السوريون يواجهون الشتاء “الأبرد” بلا مازوت

سلام السعدي

(دمشق، سوريا) – يقف الأبناء الثلاثة لأبي خالد (45 عاماً) في طابور طويل يمتد عشرات الأمتار أمام محطة وقود في منطقة قدسيا في ريف دمشق، في محاولة جماعية منهم للحصول على المازوت للتدفئة. يقول الابن الأكبر خالد (20 عاماً) أن المحطة “لا تبيع لكل شخص أكثر من 20 ليتر، بسبب الشح الشديد في المادة، وهو ما جعلنا نأتي جميعاً للحصول على أكبر كمية ممكنة تحسباً من انقطاع المازوت بشكل تام في هذا الشتاء القارص”.

الثلوج تغطي حي القابون في دمشق - "عدسة شاب دمشقي"
الثلوج تغطي حي القابون في دمشق – عدسة شاب دمشقي

وتبيع محطات الوقود ليتر المازوت، كما يقول خالد، “بأسعار تتفاوت من يوم إلى آخر، وتراوح بين 75 و100 ليرة، بالرغم من أن السعر المحدد من قبل الحكومة هو 60 ليرة”. ويضيف: “غير أننا مضطرون للرضوخ لهذا الابتزاز في ظل موجة قاسية من الصقيع، ومع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة وصعوبة الاعتماد عليه للتدفئة”.

معاناة عائلة أبو خالد ليست حالة خاصة، بل باتت القاسم المشترك بين الغالبية العظمى من العائلات السورية. ففي المناطق الخاضعة للنظام السوري، وفي تلك التي سيطرت عليها قوات المعارضة، يشترك ملايين السوريين في معاناة غياب وسائل التدفئة في مواجهة موجات الصقيع والعواصف الثلجية التي تضرب المنطقة في هذا الشتاء “الأقسى منذ 100 عام” كما يقول خبراء الأرصاد الجوية.

تتركز معاناة المقيمين في المناطق التابعة للحكومة في شح مادة المازوت وارتفاع أسعاره بصورة لا يحتملونها وصلت في السوق السوداء إلى “150 ليرة لليتر الواحد”، بحسب عمر(38 عاماً)، وهو رب أسرة مكونة من ثلاثة أفراد يقيمون في منطقة صحنايا، بعد أن نزحوا قبل نحو عام من مخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق. ويقول عمر: “سجلنا كعائلة مطلع الصيف للحصول على 400 ليتر مازوت ادعت الحكومة أنها ستخصصها لجميع العائلات السورية بالسعر المدعوم (60 ليرة)، وها هو فصل الشتاء يحل من دون أن نحصل على ليتر واحد”. عمر موظف حكومي في مؤسسة الكهرباء، وبسبب تدني دخله، اضطر إلى ممارسة مهنة مسائية وهي “إصلاح وتمديد كابلات الكهرباء في المنازل والمحال التجارية”، ويضيف عمر: “ومع ذلك اعجز بدخلي هذا عن شراء المازوت من السوق السوداء”. وفي ما يتعلق بوسائل التدفئة في ظل انقطاع الكهرباء، يجيب عمر: “نعتمد على الكهرباء فقط، في ساعات غيابها نستخدم البطانيات والثياب”.

في مقابلة مع موقع “الاقتصادي”، اتهم نقيب عمال النفط في مدينة دمشق علي مرعي محطات الوقود الخاصة بـ “تهريب المازوت إلى السوق السوداء”. وأشار مرعي إلى أن محطات القطاع العام تخضع لرقابة مشددة من قبل الحكومة التي “تغض الطرف عن محطات القطاع الخاص وتجاره”.

