
أما في حالة جريمة قتل فارس وشريكه رجب فالأمر مختلف، والجريمه مختلفه لأنها ضمت بالاضافه للسرقه جريمة قتل، وهذه حكمها يختلف وفق الشرع. الشيخ ابراهيم يوضح حكم الشرع في هذه الجريمة قائلاً: أن حكم القاتل عمداً هو أن يقتل أيضاً، ويسوق دليلا من القرآن الكريم (يا أيها الذين امنو أ كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمه فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم ترحمون). والتفسير بحسب الشيخ إبراهيم “أن القاتل عمداً جزاءه القتل أيضاً، فالجزاء من جنس العمل بشرط أن يكون القاتل متعمدا للقتل وليس خطأ أو صدفة. سواء كان ذلك القاتل رجلاً أو امرأة إلّا إذا عفى أهل المجني عليه عن قاتل ولدهم أو قريبهم،
فيدفع القاتل وأهله مبلغاً من المال مقابل دم ذلك القتيل”. ويضيف “أن الغاية من تنفيذ الحكم هي منع استهتار الناس بأرواح الآخرين، وبالتالي المحافظه عليها. وتتجلى تلك الغايه والمعنى في آخر الآيات التي تقول (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)أي لكم في الاقتصاص من الجاني وتنفيذ العقوبة حياة مستقرة وآمنه يا أصحاب العقول السليمة، لأنه يردع الآخرين عن تكرار مثل هذه الجريمة ولأنه يسقط الذنب عنه بمجرد تنفيذ الحكم عليه، وبالتالي لا يعذبه آلله بسبب ذنبه مرة أخرى في الحياة الاخرة وذلك حسب الشرع الإسلامي” .
وهكذا يكون الحكم بحسب الشيخ ابراهيم في قضية مقتل فارس ورجب بالإعدام بحق من قام بهذه الجريمة الشنيعة. خاصة وأن منفذي الاعتداء حالتهم المادية جيدة ولا يشكون الفقر. إلّا إذا عفى أهل القتيلين عن الجناة. إلّا أن والد المغدور فارس أكّد انه يريد القصاص لابنه من الجناة. من جهتها والدة الجاني محمود والمتهم بالتخطيط للعمليه لا مانع لديها بأن تطال العقوبة ولدها إذا ثبت تورطه فعلاً بهذه الجريمة الشنيعة. وهو موقف يحمل نوعاً من عدم الثقة فعلا بأن ولدها هو المرتكب.
أيمن (45 عاماً) من كفرنبل يقول “إذا لم تنفذ المحكمة الحكم بالمجرمين فسوف تفقد ثقتنا جميعا بها”. يعتقد أيمن “ان القتلة يستحقون عقوبة الاعدام لأنهم تسببوا باليتم لأربعة أطفال وترميل امرأتين”.
الشيخ أحمد من كفرنبل يقول “لقد كنت شاهدا على حادثة مماثلة في منتصف العام 2015 في قرية حزارين جنوب غرب كفرنبل، حيث أطلق أحدهم النار على ابن خالته أثناء مشاجرة ساخنه بينهما وأرد اه قتيلاً. حينها استلمت جبهة النصرة القضية والحكم فيها بطلب من أهل المغدور حيث رضي أهل القتيل بالديه أي المبلغ المالي، مقابل ترك الجاني حياً”. وعن كيفية تأمين المبلغ يقول أبو عمر من حزارين أن أهل القاتل باعوا كل ما يمتلكون من أراضي زراعيه إلى أن وصل المبلغ إلى 25 مليون ليره سورية وهو المبلغ المتفق عليه بين الطرفين “.
بالنسبة لعدم تنفيذ الحكم بحق من قتل فارس وورجب، يوضح دندوش وهو رئيس النيابة في المحكمة الشرعية التابعة لأحرار الشام في كفرنبل “أن التأخير في التنفيذ الحكم سببه عدم تمكّن المحكمة من استرجاع كامل المبلغ المسروق من ذهب ومصاغ لإعادته لأصحابه. مع الأمل في أن يغير أهل المجني عليهم رأيهم ويرضون بالديه أي المبلغ المالي فقط” . ويؤكد “أن غرفة الجنايات التابعة للمحكمة ستنفّذ الحكم في هذه القضية”.
ويؤكد دندوش أنه لم يتم حتى الآن تنفيذ أي حكم شرعي كقطع يد سارق أو إعدام قاتل، لا عند محكمة دار القضاء التابعه للجبهة في معرة النعمان ولا في محكمة الهيئة الشرعية التابعة لأحرار الشام في كفرنبل أيضاً، وذلك تطبيقا لشرع الإسلام الذي يقضي بعدم تطبيق الأحكام في حال كانت البلاد في حرب وعدم استقرار. وبالتالي حتى لا يتسبب الحكم بظلم أحد من الناس، وأغلب المعتدين يتم إخضاعهم لدورات شرعية اسلامية داخل السجن حسب نوع الاعتداء، إلى أن يتم الإفراج عنهم بعد تعهدهم بعدم العوده لذلك الذنب ثانية”. ويختم دندوش حديثه قائلاً : “بالرغم ان المجرمين يستحقون العقوبه الا أن النظره التسامحيه التي يتمتع بها أهالي كفرنبل وما حولها قد طغت على كل شيء في منطقتنا”.
بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي