الطلاب في الرقة يعودون إلى مدارسهم

عبد الكريم جعفر

(الرقة، سوريا)“فرحت كثيراً بعودتي إلى مقاعد الدراسة. فقد اشتقتُ إلى رفاقي في الصف وإلى الحياة الدراسية”، يقول محمود (13 عاماً) طالب في الصف الثامن. عاد هذا الطالب إلى مدرسته التي تحمل اسم “المتفوقون” -وهي مدرسة حكومية خاصة بالطلاب المتفوقين في الدراسة- بعد انقطاع دام أكثر من ستة أشهر، أي منذ سيطرت المعارضة المسلحة على المدينة في 14 آذار/ مارس.

تلامذة أثناء خروجهم من المدرسة في الرقة.
تلامذة أثناء خروجهم من المدرسة في الرقة.

ورغم القصف الذي تعرضت له مدرسة “ابن طفيل” التجارية الحكومية في الرقة من قبل طائرات حربية تابعة للنظام صبيحة الأحد 29 أيلول/ سبتمبر 2013، فقد استمر محمود في دوامه مثل الكثير من التلاميذ الآخرين في المدينة. وكان طلاب مدرسة “ابن طفيل” قد اجتمعوا في ساحتها الأمامية استعداداً للدخول إلى الصفوف عندما أصيبوا بصاروخين أطلقتهما القوات النظامية، تسببا في مقتل 14 تلميذا.

ولكن هناك طلاب توقفوا عن الدراسة حتى “تهدأ الأوضاع”، على حد قول إحدى أمهات الطلاب الذين امتنعوا عن الذهاب إلى المدارس بعد قصف “ابن طفيل”.

أبناء خالة محمود جميعهم لم يلتحقوا بالمدارس منذ افتتاحها في أيلول إلى اليوم، بل استعاضوا عن ذلك بدورات خصوصية في البيت. تقول ريم العجاجي (35 عاماً)، والدة محمود: “أختي تخاف كثيراً، هي تعتبر ذهابهم إلى المدرسة انتحار!” وتضيف العجاجي قائلة: “أنا أيضاً أخاف على ابني محمود لكن عليه أن يتابع تعليمه وأطلب من الله أن يعينني على نفسي. لا يحدث إلا ما هو مكتوب علينا، وليست المدارس وحدها مستهدفة، فكل مكان في سوريا مستهدف”.

وكانت العملية التعليمية في المدينة قد توقفت بسبب اتخاذ مقاتلي المعارضة المدارس مراكز لهم بالإضافة إلى لجوء المئات من النازحين إلى مبان مدرسية أيضاً. وفتحت المدارس أبوابها من جديد بعد اتفاق حصل بين مكتب التربية في المجلس المحلي لمدينة الرقة من جهة ومديرية التربية من جهة أخرى التي تتبع وزارة التربية في الحكومة السورية في دمشق.

وتكفّل المجلس المحلي بإفراغ المدارس من الكتائب المتمركزة فيها وترميمها وإعادة توزيع اللاجئين على ست مدارس فقط كمراكز إيواء. في حين قدمت الوزارة الكتب ورواتب المعلمين المعلقة منذ خمسة أشهر. وقد استلم المعلمون رواتبهم في بداية تشرين الأول/ أكتوبر 2013 عن كافة الأشهر الماضية وذلك بذهابهم إلى دير الزور التي لا تزال خاضعة لسيطرة النظام السوري، حيث يتقاضى موظفو الرقة  رواتبهم في دير الزور عبر تنسيق بين محاسبي التربية في الرقة ونظرائهم دير الزور.

محمود (29 عاماً) مدرس في مرحلة التعليم الأساسي في الرقة يقول: “لم أستطع الذهاب إلى دير الزور خوفاً من السطوة الأمنية هناك، فجلب أخي لي راتبي من هناك”. ويضيف “فرحت كثيراً بعودة الرواتب، فقد ضاق بي الحال وكثرت ديوني”، محمود تخوف أن يكون مطلوب للنظام فبعث أخاه ليقبض الراتب عنه، إلا أن المطلوبين للأمن لم يستطع  أقاربهم استلام رواتبهم، كما هو الحال عند منى فريج (40 عاماً) وهي مدرِّسة في الرقة استمرت بمهنتها رغم انقطاع الراتب عنها، بسبب نشاطها المدني بعد سيطرة المعارضة على المدينة، تقول منى: “حرماني من الراتب لا يعني انقطاعي عن التدريس، فواجبي تجاه طلابي في ظل نقص الكادر التدريسي أهم من المقابل المادي”.

أما قضية مستلزمات الطلاب فتم حلّها بعد أن بعثت منظمة الأمم المتحدة للطفولة-يونيسيف 60 ألف حقيبة مدرسية مجهزة بدفاتر ولوازم مدرسية  لمديرية التربية في الرقة، وُزعت على الطلاب في مدارسهم.