الحكومة أوصلت المازوت للعديد من العائلات السورية، ومنها من رفض استلامها، مثل أبو قصي، الذي يقيم في ضاحية جرمانا، والذي يشعر “بندم شديد” بعد أن عرضت عليه الحكومة 200 ليتر من المازوت في شهر أيلول/ سبتمبر من العام الحالي، ورفض استلامها لعدم توفر المبلغ النقدي اللازم. ويبرر الرجل الخمسيني ذلك بالقول: “عندما سجلت اسمي للحصول على المازوت في شهر أيار/مايو كان سعر الليتر 35 ليرة، لكن الحكومة رفعته لاحقاً إلى 60 ليرة، وهذا مبلغ كبير جداً بالنسبة لدخلي”.

وكان سعر ليتر المازوت عند اندلاع الاحتجاجات في سوريا 20 ليرة فقط، قبل أن تبدأ الحكومة برفعه على دفعات مبررة ذلك بأن “سعر مادة المازوت المنخفض قياساً بدول الجوار يسهم في زيادة تهريب هذه المادة إلى الخارج وبالتالي تكبيد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة”.

هكذا، لا يكون سبب عجز السوريين عن الوصول لمادة المازوت هو شح المادة أو سوء توزيعها فحسب، بل انخفاض قدرتهم الشرائية مع الارتفاعات المتكررة في أسعار المحروقات، فضلاً عن أسعار مختلف أنواع السلع والخدمات. فقد بلغت نسبة المواطنين الممتنعين عن استلام المادة لعدم تمكنهم من الدفع أكثر من 10 في المئة. أما مدير “فرع محروقات دمشق” سهيل نخلة فقد صرح في مقابلة مع “الاقتصادي” في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بأن 15 في المئة من المسجلين “طلبوا تأجيل استلامهم المادة، نظراً لعدم تمكنهم من دفع القيمة تزامناً مع بدء موسم المدارس والمونة وفترة العيد”.

في مناطق المعارضة، حيث تغيب الخدمات الحكومية، وتتساقط القذائف والصواريخ على نحو شبه يومي، يبدو الوضع بالغ السوء. إذ “نال الدمار من معظم المساكن، وجعلها مفتوحة على العراء، كلياً أو جزئياً” بحسب سامي (25 عاماً) الناشط الإعلامي في الغوطة الشرقية. يشارك سامي منذ نحو عام السوريين المقيمين في الغوطة الشرقية معاناتهم، وذلك بعد أن بات مطلوباً للأمن السوري بسبب انخراطه في التظاهرات وتخلفه عن الخدمة العسكرية، حينها قرر العامل في شركة غذائية مقرها مدينة عدرا (ريف دمشق) أن يقيم بمدن الغوطة الخارجة عن سيطرة الحكومة. يقول سامي: “يعتمد السوريون الذين يقيمون في تلك المناطق على ما تيسر لهم من وسائل تدفئة، فيحرقون الأثاث الخشبي المدمر ويحتطبون الأشجار في حال وجدت، فضلاً عن إحراق إطارات السيارات وكل ما هو قابل للاشتعال”.

أما عن توفر المازوت يقول سامي: “يتوفر المازوت في معظم البلدات لكن بكميات قليلة وبأسعار مرتفعة جداً، تتراوح بالنسبة لليتر الواحد بين 500و900 ليرة”، ويضيف: “ليس هذا هو الحال في جميع المناطق المحررة، إذ ترتفع أسعار المازوت أكثر في غوطة دمشق بسبب الحصار الشديد الذي فرض بشكل تام منذ عدة أشهر، فيما بيع ليتر المازوت قبل ذلك بسعر تراوح بين 200و400 ليرة”.

وكان “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” قد طالب “منظمات الإغاثة الإنسانية حول العالم، الحكومية منها وغير الحكومية، العالمية والإقليمية، بتوفير المساعدات العاجلة والسريعة والأساسية للسوريين، لتجنيب الأطفال والنساء والشيوخ الموت برداً”. يأتي ذلك في أعقاب العاصفة الثلجية القاسية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط، وتسببت في مقتل عشرة أطفال سوريين في مناطق المعارضة وفق ما أفادت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“.