الشهيد الحي عاد ليودّعنا
امرأة تسير في حيّ صلاح الدّين
قصص البطولات التي سمعناها في الثورة السورية كثيرة ولكن قصة أخي كانت من أندرها وأكثرها غرابة.
أخي زهير ذو الستة عشر ربيعاً، شارك في الثورة السورية منذ بداياتها. امتهن التصوير حرفة، فكان من أكثر شباب الحي نشاطاً وحيوية.عمل في عدة مكاتب إعلامية وتعرض للكثير من المواقف. اعتقله أمن النظام السوري أكثر من مرة ولكن بسبب صغر سنه كانوا يخلون سبيله بعد ضربه طبعاً.
بعد العام 2012 اتخذت الثورة السورية في مدينة دوما منحى آخر. ظهر العمل المسلح على الساحة و نشط بشكل كبير. في تلك الفترة اعتقلوا أبي و سرقوا سيارته. و لم نعد نعلم عنه شيئاً. التحق زهير بإحدى الكتائب التي تشكلت في المدينة. وفي تلك الفترة قام النظام بقطع الطحين عن مدينتنا. وبدأت معركة القصاص العادل التي كانت تهدف إلى تحرير المطاحن في عدرا التي تقع بالقرب من دوما. فخرج أخي مع لواء نسور الشام كمصور ميداني في المعركة. أعتقد أن تاريخ تلك القصة في بداية شهر حزيران/يونيو عام 2013 . خلال المعركة تمترس أخي مع مجموعة مكونة من 16 مقاتلاً في غرفة تقع في مزرعة بسيطة. هناك اشتبكوا مع الأمن وفقدوا أغلب ذخيرتهم. واستشهد في بداية الاشتباك 4 مجاهدين. حاولوا التواصل مع القيادة ولكن كانت المعارك في تلك الآونة على أشدّها. ولم تستطع أي من المجموعات الأخرى الاقتراب منهم ومؤازرتهم. عرفوا أنه لم يعد لديهم من خيار أمامهم سوى الاستمرار في محاولة التصدي للجيش السوري. تابعوا معركتهم لعدة ساعات واستبسلوا في المعركة. الموت أهون من أن يقع أي واحد منهم بيد الأمن. قبيل الظهير كان قد استشهد جميع المجاهدين، و بقي أخي فقط.
يروي أخي أنه كان قد أصيب بيده. وقبل أن يقتحم عناصر الجيش السوري النظامي المزرعة عمد أخي إلى تطيخ نفسه بدماء أصدقائه. وارتمى بينهم. تظاهر بالموت. وعندما دخل الجنود إلى الغرفة التي كانوا بها بدأوا بمعاينة الجثامين، والتفتيش عن مقتنيات المجاهدين. شاهدهم يسرقون ما في جيوب رفاقه الذين قضوا. أصابه الخوف حين اقترب أحدهم منهم وقام بالدوس فوقه. كتم أخي صراخه وألمه، كان يخشى أن يصيبه ما هو أشد من الألم إن تنهّد حتى.
غادر عناصر الجيش السوري بسرعة المزرعة فالمعركة كانت ببداياتها. حينها شعر أخي بالاطمئنان. عمل على إسعاف نفسه، فربط جرحه. بحث عن أي وسيلة اتصال أو أي جهاز لاسلكي نجا من السرقة، فلم يوفق إلا بجهاز محطّم. مر وقت طويل وهو في معاناته حتى سمع صوت حركة في المزرعة. حاول أن يقترب من الباب ليسترق النظر عبره. ولكنه تراجع، شعر بالخوف، وبدأ يفكر. لعل قوات النظام هي من جاءت. فتراجع و بقي في مكانه لتطل بعد قليل عدة دجاجات. كانت ما بقي في المزرعة.
لم يعد لدى زهير قدرة على الصمود أكثر من ذلك. سند جسده المتعب على الحائط وبدأ ينتظر معجزة تخرجه من مكانه. هذا وبدأت الشمس بالمغيب ولا شيء يحدث.
عند الساعة السابعة مساء، بدأ زهير بالزحف خارج الغرفة، ليصل إلى باب المزرعة بصعوبة بالغة. هناك حاول أن يتقدم إلى إحدى النقاط التي يعلم أنها للجيش الحر. واستطاع الوصول إلى نقطة فيها مجاهدين هرعوا إلى إسعافه، وأعادوه إلى دوما.
في ذلك اليوم كانت أمي قلقة ومضطربة بشكل كبير، لا تعرف ما بها. تحاول عبثاً أن تصبّر نفسها ولكن دون جدوى. وفي المساء عندما جاء أخي ويده ملفوفة بالشاش. وأصدقاءه يقومون بإسناده، ركضت تعانقه وتبكي وهو يصرخ من ألمه ويحاول تهدئتها.
أعدت أمي طعام العشاء، وسهرنا وذلك الضوء الخافت رفيق سهرتنا، بغياب الكهرباء. وبدأ أخي يقصّ علينا ما حدث معه. كيف استطاع أن يخدع رجال الأمن السوري ويدّعي الموت. كان يضحك ويبتسم، ونحن ننظر إليه بشغف وحب فرحين لوجوده بيننا.
أصبح لقب زهير عقب تلك القصة الشهيد الحي. وتهافت عليه الصحفيون الموجودون في المدينة، ليوثقوا قصته أذكر منهم احمد زيدان مراسل الجزيرة وغيره.
فرحتنا بعودته لم تدم كثيراً، لأن زهير بعد شفائه من إصابته عاد إلى الجبهة ليستشهد في معركة المطاحن أيضاً في مدينة عدرا وذلك في 16 حزيران/يونيو 2013. كأن تلك الفترة القصيرة التي قضاها بيننا بعد إصابته، كانت بمثابة وداع لنا لنحمل منه ذكريات عديدة تصبرنا على فقدانه في ما بعد ….
سمر الأحمد (25 عاماً) أخت شهيد، ابنة معتقل. تعمل في المجال الإغاثي، متزوجة ولديها طفلة. وتعيش بالغوطة الشرقية المحاصرة بريف دمشق.
بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي