الفنانون التشكيليّون يتطلعون إلى مزيد من الرعاية

جان بلند

كثرت المعارض حول العالم التي تستضيف أعمال الفنانين التشكيليين السوريين منذ بداية الأحداث في سوريا، فتوزّعت أعمالهم على صالات العرض في بيروت والقاهرة ومدن خليجية بالإضافة إلى عواصم غربية. إلا أن هذا الاهتمام العالمي بنتاج الفن السوري يخفي واقعاً صعباً وهو أن سوريا لم تعد تتسع لهذا الفن.

قد يرى البعض في الحديث عن الفن في سوريا نوعاً من الترف النخبوي في ظل الأحداث الدموية التي تعصف بالبلاد منذ قرابة العامين، ولكن الواقع أنّ ثمة شريحة أساسية من المجتمع السوري، أي الفنانين، تشعر بالقلق حيال مستقبلها.

من معرض فني بعنوان "سورية الصمود والكرم" رعته وزارة الثقافة العام الماضي – الموقع الرسمي لوزارة الثقافة السورية
من معرض فني بعنوان “سورية الصمود والكرم” رعته وزارة الثقافة العام الماضي – الموقع الرسمي لوزارة الثقافة السورية

“أتمنى أن يكون لدينا نقابة حقيقية مستقبلاً تقوم بدورها الفاعل في… تسهيل عمل الفنانين في عرض أعمالهم محلياً وعالمياً والتواصل مع الجهات الداعمة وتحمي الفنان في التعبير بحرية عن أفكاره،” يقول الفنان سلطان صعب، الذي يقيم حالياً في دولة الإمارات العربية.

تحولت منذ عامين “نقابة الفنانين التشكيليين” في سوريا إلى هيئة جديدة هي “اتحاد الفنون التشكيلية”، كان من المفترض أن تكون أكثر قدرة على خدمة الفنانين عبر تجديد أنظمتها الداخلية، إلا أن الكثير من الفنانين الذين تحدث إليهم موقع “دماسكوس بيورو” قدموا الإنطباع أنه لم يتغير الكثير إلا إسم الهيئة. إذ لا زال الفنانون محرومين من الضمان الاجتماعي والراتب التقاعدي، واقتصر دور الاتحاد على تنظيم صناديق لجمع التبرعات للإيفاء بحاجات الفنانين الطارئة، مثل صندوق الوفاة الذي يغطي تكاليف دفن الفنانين. لا يزال الفنانون يأملون أن يقوم الإتحاد بدور فعال لمساعدة الفنانين في سوريا في نيل الدعم المالي من الدولة لإقامة المعارض.

إلا أن الدعم الحكومي لا يأتي من دون سلبيات تتعلق بإحكام سلطة الدولة على الفن.

“لا أنكر أن الحكومة السورية قدمت العديد من المساعدات للفنانين من ورشات عمل ومراكز الرسم، ولكن كان هذا ضمن حدود بعض الجهات التابعة للنظام مثل حزب البعث، مما ألغى دور الكثير من الفنانين،” تقول الفنانة روان أبو سعدة المقيمة حالياً في بيروت. “أريد من حكومة بلدي إعطاء الفنان الحرية في اختيار الموضوع الذي يرغب برسمه وتقبله واحترامه، بدءاً من دعم الأطفال المبدعين في المدارس، وصولاً إلى الجامعة ودخول الفنان في سوق العمل.”

في ظل وجود ملفات إنسانية وسياسية ملحة في سوريا، لم يبرز إلى الآن من جانب قوى المعارضة أي تصور مستقبلي لملف الفن والثقافة.

“الفن السوري سيأخذ هويته الخاصة وطابعه المميز مستقبلاً من دون رعاية أي حكومة حالية أو مستقبلية،” تقول الفنانة إليس الخطيب التي تقيم داخل سوريا. “فعلى الرغم من رداءة الأوضاع استطاعت الثورة أن تفتح أبواباً لإنتاج أعمال فنية ذات قيمة وأهمية لافتة لكشف ما يدور في سوريا اليوم على الصعيدين السياسي والإنساني من أوضاع مزرية.”

هل تسد المنظمات الدولية الفجوة؟

يقول بعض الفنانين خارج سوريا أن وضعهم ليس أفضل حالاً عما كان عليه عندما كانوا في سوريا، إذ أن الكساد الإقتصادي في السنتين الأخيرتين أعاق تسويق أعمالهم. غير أن بعض هؤلاء يذكرون أنهم يستفيدون من دعم محدود تقدمه مؤسسات عربية ودولية ترعى الفن، مثل مؤسسة “آفاق” ومركزها في بيروت ومؤسستي “المورد الثقافي” و”أضف” في القاهرة، ومؤسستي “هنريش بول” الألمانية و”هيفوس” الهولندية اللتين تغطي نشاطاتهما الشرق الأوسط.

هل سيكون للمؤسسات المماثلة دور فعال داخل سوريا في حال سقوط النظام الحالي؟ التعاون الدولي أصبح واقعاُ لا يمكن تجنبه خصوصاً في مجالات المعرفة والثقافة، يقول الفنان التشكيلي مجيد جمول، الذي شغل سابقاً عدة مناصب أساسية في وزارة الثقافة.

“لا يمكن إلاّ أن نكون على تواصل مع… المؤسسات الدولية مثل “اليونيسكو” و”الأوسكوا” أو “منظمة الثقافة والفنون العربية”،” يقول جمول. “دورها كلها هام في دعم الثقافة ونشرها ولكن القرار (بالتعاون) يبدأ من المنظمات والمؤسسات الوطنية التي يجب أن تكون جاهزة ومهيئة بأرفع المستويات المهنية.”

يقلل جمول أيضاً من خطر وقوع الفنانين تحت سيطرة الممولين الأجانب، إذ يظن النحات السوري أن الفنانين السوريين قادرون على إسقاط أي قيود من خلال إبداعهم، على الرغم من أن “من يمول يطلب ويملي بشكل ما رؤيته،” كما يقول.

“لا خوف من تقليص مساحة الحرية، فقد وجد الفنانون في كل أدوار التاريخ أساليبهم للإنعتاق من إملاء الممولين،” يضيف جمول.

ويبقى رهان جمول على دور هيئات وطنية فاعلة في حماية استقلالية الإبداع الفني: “ثقافات الشعوب لا تؤسر أو تجّير في حال وجود حماة من المبدعين على رأس المؤسسات الوطنية.”