الصهاريج تغزو دمشق وريفها بسبب شح المياه

سلام السعدي

(دمشق، سوريا) – نزح أبو عدي (45 عاماً) مع عائلته من مخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق إلى مدينة جرمانا منذ عام وثلاثة أشهر، ليعاني من ضعف الخدمات الحكومية في مكان إقامته الجديد، وخصوصاً الحصول على المياه. يقول أبو عدي: “كنا نتزود بمياه الشرب في مخيم اليرموك بشكل يومي، في حين تزورنا المياه اليوم في جرمانا مرتين إلى ثلاث مرات في الشهر”. ويضيف “ليس سهلاً أن يعتمد الناس على أنفسهم في تأمين أبسط الخدمات كالماء والكهرباء، فنحن نقوم بتعبئة الخزانات الفارغة بأنفسنا بشراء مياه الصهاريج، أما الحكومة فتغط في نوم عميق”.

تنقطع المياه عن مناطق ريف دمشق وبعض أحياء العاصمة لأيام عديدة، ولأسابيع في بعض الأحيان. حين تتوفر المياه تكون بضغط منخفض ولساعات محدودة جداً، بحيث لا يمكن معها تعبئة الخزانات الفارغة، وهو ما يدفع السوريين إلى شراء المياه من الصهاريج التي تتجول في شوارع دمشق، والتي رفعت من أسعارها مع تفاقم الأزمة، لتبيع مياه بعيدة عن المراقبة وقد تهدد الصحة.

نبع الفيجة هو أبرز مصادر المياه في دمشق - يويتيوب/  محمد فائز الصيادي الرفاعي
نبع الفيجة هو أبرز مصادر المياه في دمشق –  يوتيوب/
محمد فائز الصيادي الرفاعي

يشارك قصي (39 عاماً) أبو عدي المعاناة جراء انقطاع المياه عن مدينة صحنايا لأسبوعين متتاليين، وهو “أمر يتكرر دوماً، إذ تتحسن المياه في بعض الأوقات لكنها تعود وتنقطع عنا لفترات طويلة”. يسكن قصي مع عائلته في صحنايا منذ العام 2009، آنذاك “كانت المياه تأتي مرتين في الأسبوع وكان ذلك مقبولاً، لكن مع الضغط الكبير الذي تعرضت له المدينة جراء النزوح أصبح انقطاع المياه شبه دائم”. لكن الضغط السكاني ليس السبب الرئيسي لانقطاع المياه كما يظن قصي، وإنما “تقصير الحكومة وإهمالها للخدمات في مدينتنا”. ويضيف: “أتمنى الانتقال إلى وسط دمشق حيث لا تنقطع المياه، وتتعامل الحكومة مع السوريين باعتبارهم مواطنين درجة أولى”.

يتم تزويد جميع أحياء العاصمة دمشق بالمياه بصورة يومية لبضع ساعات تتفاوت من منطقة إلى أخرى. يقول رامي (22عاماً) وهو طالب جامعي يسكن مع عائلته في حي دمر: “المياه تأتي يومياً وتكاد لا تنقطع، وكذلك الأمر في حي ركن الدين حيث يقطن أخي مع عائلته، ليس لديهم مشكلة مياه على الإطلاق”. لكن أحياء أخرى في العاصمة دمشق بدأت تعاني بالفعل، إذ “تأتي المياه يومياً لبضع ساعات في حي الزاهرة لكن بضغط منخفض جداً لا يسمح بتعبئة الخزانات الفارغة”، يقول أبو جميل الذي يسكن في حي الزاهرة بعد نزوحه من منطقة التضامن. ويضيف الرجل الخمسيني: “قمت بتركيب خزان في الطابق الأول بحيث يمكن تعبئته حتى مع ضغط منخفض للمياه، وذلك لتجنب شراء المياه من الصهاريج”.

 وتبيع الصهاريج المياه بأسعار مرتفعة بعد ازدياد الطلب عليها في الأشهر الماضية، فبلغ سعر الخزان (10 براميل) نحو 900 ليرة سورية (حوالي ست دولارات) بعد أن كان لا يتجاوز 400 ليرة قبل عامين (حوالي أربع دولارات). ويدّعي أصحاب الصهاريج أن المياه معبأة من نبع الفيجة، فيما يتخوف السكان من أن يكون مصدر المياه التي تباع لهم هو الآبار، بما يعني أنها مياه غير معقمة وربما تكون غير صالحة للشرب.

تعترف الحكومة السورية بوجود “مشكلة حقيقية في تأمين المياه لدمشق وريفها” بحسب ما صرح المدير العام للمؤسسة العامة للمياه والصرف الصّحي بدمشق وريفها حسام حريدين لموقع “الاقتصادي”، ويعود ذلك بحسب حريدين إلى “انقطاع التيار الكهربائي عن بعض الأحياء”.

وتعمل مضخات المياه الحكومية على الكهرباء بشكل رئيسي، ولدى انقطاع التيار يتم الاعتماد على المازوت. والحقيقة، أن سوريا تعاني حالياُ من نقص الكهرباء والمازوت على السواء، ما يتسبب بمشكلة مياه دائمة.

ويشير حريدين إلى أن مؤسسة المياه تتحمل أعباء كبيرة من جراء الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وخصوصاً في منطقة نبع بردى ما يؤدي إلى “خروج 100 ألف متر مكعب يومياً من الموارد المغذية للشبكة، ويشكل أعباء كبيرة على المؤسسة للإيفاء بالتزاماتها”.‏ ويضيف سبب آخر يتعلق بانخفاض الهطولات المطرية على حوض نبع الفيجة لموسم الامطار الحالي. إذ بلغت كميات الهطول في مدينة دمشق 94 متر مكعب حتى نهاية العام 2013، فيما يقدر نقص الهطل وسطياً بنحو 45.93 متر مكعب عن العام الذي سبقه.

وتنقطع المياه في مدينة دمشق لأسباب طارئة في بعض الأحيان، كما حدث قبل نحو شهرين عندما انقطعت مياه الشرب بشكل كامل عن كل أحياء العاصمة لأكثر من 24 ساعة. آنذاك، عزت “المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في دمشق وريفها” سبب الانقطاع إلى أنها تلقت “معلومات عن تسلل عدد من المسلحين إلى حرم نبع الفيجة، وخشية قيامهم بتلويث مياه النبع فقد عمدت المؤسسة إلى قطع مياه الفيجة عن مدينة دمشق، تحسباً لحصول أي أضرار على صحة المواطنين”.

وكانت “وزارة الموارد المائية” قد وقعت مع منظمة “العمل ضد الجوع” الدولية على خطة عمل بميزانية إجمالية تقدر بنحو ثلاثة ملايين دولار قابلة للزيادة، وذلك لتقييم قطاع مياه الشرب والصرف الصحي من الناحيتين الخدمية والصحية. تأتي هذه الخطوة في ظل شائعات انتشرت بين السوريين ومفادها أن مياه الشرب التي تصلهم غير معالجة، وقد تتسبب بأضرار صحية، بعد نفاذ مواد التعقيم لدى الحكومة.

أكدت هذه الأنباء تصريحات سابقة لممثل منظمة “اليونيسف” في سوريا يوسف عبد الجليل، الذي قال في أعقاب تزويد سوريا بـ80 طن من مواد التعقيم إن “توقيت هذه العملية مهم جداً في ظل الانخفاض الشديد في إمدادات الكلور في سوريا والذي تسبب في شح المياه الآمنة ما يعرض السكان وخاصة الأطفال للإسهال وغيرها من الأمراض المنقولة عن طريق المياه”.

لكن رامي يأخذ الشائعات على محمل الجد، ويقول: “لا نستعمل مياه الشرب الحكومية قبل أن نعقمها بالغليان. الحقيقة أننا لا نثق بالحكومة وبخدماتها حالياً، فضلاً عن أن أبي طبيب، وهو مهووس بالصحة والنظافة وتعقيم الأشياء”.