السوريون في الأردن بين معاناة الاندماج والرغبة في الاستقرار

ميليا عيدموني

(عمان، الأردن) – يصر كثير من السوريين في الأردن على أن إقامتهم ما هي إلا مرحلة مؤقتة وعودتهم إلى سوريا باتت قريبة، إلا أن أغلبهم بدأ يتأقلم مع وضعه الحالي وإمكانية أن تمتد فترة إقامتهم لمدة أطول، نظرا للتطورات الميدانية في سوريا. ومع بداية العام 2014 ارتفع عدد اللاجئين السوريين في الأردن إلى مليون و330 ألفا، واحتد الخطاب الإعلامي المعادي لوجودهم واتهامهم بسرقة  فرص عمل الأردنيين وزيادة الكلف المالية الملقاة على عاتق الحكومة التي تعاني مسبقاً من مشاكل الفقر، البطالة، وارتفاع الأسعار.

تعيل السيدة رهف التي تعيش في عمان عائلتها من خلال تحضير الطعام في إطار عمل جمعية تنموية. تصوير: ميليا عيدموني.
تعيل السيدة رهف التي تعيش في عمان عائلتها من خلال تحضير الطعام في إطار عمل جمعية تنموية. تصوير: ميليا عيدموني.

“كثيراً ما أسمع في المواصلات العامة كلاماً غير مباشر ضد السوريين، وأننا السبب في دمار بلدنا، وأفضل مكان لنا  كعقاب هو مخيم الزعتري، لا يمكنني سوى تجاهله فنحن في نهاية المطاف ضيوف في هذا البلد”، تقول رهف إبراهيم (40 عاماً)التي مضى على لجوئها إلى الأردن مع زوجها وأولادها ما يزيد عن تسعة أشهر.

بعد التنقل بين ريف حمص ودمشق لمدة عام كامل، عاشت خلالها رهف الرعب والقلق من فكرة اعتقال ابنها مازن (19 عاماً)المطلوب للخدمة الإلزامية، قررت اللجوء إلى الأردن على أمل أن تجد حياة أكثر أمناً ويتمكن أولادها من متابعة تعليمهم بعد أن تعرض منزلهم في داريا للقصف وخسروا كل شيء.

دخلت رهف وعائلتها إلى الأردن بطريقة نظامية عبر معبر نصيب الحدودي، ولها  أقارب مقيمين في عمّان لذلك قررت السكن بالقرب منهم، بينما لا يتمكن من دخل الأردن دون المرور بالمعابر الشرعية أن يغادر المخيمات من دون وساطة كفيل أردني. أما المستثمرون، يتمتعون بتسهيلات خاصة.

تسكن رهف وعائلتها في منطقة شعبية في وسط عمّان، وتمكنت من العمل في المطبخ  السوري لمبادرة سوريات عبر الحدود موضحة في حديثها لموقع “دماسكوس بيورو” أن تكاليف الحياة في المدينة مرتفعة ويصعب عليها أحياناً هي وزوجها  تأمين المصروف  الشهري، من إيجار وفواتير الكهرباء إضافة لرسوم التسجيل في المدارس، ما يعادل 500 دولار شهرياً، تغطي قسماً منها عبر عملها.

تقول رهف: “اعمل على تحضير وجبات من الطعام السوري وعائد بيعه يعود لدعم 30 سيدة سورية، يغطي راتبي (300  دولار) نفقات الأسرة الأساسية، حيث أساهم مع زوجي في المصاريف الأساسية  وفي أغلب الأحيان نعجز عن تأمين معظمها”.

 تشير السيدة ليلى نفّاع رئيسة “جمعية النساء العربيات” إلى وجود “نقمة  تزداد بشكل متواصل، مما يعكر صفو العلاقات الاجتماعية بين اللاجئين والمجتمع المضيف، خاصة في القرى الحدودية في شمال المملكة”.تضيف نفّاع أنه في البداية تم استقبال اللاجئين بترحاب شديد من قبل الأردنيين اعتقاداً منهم أن المشكلة السورية ستنتهي بسرعة. ولكن مع غياب الحل، شعر الأردنيون بضيق شديد بسبب الصعوبات المعيشية التي يعانون منها وفي مقدمتها البطالة بين صفوف الشباب، ما وضع  اللاجئين السوريين في مواجهة مع الشباب والشابات في المدن والأرياف الأردنية بسبب قلة الوظائف المتوفرة من قبل القطاع الخاص وطمع أصحاب العمل بتوظيف العمالة الرخيصة.