ويقول مدير مكتب التربية في المجلس المحلي لمدينة الرقة ممدوح الأحمد: “عملنا على تشكيل ما يسمى بـالهيئة العليا للتربية، وذلك لتفعيل المدارس وتحييدها عما يجري من أحداث في عموم سوريا. كما تشكلت مديرية التربية الحرة التي تضم كل من مديرية التربية السابقة ودائرة الامتحانات واتحاد المعلمين الأحرار.”  والاتحاد هو مجموعة من المدرسين الذين نشطوا في إعادة  تسيير أمور التربية في المدينة. أما مهمة “مديرية التربية الحرة” فهي إجراء الامتحانات والإشراف عليها ومراقبة دوام الكوادر التدريسية.

وتتألف “الهيئة العليا للتربية” من ممثلين عن مديرية التربية التابعة للحكومة السورية والمجلس المحلي لمدينة الرقة والهيئة الشرعية وكتائب المعارضة في المدينة،  التي تتشكل من “حركة أحرار الشام الإسلامية”  و”جبهة النصرة” وتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. إلا أن التنظيم سحب ممثله من الهيئة لأن لديه مشاريعه الخاصة، حسب قول الأحمد، مدير مكتب التربية في المجلس المحلي، الذي استطرد قائلاً إن عناصر من التنظيم أعطوا ندوة في معظم المدارس ولمرة واحدة تضمنت تعريفاً بالمفاهيم الإسلامية. لكن التنظيم لم يعق مسيرة العملية التعليمية حتى الآن وفق ما أكدته مديرية التربية، ونفى الأحمد حقيقة الشائعات بتأسيس “الدولة الإسلامية” لمدارس في الرقة.

في مدينة الرقة ما يقارب 100 مدرسة، 30 منها مغلقة نظراً لشدة الدمار التي لحق بها نتيجة القصف أو التخريب أو سرقة محتوياتها. وقام مكتب التربية في المجلس المحلي بإعادة تأهيل ما يقارب 30 مدرسة، تضم كافة المراحل موزعة على معظم مناطق المدينة بتبرعات محدودة من بعض أهالي المدينة لا تتجاوز 250 ألف ليرة سورية. يقول الأحمد: “لم يأتِنا دعم من أي منظمة حتى بدء الدوام في المدارس. لكن الآن بعثت لنا عدة منظمات  مثل منتدى رجال الأعمال السوري ووحدة التنسيق والدعم في الإئتلاف الوطني للمعارضة السورية مبالغ بسيطة ووعدت بالمزيد”.

 أما بقية المدارس فلم تتعرض للتخريب وتمكنت من فتح أبوابها دونما الحاجة إلى إعادة تأهيل.

 وبدأ محمود عامه الدراسي بمراجعة لمنهاج السنة الماضية التي لم يستطع إكمالها، ثم بامتحانات أهلّته للانتقال إلى الصف الثامن. وطرأت بعض التغييرات على المنهاج الدراسي الجديد. فقد تم حذف مادة “التربية القومية الاشتراكية”، التي  تدرّس الدساتير والتشريعات العالمية وفكر “حزب البعث العربي الاشتراكي” أيضاً. كما تم ضغط الجدول اليومي في أربع حصص تدريسية بدلا من خمس أو ست ساعات كما في السابق بعد الاستغناء عن المواد الترفيهية كالموسيقى والرياضة والرسم ومرد هذا الأمر تخوف الأهالي من الأوضاع الأمنية واعتبار النهار التدريسي بشكله الحالي أكثر ملائمة للظروف. وتشكو معظم المدارس من قلة في الكادر التدريسي فبحسب محمود، الطالب في مدرسة “المتفوقون”، يفتقر صفه إلى مدرسين لكل من مواد العلوم والاجتماعيات واللغة العربية والتربية الدينية. وتسعى مدرسة محمود ومدارس أخرى إلى حل مشكلة النقص هذه عن طريق زيادة عدد المدرسين غير المثبتين الذين يعملون وفق عقود وكالة مؤقتة.

رئيس دائرة الامتحانات التابعة للمعارضة عبدالباسط الحسين يؤكد وجود نقص في الكادر التدريسي بسبب نزوح بعض السكان ومن ضمنهم مدرسين بعد سيطرة المعارضة على المدينة. ويقول ممدوح الأحمد إن بعض المدرسين الذين بقوا في الرقة يتقاعسون عن القيام بعملهم  بسبب غياب الرقابة. لكن مديرية التربية الحرة أكدت أنها تعتزم القيام بدور “رقابي” على المدارس وإرسال أسماء الأساتذة المهملين إلى مديرية التربية التابعة للحكومة “لمعاقبتهم عبر وزارة التربية عن طريق خصم في الراتب نتيجة الانقطاعات المتكررة عن الدوام”.