العودة إلى القرية الطينية للعيش وليس للسياحة
أحمد الشيخ (37 عاماً) خرج مع أسرته من ريف حماه قاصداً إدلب، كان آخر خيار أمامه أن يبني خيمة له ولأفراد عائلته إن لم يجد مكاناً يأويهم. ولكنه لم يضطر للخيار السيء بعدما وجد طريقه إلى القرية الطينية، حيث وجد فيها الراحة والأمان والسكن المناسب.
القرية الطينية، هذا المشروع الذي انطلق تحت شعار حياة كريمة للنازحين السوريين بتمويل من الهلال الأحمر القطري وتنفيذ مؤسسة بناء للتنمية، تضمن بناء 100 بيت من الطين توفر لساكنيها الإستقرار والأمان والخصوصية. المدير التنفيذي للمشروع أسعد الأبرش (42 عاماً) يقول: “تعد فكرة القرى الطينية المبتكرة والحديثة من أبسط الأفكار وأنجحها، فهي تمتاز ببساطة التكاليف وسرعة الإنشاء. إضافة إلى تميزها بالأمان والدفء وتأمين سكن يليق بكرامة الإنسان ويحفظ خصوصيته بغية التخلص من العيش في الخيام القماشية التي لا تحمي ساكنها من برد الشتاء أو حر الصيف، آملين أن ننهي معاناة النزوح وقسوة التشرد” .
ويلفت الأبرش إلى أن البيوت كلها بتصميم موحد مساحة وشكلاً، ومبنية بقوالب طينية مستمدة من البيئة الطبيعية في الداخل السوري. تبلغ مساحة البيت الواحد 36 متراً مربعاً، مقسمة إلى غرفتين ومطبخ وحمام بتكلفة قدرها 6100 ريال قطري للبيت الواحد. وقد تم إيواء نحو 100 أسرة نازحة في القرية .
آلية تنفيذ المشروع يتحدث عنها المهندس عامر الصدير (30عاماً) قائلاً:” قدم الهلال الأحمر القطري دراسة شاملة للمشروع بمساعدة مهندسين فرنسيين أكدوا نجاعة الفكرة وقلة تكاليفها مقارنة مع تكاليف الكرفانات (البيوت النقالة) التي تقدر كلفة الواحدة منها بـ 3500 دولار أميركي. لذلك بدأنا العمل بتاريخ الأول من آذار/مارس 2015، وأجرينا بداية عدة تجارب على عينات طينية لاختيار الأفضل والأنسب لتحمل الضغط المرتفع والعوامل الجوية. وأخيراً وصلنا إلى إمكانية صنع بلوك طيني مكون من الطين وبعض التبن ثم تم صقل الجدران من الداخل والخارج بطبقة إسمنتية لإعطائها متانة أكبر. أما أسقف المنازل فهي ألواح خشبية وفوقها طبقة طينية محمية بالنايلون” . ويلفت المهندس الصدير إلى أن القرية مخدمة بشكل جيد ففيها شبكة صرف صحي وخزان كبير يتغذى من بئر لتأمين المياه لجميع بيوت القرية. إضافة إلى إنشاء الشوارع الواصلة بين البيوت وترك مساحة ملائمة للعب الأطفال، ويتم العمل على تأمين مولد كهربائي كبير لتأمين الكهرباء لجميع البيوت .
وفي ما يتعلّق باختيار المستفيدين يقول الصدير: “طلبنا من المجلس المحلي ليقوم بالإعلان للراغبين بالسكن تقديم طلباتهم، ومن ثم تم تشكيل لجنة لدراسة الطلبات من أجل اختيار العائلات الأكثر تضرراً وفقراً. كما أمّن المشروع فرص عمل لعدد كبير من العمال موزعين بين صناع البلوك الطيني والبنّائين وعمال الصرف الصحي وغيرهم”.
سعيد (40 عاماً) نزح مع أسرته من الريف الحلبي قاصداً إدلب يقول: “أمام الحملة الشرسة التي يشنها النظام ضد ريف حلب مدعوماً بالطيران الروسي انعدم الأمان وأصبحت الحياة شبه مستحيلة، لذلك خرجنا هاربين بأرواحنا من الموت لنعيش في مخيم للنازحين. وأصبح كل ما نحلم به هو أن نعيش في بيت يحمينا وأولادنا من برد الشتاء القارس ومن الريح التي تعصف بخيامنا حتى نجد أنفسنا في العراء. ولكن عندما انتقلنا إلى القرية الطينية وجدنا فيها ما نصبو إليه”.
أم رائد (39 عاماً) أرملة وأم لثلاثة أولاد خرجت مع أولادها من ريف حماه بعد وفاة زوجها لتسكن في مدرسة مع عشرين عائلة، تصف رحلة المعاناة قائلة: “كان الوضع سيئاً جداً. انعدمت الخصوصية في حياتنا وهي تعد من أهم مقومات حياة الأسرة، حيث كان الحمام والمطبخ مشترك بين جميع العائلات. عانينا من قلة الماء، ما أدى إلى تفشي الأمراض المعدية التي تتعلق بالنظافة. بالإضافة إلى أنني لم أعد قادرة على ضبط أولادي الذين بدؤوا يتعلمون العادات السيئة كالتدخين كوننا نعيش مع أناس غرباء ينحدرون من بيئات متعددة ومختلفة في العادات والتقاليد والتربية. وبعد أن قدمت طلباً للحصول على منزل في القرية الطينية وتمت الموافقة عليه شعرت بالسعادة والاستقلالية حيث كانت جميع الخدمات متوافرة فيها .”
مدير المشروع أسعد الأبرش يعتقد:”أن تجربة النزوح جاءت صادمة ومؤلمة وفرضت على الأهالي ترك منازلهم والعيش حياة بدائية، وبدأ التشرد في حياتهم يرخي بوطأته الثقيلة على معيشتهم وعلى كرامتهم الإنسانية. لذلك نحاول التخفيف عنهم من مآسي النزوح ومتاعبه بزيادة عدد القرى الطينية لأنها سهلة الإنشاء ورخيصة التكاليف، آملين أن تنتهي معاناة السوريين بالتوصل لحل مبني على تطلعات الشعب وآماله”.
ويستهدف مشروع القرى الطينية بناء نحو 2200 بيت طيني، وقد تم إنجاز 100 بيت منها في مدينة سراقب التابعة لمحافظة ادلب، وسوف يتم بناء سلسلة من القرى الطينية في أماكن أخرى بناء على الدروس المستفادة من المشروع الحالي. وقد بلغت كلفة المشروع ما يزيد على 866 ألف ريال قطري، موزعة بين تكاليف بناء البيوت إضافة إلى تهيئة الأرض وإقامة البنى التحتية. وكان لهذا المشروع الاستراتيجي أثره الإيجابي على مستوى الاقتصاد المحلي، خصوصا بعد التعاون مع المجلس المحلّي الذي أعلن عن الحاجة لعمال وأصحاب ورش متخصصة في أعمال البناء لإنجاز هذا المشروع. وعمل فيه الكثير من العمال وأصحاب الورش المتنوعة، ما وفّر دخلاً لعشرات العائلات خلال فترة التنفيذ .
بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي