العلمانية تروق للبعض بعد خروج “داعش” من كفرنبل

هزاع عدنان الهزاع

(كفرنبل، سوريا) – ينتقد محمد السليم، وهو شاب من كفرنبل يدرس الأدب الفرنسي في جامعة حلب، ما يقوم به تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) في مختلف المناطق التي خرجت عن سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد.

لافتة رفعها ناشطون في كفرنبل ضد الاستبداد خلال الثورة – صفحة "لافتات كفرنبل المحتلة" على فيس بوك
لافتة رفعها ناشطون في كفرنبل ضد الاستبداد خلال الثورة – صفحة “لافتات كفرنبل المحتلة” على فيس بوك

يطمح السليم إلى بناء دولة إسلامية في سوريا، إلا أنه ينظر السليم إلى “داعش” على أنها تنظيم استخباراتي متطرف، ضل الطريق عبر سعيه إلى “ملاحقة الكفار في كل العالم”، ويضيف بانفعال: “إلى متى سنظل نجري خلف الكفار؟ متى سنبني دولة؟”.

في كانون الأول/ ديسمبر 2013، سيطرت “داعش” على مدينة كفرنبل الواقعة شمال غربي سوريا، والتي يتجاوز سكانها الثلاثين ألفاً، دون أي قتال يذكر، ودون أي نشاط دعوي أو حملة دعائية سابقة، كما أن عدد المقاتلين من أبناء كفرنبل في التنظيم كانوا قلة. ثم خرجت “داعش” من هذه المدينة، دون قتال أيضاً، بعد نحو أسبوع بعد ضغط من “الجيش الحر” وتدخل الوسطاء، ولكن هذه الأحداث أزكت نقاشاً حاداً بين سكان هذه المدينة حول شكل الدولة التي ينشدونها.

يغذي هذا النقاش نشاط دعوي سلفي بارز، يقوده أكثر من خمسة مشايخ عن طريق الدروس والمحاضرات في المساجد، وأحياناً عن طريق المنشورات. ترتبط هذه الأنشطة بـ “جبهة النصرة” و”الجبهة الإسلامية”، وهي تتمتع بدعم من مؤسسات دعوية خليجية.

أما التيارات الإسلامية الأخرى – ومنها “الإخوان المسلمون” – فحضورها أضعف.

قبل الثورة كان التيار الصوفي هو الأبرز، ولكن هذا التيار بشكل عام مؤيد للأسد، وبالتالي فلا يمكنه العمل في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ومنها كفرنبل.

يطمح السليم إلى “بناء دولة مدنية بنكهة اسلامية”، كما يسميها. في تصوره، يجب أن يختار الشعب الحكام، من رئيس الدولة إلى البرلمان إلى المجالس المحلية، عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، ولو لم يكونوا من المسلمين، ولكن بشرط أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع.

ويعتقد السليم أن الشريعة الإسلامية عادلة، مرنة، مناسبة لجميع العصور، وتضمن حقوق جميع المواطنين، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين. يقول أيضاً أن الاسلام يضمن حرية العقيدة، بالاستناد إلى سورة البقرة من القرآن الكريم التي يأتي فيها: “لا إكراه في الدين”.

تنظر رشا (22 عاماً)، وهي طالبة في كلية الحقوق في جامعة حلب، إلى “داعش” على أنها تنظيم جهادي مرتبط بالقاعدة، ولا تعتبرها هيكلاً لبناء دولة، لأنها تنظيم لا جنسية له.  وترى رشا أن “عصر قيام الدول بالسيف… والفتوحات انتهى”. وتطمح رشا إلى بناء دولة مدنية إسلامية، وتقول: “هذه الدولة لن تكون دولة دينية”.

يوافق عبد الله (23 سنة)، وهو طالب في كلية الهندسة الزراعية في جامعة حلب، على هذا الرأي. يضيف عبد الله أن هذه الدولة “المدنية الإسلامية” ستحافظ على الحريات العامة، وتحترم القانون، وتعمل على استقلال القضاء، وتراعي المواثيق الدولية.

لا يوجد أي نشاط سياسي علماني في المدينة، باستثناء بعض المقالات التي تنشر في المجلات المحلية.

مهندس الميكانيك أحمد (26 عاماً) من دعاة العلمانية، ويقول إنه لا يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية في سوريا نتيجة لوجود المسيحيين والعلويين والدروز وغيرهم. ولفت أحمد إلى أنه يقصد بالعلمانية فصل الدين عن الدولة، وليس اللادينية أو الإلحاد، كما يعتقد كثير من الإسلاميين. ويرى أحمد أن العلمانية هي الخلاص من القتل باسم الدين. ويقول: “أنا مسلم علماني… الدين لله والوطن للجميع”.

يقف إلى جانب أحمد مدرس اللغة الإنكليزية علي الامين (45 عاماً)، الذي يرى أن العلمانية لا تتناقض مع الإسلام وإنما تحميه. يعتقد  الأمين أنّ فصل الدين عن الدولة يحمي حق الجميع، ومن بينهم المسلمين، في ممارسة شعائر أديانهم، أو عدم ممارستهم أي شيء. الدولة التي يفضلها الامين “لا تتدخل في شؤون الناس الشخصية والمعيشية، فهم أحرار تماماً، لهم أن يلبسوا ما يشاؤون، وأن يصلوا كما يشاؤون”.

ويصف الأمين ما يوصف بأنه تضييق على المسلمين في بعض الدول الغربية على أنه نتيجة العنصرية، وليس العلمانية.

ويرى الأمين أن “المنهج العلماني منهج قرآني بامتياز، حيث أن أسس الدين مبنية على الاختيار الحر والاحترام المتبادل”.

وعلى رغم الاختلاف مع محمد السليم حول هوية الدولة المستقبلية في سوريا، إلا أن الأمين يردد الآية الكريمة نفسها لتدعيم فكرته، “لا إكراه في الدين”.

ويعتبر الأمين أن “النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من خط دستوراً مدنياً، هو صحيفة المدينة المنورة التي نظمت العلاقة بين المسلمين والمشركين والكفار واليهود والمسيحيّين”.

لكن إيمان، وهي تحمل إجازة في الحقوق، ترى أن العلمانية تتجه الى مرجعيات بعيدة كل البعد عن الدين، وهذا يتعارض مع الثقافة والشريعة الاسلامية، وهو ما سيقابل بالرفض في المجتمع “مجتمعنا المسلم”. وتضيف: “الإسلام دين وعقيدة ومنهاج حياة، يصلح لكل زمان، لأنه من عند خالق البشر، وهو أدرى بما ينفع المخلوقين”.

يؤكد ذلك خطيب مسجد التوبة في كفرنبل الشيخ محمد السويد (35 عاماً)، الذي يقول إن الديانة المسيحية ديانة روحانية لم تتضمن شريعة (فقهاً أو قوانين)، وبالتالي فالعلمانية تناسب أوروبا، أما الدين الإسلامي فلم يقتصر على الجانب الروحاني، وإنما تضمن “شريعة ألزمنا الله بتطبيقها”. ويضيف “الله ربنا وهو أعلم بما يصلحنا في كل زمان ومكان”.

يروق هذا الرأي لصادق (27 عاماً)، وهو طالب في كلية الشريعة الإسلامية في حلب. ولكن صادق ينادي بضرورة تحرر الدين الإسلامي من السيطرة التاريخية للفقهاء والعلماء، لا سيما وأن الاجتهاد توقّف في المذاهب السُنية الأربعة  في القرن الرابع الهجري الموافق للقرن العاشر الميلادي. يرى صادق أنه “يجب الخروج بمدرسة فكرية إسلامية عقلية وحديثة، تواكب حركة التاريخ، لكن دون الانحراف عن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة”.

مساعد الطبيب رامي علي الشيخ (37 عاماً) ينظر إلى “داعش” على أنها الدولة الإسلامية المنشودة من قبل غالبية المسلمين، ويصفها بأنها “نواة لدولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة”. ويقول علي الشيخ: “هذه الدولة لا تعترف بالحدود التي وضعتها اتفاقية سايكس-بيكو”. ويرى الشيخ أن بناء الدولة الإسلامية بالقوة هو الخيار الوحيد أمام المسلمين في هذا العصر، لأن “الغرب وعملاءه” لا يريدون لهذه الدولة أن تقوم. ويقول: “انظروا إلى مصر! ألم يصل الإسلاميون إلى السلطة عن طريق الديموقراطية؟ فلماذا انقلب عليهم الجيش؟… انظروا إلى فلسطين! ألم تصل حماس إلى السلطة عن طريق الديموقراطية؟ فلماذا وقف العالم كله ضدها؟”.