بدورها تقول بيان العدوي (27 عاماًً)، وهي شابة سورية مقيمة في الأردن، أن غلاء المعيشة وصعوبة إيجاد فرص عمل خلق نوع من الحقد بين الأردنيين تجاه السوريين، مشيرة إلى أنه في حال تم ايجاد هذه الفرصة فستكون لساعات طويلة و راتب قليل، بالأضافة لصعوبة الحصول على تصريح عمل والذي فُرض من قبل الحكومة الأردنية مع نهاية شهر تشرين الأول/اكتوبر 2013، ويتعرض العامل السوري لخطر الاعتقال أو التسفير في حال عدم الحصول عليه.

 ويتم منح تصريح عمل للعمالة غير الاردنية وفقاً لأحكام المادة (12) من قانون العمل رقم 8 لسنة 1996 التي تنص على أنه لا يجوز استخدام اي عامل غير اردني الا بموافقة الوزير أو من يفوضه شريطة ان يتطلب العمل خبرة وكفاءة غير متوفرة لدى العمال الاردنيين. ويعمل معظم السوريين لقاء أجور تحت الحد الأدنى، الذي يساوي 282  دولار.
وأشارت العدوي أن الإعلام الأردني لعب في البداية دوراً سلبياً وزاد من حدة الاحتقان بين السوريين والمجتمع المضيف من خلال بعض البرامج الاذاعية المحلية.
وتقدم جمعية النساء العربيات للاجئيين السوريين خدمات نفس –اجتماعية و قانونية، من خلال مركزين في الضليل والرصيفة في محافظة الزرقاء، بهدف التخفيف من الصعوبات القانونية التي تواجههم، وتشير السيدة نفّاع إلى أن حالة النكران للمشاكل النفسية ما زالت سائدة. كما يتم التكتم على المشاكل الاجتماعية المتعلقة بالعنف الموجه ضد النساء والفتيات بسبب “الوصمة الاجتماعية” وهذا يؤدي إلى تأخير البدء بالعلاج والتغلب على الإصابة الناجمة عن العنف بكل أشكاله.
من جانبه لا يرى حسام حميدي (25عاماً) أي معوقات اجتماعية تحول دون اندماج اللاجئين السوريين بالمجتمع الاردني نظرا للقرب الجغرافي وتشابه العادات والتقاليد بين الشعبين ، ولكن ما يعوق هذا الاندماج هو النواحي القانونية المتعلقة بالحقوق والواجبات، ويقول حميدي” انتمائي لعائلة أردنية من جهة والدتي خفف من وطأة البعد للعام الثالث عن سوريا ولم أشعر بغربة وهو ما لا أستطيع تعميمه على كافة السوريين هنا، ولكن ما زالت أكبر همومي حاليا الحصول على فرصة عمل”.

وأطلقت الأمم المتحدة مؤخراً خطتها الجديدة لتوسيع نطاق الاستجابة للمتضررين من الأزمة السورية، بميزانية 4.3 مليار دولار، تغطي ستة بلدان متضررة بما فيها الأردن بملبغ (1.2) مليار دولار. وقال وزير الاعلام والاتصال الدكتور محمد المومني في المؤتمر الصحفي أن كمية المساعدات التي تتلقاها الحكومة الأردنية لمواجهة الأعباء المترتبة عليها جراء استضافة اللاجئين السوريين لا تكفي، وإذا لم يتم تقديم المزيد من المساعدات فإن فرق التكلفة والأعباء سيترتب على ميزانية الدولة، مضيفاً “وجود اللاجئين السوريين يشكل ضغطا على مختلف القطاعات في الأردن، مؤكدا التزام بلاده بالقانون الدولي واستمرار استقبال اللاجئين من سوريا”.
وتتفق الصحفية السورية  ناريمان عثمان (27عاماً) مع حميدي أن وجود أقارب أردنيين لها  خفف شعور الغربة “حالفني الحظ  أني جئت إلى الأردن قبل عام ونصف مع أسرتي، ولدينا أقارب والكثير من المعارف والجيران ممن غادروا سوريا إلى الأردن، معبرة عن شعورها بالارتياح للتغيروالمكان الجديد، الأمر الذي منحها نوعاً من الدفع للعمل الصحفي، وخاصة أن هاجس الاعتقال وملاحقة الأمن السوري لم يعد موجوداً، “الكثير من مخاوفي المسبقة تبددت في النهاية نحن نتكلم لغة واحدة ومتشابهون في الثقافة، قد تختلف بعض التفاصيل الصغيرة في الطقوس والتقاليد لكنه يشبه الاختلاف بين منطقة وأخرى في سوريا”.
وتعترف عثمان أنها ما زالت تفتقد الشعور العميق بالاستقرار الأمر الذي يشاركها به ملايين السوريين نظرا للظرف العام .
وتؤكد السيدة صباح هلسة رئيسة مركز التعليم الاجتماعي في جمعية شرق عمّان أن حملات التوعية المجتمعية بحقوق اللاجئين وتوزيع المساعدات بطريقة أكثر تنظيماً لتشمل المجتمعات المضيفة ساهم في التخفيف من حدة  التوتر بين السوري والأردني .