الغرف المقنطرة بديل النازحين عن الخيام
مشروع البيوت المقنطرة في إدلب تصوير مريم محمد
بشغف يشوبه بعض القلق يصعد مصعب الأمون إلى سطح البناء الجديد الذي قام بإنشائه بالاشتراك مع إخوانه. يتوجب عليه اختبار مدى قدرة السطح على التحمل، وما إذا كان قادراً على تحمل الأوزان الثقيلة.
على السطح المنحني والمقنطر يخطو مصعب بخطوات ثابتة وحذرة، ومع تقدمه أكثر وإثبات السطح قدرته في حمله، تصبح خطواته أكثر ثقة ومتسارعة أكثر. انتهى الاختبار. السطح متين.
بدأ الأمون يقفز فرحاً بالخيمة الجديدة التي يعتبرها أكثر أمناً من الخيمة العادية التي عاش فيها أياماً قاسية لعدم قدرتهاعلى الوقوف في وجه الرياح وتسلل الأمطار إلى الداخل.
يتخوف النازحون على طول الحدود الشمالية لمحافظة إدلب مع تركيا من قدوم الشتاء كل عام، فيبدأون بصيانة الخيام المصنوعة من الأقمشة أو شعر الماعز مع بداية شهر أيلول/سبتمبر، من تمكين للأوتاد التي تربط الخيام، إلى حفر الخنادق بجوارها حتى لا تغرق بالمياه، وإغلاق الثقوب في الجدران جراء اهترائها من حرارة الصيف.
هذ الواقع دفع الكثير من النازحين وخصوصاً الذين نزحوا مؤخراً جراء العمليات العسكرية على ريفي إدلب الجنوبي وحماه الشمالي، دفعهم الخوف من عدم قدرة الخيام على حمايتهم من الشتاء، لابتكار أساليب جديدة في البناء وبأقل التكاليف الممكنة.
تظهر الغرف المقنطرة على أطراف البلدات والمخيمات التي تؤوي آلاف النازحين من مختلف مناطق أرياف إدلب وحماه وحمص ودمشق وحتى دير الزور والحسكة، ويعتمد بناؤها على ما يعرف محلياً بـ “البلوك” المصنوع من الرمل والإسمنت، ويبدو البناء على شكل شبه مستطيل، وما يلفت الانتباه السطح المنحني، الذي يعتمد على ارتكاز قطع البلوك على بعضها البعض ليغدو أكثر متانة.
يستفيض عامل البناء أحمد الزعتر (40 عاماً) وهو نازح من ريف إدلب الجنوبي، بالحديث عن طريقة البناء الجديدة.
ويقول الزعتر: “أمضيت عمري وأنا أعمل في البناء، وعندما رأيت صوراً للبناء الجديد استغربت جداً، جلست مع بعض أصدقائي ودرسنا كيفية العمل بها، وقررنا عندها صنع قالب جديد يتناسب مع انحناء السطح، وشرعنا بحملة دعائية على وسائل التواصل الاجتماعي لقدرتنا على البناء الجديد، وبدأت العروض تقدم لنا من الكثير من النازحين”.
ويضيف الزعتر: “أعتقد أن الفكرة ليست جديدة وإنما قديمة جداً، ولكن برزت الحاجة لها اليوم بسبب ظروف النازحين وحاجتهم إلى نوع جديد من البناء بأقل التكاليف الممكنة، ويوفر لهم قدرا لا بأس به لحمايتهم من العوامل الجوية صيفاً وشتاءً”.
يشبه مصعب الياسين (38 عاما) حاصل على درجة الماجستير بالتاريخ الإسلامي الغرف المقنطرة بفن البناء تاريخياً. يقول الياسين: “القوس عبارة عن امتداد صلب منحن لأعلى بين نفطتين تدعمانه، وظهرت عند الرومان، فاستخدموا القوس شبه الدائري على نطاق واسع في المدرجات والقصور، وفي العصور الوسطى حافظت العمارة البيزنطية والرومانية على القوس الدائري، كما طور المسلمون أنواعاً من الأقواس”.
وعن شكل ومتانة السقف وقدرته على تحمل الأوزان الثقيلة والعوامل الجوية يضيف الياسين: “بنى النازحون بيوتهم على شكل مقوس يرتبط بعضه ببعض بطريقة هندسية حيث ترتبط وتستند مكونات السقف ببعضها البعض مما يحدث نوع من التماسك والاستناد. أما الهيكل العام للبيت فجاء مستطيل الشكل يتراوح طوله من 6 إلى 10 أمتار وعرض من 4 إلى 6 أمتار وهذه الأبعاد توفر قدراً من التهوية الجيدة”.
مصطفى الأمون (45 عاماً) نازح من ريف حماه الشمالي، يقول: “عليك أن تختبر نفسك وتجلس في الخيمة في فصل الشتاء يوماً واحداً فقط، أعتقد أنك لن تمضي اليوم حتى ينتهي، هي السنة الثانية لي في هذا المخيم. قد عانيت كثيراً في الشتاء مع أطفالي وزوجتي، وعندما رأيت الخيمة الحجرية ذات السطح المقوس قررت بسرعة أنا أبني واحدة، لأنها لا تكلف نقوداً كثيرة، وتوفر لك حياة فيها قليلاً من الكرامة والدفء في الشتاء”.
سامر الرمضان (40 عاماً) نازح من ريف حمص يقارن بين التكلفة الاقتصادية للخيمة العادية المصنوعة من القماش وبين الغرف المقنطرة المصنوعة من البلوك، ويقول: “حالياً يبلغ سعر الخيمة الواحدة المصنوعة من القماش أو النايلون 60 ألف ليرة سورية (ما يعادل 100 دولار أمريكي)، بينما الغرف المقنطرة المبنية من البلوك تقدر بـ 100 ألف ليرة سورية (160 دولار)، لهذا من الطبيعي أن أختار سقف وجدران حجرية تحمي الأطفال من برد الشتاء وأمطاره، ومن حرارة الصيف”.
على الرغم على عدم قدرة الغالبية العظمى من النازحين على الإقدام على بناء الغرف المقنطرة بسبب عدة عوائق تقف أمامهم منها عدم سماح مالك الأرض لهم بالبناء لذلك عليهم شراء قطعة من الأرض للبناء ما يكلفهم تكاليف أخرى.
الغرف المقنطرة تبدو الحل الأمثل لكثير من النازحين بسبب ما توفره من حياة شبه طبيعية، وأصبحت تنتشر بشكل ملحوظ على أطراف المخيمات التي تؤويهم.